قال ابن عباس: نزلت في عشرة تخلفوا عن غزوة تبوك، فأوثق سبعة منهم أنفسهم في سواري المسجد. وقال بنحوه قتادة، وقال: وفيهم نزل: خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً وهي الآية التالية.
أخذ الصدقة وقبول التوبة والأمر بالعمل الصالح
[سورة التوبة (٩) : الآيات ١٠٣ الى ١٠٥]
خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٠٣) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١٠٤) وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٠٥)
الإعراب:
تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ جملتان فعليتان في موضع نصب على الحال من ضمير خُذْ أو أن يكون تُطَهِّرُهُمْ وصفا لصدقة، وتزكيهم: حالا من ضمير: خُذْ.
البلاغة:
إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ فيه تشبيه بليغ، وأصله كالسكن، فحذفت أداة التشبيه ووجه الشبه.
أَلَمْ يَعْلَمُوا استفهام للتقرير في النفس، قصد به حثهم على التوبة والصدقة.
وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ مجاز عن قبوله لها.
المفردات اللغوية:
صَدَقَةً ما ينفقه المؤمن قربة لله وَتُزَكِّيهِمْ بِها تنمي بها حسناتهم وترفعهم إلى منازل
المخلصين، فأخذ ثلث أموالهم وتصدق بها. وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ادع لهم واستغفر سَكَنٌ أي تسكن إليها نفوسهم وتطمئن بها قلوبهم، والسكن في الأصل: ما تسكن إليه النفس وترتاح من منزل وأهل ومال ودعاء وثناء وَاللَّهُ سَمِيعٌ لاعترافهم عَلِيمٌ بندامتهم وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ يقبلها التَّوَّابُ صيغة مبالغة، أي يقبل توبة عباده الرَّحِيمُ بهم، صيغة مبالغة أيضا.
اعْمَلُوا ما شئتم وَسَتُرَدُّونَ بالبعث إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الله فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ يجازيكم به
سبب النزول: نزول الآية (١٠٣) :
خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ:
أخرج ابن جرير عن ابن عباس: أن هؤلاء الذين أطلقهم النبي صلى الله عليه وسلّم من سواري المسجد لما اعترفوا بذنوبهم وتاب الله عليهم، وهم أبو لبابة وأصحابه، جاؤوا بأموالهم، فقالوا: يا رسول الله، هذه أموالنا التي كانت سببا في تخلفنا، فتصدق بها عنا واستغفر لنا، فقال: ما أمرت أن آخذ من أموالكم شيئا، فأنزل الله: خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً الآية. فأخذ الرسول صلى الله عليه وسلّم من أموالهم الثلث.
قال الحسن البصري: وكان ذلك كفارة الذنب الذي حصل منهم. وقال جماعة من الفقهاء: المراد بهذه الآية الزكاة المفروضة، وعلى هذا يكون قوله: خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ هو لجميع الأموال والناس، وهو عام يراد به الخصوص في الأموال، إذ يخرج عنه الأموال التي لا زكاة فيها كالديار والثياب «١».
وهذا النص، وإن كان خاصا بالرسول صلى الله عليه وسلّم، وذا سبب خاص، فهو عام يشمل خلفاء الرسول ومن بعدهم من أئمة المسلمين، لذا قاتل أبو بكر الصديق وسائر الصحابة مانعي الزكاة من أحياء العرب، حتى أدّوا الزكاة إلى الخليفة، كما كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وقال الصدّيق: «والله لو منعوني عقالا- أو عناقا- كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم، لأقاتلنهم على منعه».
المناسبة وتعيين المراد بالصدقة:
إذا كان المقصود من كلمة صَدَقَةً كفارة الذنب الذي صدر من المتخلفين عن غزوة تبوك، كما قال الحسن البصري فيما تقدم، فالمناسبة بين هذه الآية وما قبلها واضحة لأن المراد علاج خطأ هذه الفئة من الناس، وتكون الآية خاصة بهم. ويمكن تعميم المراد بالآية بأن يقال: إنكم لما رضيتم بإخراج الصدقة التي هي غير واجبة، فلأن تصيروا راضين بإخراج الواجبات أولى.
وأما إذا كان المقصود من الآية الزكوات الواجبة أو إيجاب أخذ الزكاة من الأغنياء، وهو رأي أكثر الفقهاء، وهو الصحيح، فالمناسبة تكون على النحو التالي: لما أظهر هؤلاء التوبة والندامة عن تخلفهم عن غزوة تبوك، وأقروا بأن السبب الموجب لذلك التخلف هو حبهم للأموال، وشدة حرصهم على صونها عن الإنفاق، فكأنه قيل لهم: إنما تظهر صحة قولكم في ادعاء هذه التوبة والندامة لو أخرجتم الزكاة الواجبة لأن الدعوى لا تتقرر إلا بالمعنى، وعند الامتحان يكرم المرء أو يهان. فإن أدوا تلك الزكوات عن طيب نفس، ظهر كونهم صادقين في توبتهم، وإلا فهم كاذبون.
ومما يدل على أن المراد الصدقات الواجبة قوله: تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها أي تطهرهم عن الذنب بسبب أخذ تلك الصدقات.
قال الجصاص: والصحيح أنها الزكوات المفروضة، إذ لم يثبت أن هؤلاء القوم أوجب الله عليهم صدقة دون سائر الناس، سوى زكوات الأموال، وإذا لم يثبت بذلك خبر، فالظاهر أنهم وسائر الناس سواء في الأحكام والعبادات، وأنهم غير مخصوصين بها دون غيرهم من الناس.
ولأنه إذا كان مقتضى الآية وجوب هذه الصدقة على سائر الناس لتساوي الناس في الأحكام إلا من خصه دليل، فالواجب أن تكون هذه الصدقة واجبة
على جميع الناس، غير مخصوص بها قوم دون قوم، وإذا ثبت ذلك كانت هي الزكاة المفروضة إذ ليس في أموال سائر الناس حق سوى الصدقات المفروضة.
وقوله: تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها لا دلالة فيه على أنها صدقة مكفرة للذنوب غير الزكاة المفروضة لأن الزكاة المفروضة أيضا تطهر وتزكي مؤديها، وسائر الناس في المكلفين محتاجون إلى ما يطهرهم ويزكيهم «١».
التفسير والبيان:
خذ أيها الرسول وكل حاكم مسلم بعدك من أموال هؤلاء التائبين ومن غيرهم صدقة مقدرة بمقدار معين، تطهرهم بها من داء البخل والطمع، وتزكي أنفسهم بها، وتنمي بها حسناتهم، وترفعهم إلى منازل المخلصين. والتزكية: مبالغة في التطهير وزيادة فيه، أو بمعنى الإنماء والبركة في المال، أي أنه تعالى يجعل النقصان الحاصل بسبب إخراج قدر الزكاة سببا للإنماء،
وفي الحديث الذي رواه أحمد ومسلم والترمذي عن أبي هريرة: «ما نقصت صدقة من مال».
وَصَلِّ عَلَيْهِمْ أي ادع لهم واستغفر وترحم، فإن دعاءك واستغفارك سكن لهم يسكنون إليه وتطمئن قلوبهم بأن الله قد تاب عليهم. والصلاة من الله على عباده: الرحمة، ومن ملائكته: الاستغفار، ومن النبي والمؤمنين: الدعاء.
وَاللَّهُ سَمِيعٌ يسمع اعترافهم بذنوبهم ودعاءهم، وسميع لدعائك سماع قبول وإجابة، عليم بما في ضمائرهم وبإخلاصهم في توبتهم وصدقاتهم وبما فيه الخير والمصلحة لهم.
فالصدقة مطهرة للنفس، مرضاة للرب، وحصن للمال.
ألم يعلم أولئك التائبون وجميع المؤمنين أن الله هو الذي يقبل توبة عباده،
ويتجاوز عن سيئاتهم، ويأخذ الصدقات أي يقبلها ويثيب عليها ويضاعف أجرها، كما قال: إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً، يُضاعِفْهُ لَكُمْ، وَيَغْفِرْ لَكُمْ [التغابن ٦٤/ ١٧]
وفي الحديث الثابت الذي رواه الشيخان عن أبي هريرة: «إن الله يربي الصدقة كما يربي أحدكم فلوّه»
أي ولد الفرس، وهذا تمثيل لزيادة الأجر.
وفي هذا حث على التوبة وإعطاء الصدقة سواء كانت فريضة أو تطوعا. قيل في سبب نزول هذه الآية: قال الذين لم يتوبوا من المتخلفين: هؤلاء كانوا معنا بالأمس، لا يكلّمون ولا يجالسون، فما لهم الآن؟ وما هذه الخاصة التي خصّوا بها فنزلت: أَلَمْ يَعْلَمُوا فالضمير في يَعْلَمُوا عائد إلى الذين لم يتوبوا من المتخلفين.
وأن الله هو التواب الذي من شأنه قبول توبة التائبين، والتفضل عليهم، وهو الرحيم بعباده التائبين، الذي يثيبهم على أعمالهم الصالحة، كما قال تعالى:
وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى [طه ٢٠/ ٨٢] وقال عز وجل: وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ، فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ، وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ، وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا، وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران ٣/ ١٣٥] والتوبة مفيدة في تجديد همة النفس والعهد، ومحو الذنب.
وقل أيها الرسول لهؤلاء التائبين ولغيرهم: اعملوا، فإن عملكم لا يخفى على الله وعباده، خيرا كان أو شرا، فالعمل أساس السعادة، وسيرى الله عملكم، ورسوله والمؤمنون باطلاعه إياهم على أعمالكم. وهذا وعيد لهم وتحذير من عاقبة الإصرار على الذنب والذهول عن التوبة، ولكل المخالفين أوامر الله، بأن أعمالهم ستعرض عليه تعالى، وعلى الرسول، وعلى المؤمنين، وهذا كائن لا محالة يوم القيامة، كما قال: يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ [الحاقة ٦٩/ ١٨].
وقال النبي صلى الله عليه وسلّم فيما يرويه أحمد والبيهقي عن أبي سعيد الخدري: «لو أن
أحدكم يعمل في صخرة صماء، ليس لها باب ولا كوّة، لأخرج الله عمله للناس، كائنا ما كان»
وقد ورد: أن أعمال الأحياء تعرض على الأموات من الأقرباء والعشائر في البرزخ،
كما قال أبو داود الطيالسي، روي عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «إن أعمالكم تعرض على أقربائكم وعشائركم في قبورهم، فإن كان خيرا استبشروا به، وإن كان غير ذلك قالوا: اللهم ألهمهم أن يعملوا بطاعتك».
وستردون يوم القيامة إلى الله الذي يعلم سرائركم وعلانيتكم، يعلم الغائب والحاضر، والباطن والظاهر، فيعرفكم أعمالكم، ثم يجازيكم عليها إن خيرا فخير، وإن شرا فشر. وهذا كلام جامع للترغيب والترهيب.
فقه الحياة أو الأحكام:
يستنبط من الآيات الأحكام الثلاثة التالية:
١- فرضية أخذ الصدقات وهي الزكوات الواجبة لتطهير النفوس وتزكيتها وتنمية الأموال والبركة فيها. وأن صلاة الرسول صلى الله عليه وسلّم شفاعة وطمأنينة.
٢- قبول الله توبة التائبين بحق أي التوبة الصحيحة، وقبول الصدقات الصادرة عن خلوص النية والإثابة عليها، وسمى تعالى نفسه باسم اللَّهُ لينبه على أن كونه إلها يوجب قبول التوبة، والتخصيص بالله يدل على أن قبول التوبة وردها إلى الله، لا إلى الرسول صلى الله عليه وسلّم.
٣- كل إنسان مجزي بعلمه، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، والعمل مشهود عند الله ورسوله والمؤمنين، وفي ذلك وعيد من الله تعالى للمخالفين أوامره بأن أعمالهم ستعرض عليه تبارك وتعالى وعلى الرسول صلى الله عليه وسلّم، وعلى المؤمنين، في عالم البرزخ، كما قال تعالى: يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ [الحاقة ٦٩/ ١٨].
لكن آية: خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ عامة في أصناف الأموال، لم تبين نوع المال المأخوذ منه ولا مقدار المأخوذ، فيقتضي الظاهر أن يؤخذ من كل صنف بعضه لأن مِنْ أَمْوالِهِمْ تقتضي التبعيض، فدلت الآية على أن القدر المأخوذ بعض تلك الأموال، لا كلها، لكن البعض غير مذكور هنا صراحة في اللفظ، فجاءت السنة والإجماع لبيان مقدار المأخوذ والمأخوذ منه، ومقادير الأنصبة ووقت الاستحقاق، ويكون لفظ الزكاة مجملا في هذه الوجوه كلها، مفتقرا إلى البيان فيما ذكر كما قال الجصاص. وقد نص القرآن على زكاة الذهب والفضة بقوله تعالى:
وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ، وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ [التوبة ٩/ ٣٤] ونص أيضا على زكاة الزروع والثمار في قوله سبحانه:
وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ إلى قوله: كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ، وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ [الأنعام ٦/ ١٤١] وأوضحت السنة زكاة سائر الأموال الأخرى التي تجب فيها الزكاة، وهي عروض التجارة، والأنعام السائمة (الإبل والبقر والغنم) وبينت مقاديرها وأنصبتها
روى الأئمة عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال: «ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة، وليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة، وليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة» «١».
وأجمع العلماء على أن الأوقية أربعون درهما فإذا ملك الحر المسلم مائتي درهم من الفضة، وهي الخمس الأواق المنصوصة في الحديث، حولا كاملا، فقد وجبت عليه صدقتها، وذلك ربع عشرها خمسة دراهم.
وإنما اشترط الحول
لما أخرجه الترمذي من قوله صلى الله عليه وسلّم: «ليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول. وما زاد على المائتي درهم من الفضة فبحساب ذلك في كل شيء منه ربع عشره، قل أو كثر.
وأما زكاة الذهب فتجب في رأي جمهور العلماء إذا كان الذهب عشرين دينارا قيمتها مائتا درهم، فما زاد، عملا بحديث علي الذي أخرجه الترمذي.
وأما زكاة الغنم ففي كل أربعين شاة شاة، على ما جاء في كتاب الصّديق لأنس لما وجهه إلى البحرين، وأخرجه البخاري وأبو داود والدارقطني والنسائي وابن ماجه وغيرهم.
وزكاة البقر في كل ثلاثين بقرة تبيع أو تبيعة، وفي كل أربعين مسنّة لما رواه الدارقطني والترمذي عن معاذ بن جبل حينما بعثه إلى اليمن.
ولا زكاة في رأي الجمهور على الأنعام إلا إذا كانت سائمة ترعى في البراري ونحوها
لما روى الدارقطني عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «ليس في البقر العوامل صدقة»
وروى الخمسة (أحمد وأصحاب السنن) عن معاذ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «وفي البقر في كل ثلاثين تبيع، وفي الأربعين مسّنة»
وروى أبو داود والدارقطني عن علي «ليس على العوالم شيء»
وفي حديث البخاري عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلّم كتب لأبي بكر الصديق كتابا في الصدقات، جاء فيه: «صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين، فيها شاة»
فنفى بذلك الصدقة عن غير السائمة.
وقال مالك والليث: في العوامل صدقة، لعموم
قوله صلى الله عليه وسلّم في حديث أنس المتقدم: «في خمس من الإبل شاة»
والجواب: ذلك مخصوص بالأحاديث المتقدمة.
وظاهر عموم هذه الآية يوجب الزكاة في مال المديون وفي مال الضمان أي الكفالة.
وأما قوله تعالى: تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها فقال الزجاج: والأجود أن تكون المخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلّم، أي فإنك تطهرهم وتزكيهم بها، على القطع والاستئناف. ويجوز الجزم على جواب الأمر، والمعنى: إن تأخذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم. وظاهر الآية يدل على أن الزكاة إنما وجبت طهرة عن
الآثام، وبما أن الإثم لا يتقرر إلا في حق البالغ، فوجب ألا تجب الزكاة في حق الصغير، كما قال أبو حنيفة رحمه الله. وأوجب الجمهور الزكاة في مال الصبي والمجنون، لأن الآية تدل على أخذ الصدقة من أموالهم، فتكون طهرة للأموال.
وظاهر قوله تعالى: وَصَلِّ عَلَيْهِمْ أنه يجب على الإمام أو نائبه إذا أخذ الزكاة أن يدعو للمتصدق بالبركة، وهذا رأي الظاهرية. وأما سائر الأئمة فحملوا الأمر على الندب والاستحباب
لأن النبي صلى الله عليه وسلّم قال لمعاذ في الحديث المتفق عليه عن ابن عباس: «أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم، وترد في فقرائهم»
ولم يأمره بالدعاء لهم، ولأن الفقراء إذا أخذوا الزكاة لا يلزمهم الدعاء.
ومع هذا،
روى مسلم عن عبد الله بن أبي أوفى قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم إذا أتاه قوم بصدقتهم: قال: «اللهم صل عليهم» فأتاه ابن أبي أوفى بصدقته، فقال: «اللهم صلّ على آل أبي أوفى»
والصلاة هنا: الرحمة والترحم. وبناء عليه قال الحنابلة والظاهرية في صيغة الدعاء: لا مانع أن يقول آخذ الزكاة: اللهم صل على آل فلان. وقال باقي الأئمة: لا يجوز هذا القول لأن الصلاة صارت مخصوصة بالأنبياء عليهم السلام. ولا خلاف أن يجعل غير الأنبياء تبعا لهم، فيقال: اللهم صل على محمد وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذريته وأتباعه لأن السلف استعملوه، وأمرنا به في التشهد.
والسلام في حكم الصلاة لأن الله تعالى قرن بينهما، فلا يفرد به غائب على غير الأنبياء. أما استحباب السلام في مخاطبة الأحياء تحية لهم وفي تحية الأموات فهو ثابت في السنة.
واستحسن الشافعي أن يقول: آجرك الله فيما أعطيت، وجعله لك طهورا، وبارك لك فيما أبقيت.