آيات من القرآن الكريم

وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا ۚ إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ
ﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣ

وقد روى الإمام أحمد «١» وأبو داود أن سعدا سمع ابنا له يدعو وهو يقول:
اللهم إني أسألك الجنة ونعيمها وإستبرقها، ونحوا من هذا، وأعوذ بك من النار وسلاسلها وأغلالها. فقال: لقد سألت الله خيرا كثيرا، وتعوّذت بالله من شرّ كثير، وإني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: إنه سيكون قوم يعتدون في الدعاء (وفي لفظ: يعتدون في الطهور والدعاء)، وقرأ هذه الآية: ادْعُوا رَبَّكُمْ...
الآية- وإن بحسبك أن تقول: اللهم إني أسألك الجنة وما قرّب إليها من قول أو عمل، وأعوذ بك من النار وما قرّب إليها من قول أو عمل.
وروى الإمام أحمد «٢» وأبو داود أن عبد الله بن مغفّل سمع ابنه يقول: اللهم! إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتها. فقال: يا بنيّ! سل الله الجنة، وعذ به من النار، فإني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: يكون قوم يعتدون في الدعاء والطهور
. القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الأعراف (٧) : آية ٥٦]
وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٥٦)
وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها قال أبو مسلم: أي لا تفسدوها بعد إصلاح الله إياها، بأن خلقها على أحسن نظام، وبعث الرسل، وبيّن الطريق، وأبطل الكفر.
وقال أبو حيّان: هذا نهي عن إيقاع الفساد في الأرض، وإدخال ماهيته في الوجود بجميع أنواعه، من إفساد النفوس والأموال والأنساب والعقول والأديان.
ومعنى بَعْدَ إِصْلاحِها: بعد أن أصلح الله خلقها على الوجه الملائم لمنافع الخلق، ومصالح المكلفين. انتهى.
وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً أي: ذوي خوف من وبيل العقاب، نظرا إلى قصور

(١) أخرجه في المسند ١/ ١٧٢، والحديث رقم ١٤٨٣.
وأخرجه أبو داود في: الوتر، ٢٣- باب الدعاء، حديث رقم ١٤٨٠.
(٢) أخرجه في المسند ص ٨٧ ج ٤.
أخرجه أبو داود في: الطهارة، ٤٥- باب الإسراف في الماء، حديث رقم ٩٦.

صفحة رقم 104

أعمالكم، وطمع فيما عنده من جزيل الثواب، نظرا إلى سعة رحمته، ووفور فضله وإحسانه إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ أي: أن رحمته مرصدة للمحسنين الذين يتبعون أوامره، ويتركون زواجره، كما قال تعالى: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ... [الأعراف: ١٥٦] الآية.
لطائف:
الأولى- قال في (اللباب) : إن قلت: قال في أول الآية ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً وقال هنا وَادْعُوهُ، وهذا هو عطف الشيء على نفسه، فما فائدة ذلك؟
قلت: الفائدة فيه أن المراد بقوله تعالى: ادْعُوا رَبَّكُمْ أي: ليكن الدعاء مقرونا بالتضرع والإخبات، وقوله وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً أن فائدة الدعاء أحد هذين الأمرين، فكانت الآية الأولى في بيان شرط صحة الدعاء، والآية الثانية في بيان فائدة الدعاء. وقيل: معناه كونوا جامعين في أنفسكم بين الخوف والرجاء في أعمالكم كلها، ولا تطمعوا أنكم وفيتم حق الله في العبادة والدعاء، وإن اجتهدتم فيهما.
الثانية- في قوله تعالى: إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ... الآية- ترجيح للطمع على الخوف، لأن المؤمن بين الرجاء والخوف، ولكنه إذا رأى سعة رحمته وسبقها، غلب الرجاء عليه. وفيه أيضا تنبيه على ما يتوسل به إلى الإجابة، وهو الإحسان في القول والعمل. قال مطر الوراق: استنجزوا موعود الله بطاعته، فإنه قضى أن رحمته قريب من المحسنين.
الثالثة: تذكير (قريب)، لأن (الرحمة) بمعنى الرحم، أو لأنه صفة لمحذوف، أي أمر قريب، أو على تشبيه ب (فعيل)، الذي هو بمعنى (مفعول) أو الذي هو مصدر كالنقيض والصهيل، أو للفرق بين القريب من النسب والقريب من غيره، فإنه يقال: فلانة قريبة مني لا غير، وفي المكان وغيره يجوز الوجهان. أو لاكتسابه التذكير من المضاف إليه، كما أن المضاف يكتسب التأنيث من المضاف إليه. وقد أوصلوا توجيه تذكيره إلى خمسة عشر وجها.
ولما ذكر تعالى أنه خالق السموات والأرض، وأنه المتصرف الحاكم المدبر المسخر، وأرشد إلى دعائه لأنه على ما يشاء قدير- نبه تعالى على أنه الرزّاق، وأنه يعيد الموتى يوم القيامة، فقال سبحانه:

صفحة رقم 105
محاسن التأويل
عرض الكتاب
المؤلف
محمد جمال الدين بن محمد سعيد بن قاسم الحلاق القاسمي
تحقيق
محمد باسل عيون السود
الناشر
دار الكتب العلميه - بيروت
سنة النشر
1418
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية