
هؤلاء قد خسروا أنفسهم، حيث اشتروا الضلالة بالهدى، والدنيا بالآخرة، وأى خسارة أفدح من هذا؟ هؤلاء قد خسروا كل شيء وضل عنهم ما كانوا يفترون وتختلقون كذبا من الشركاء والشفعاء!!
وحدانية الله ودعاؤه [سورة الأعراف (٧) : الآيات ٥٤ الى ٥٦]
إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (٥٤) ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (٥٥) وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٥٦)
المفردات:
رَبَّكُمُ الرب: السيد المالك والمربى. الله: علم على الذات الأقدس، والإله هو المعبود الذي منه النفع والضر، ويتقرب إليه بالعبادة والدعاء، وليس للموحدين إله إلا الله. أَيَّامٍ: جمع يوم، وهو الوقت المحدود بطلوع الشمس إلى غروبها. اسْتَوى: في اللغة بمعنى استقر. ومنه: استوى على الكرسي، وعلى ظهر الدابة، أى: استقر واستوى بمعنى قصد، واستوى بمعنى استولى وظهر.
الْعَرْشِ قال الجوهري: هو سرير الملك: نَكِّرُوا لَها عَرْشَها والعرش: سقف البيت، وهودج المرأة، وقيل: العرش: الملك والسلطان، ومنه:
ثلّ عرشه إذا ذهب ملكه. يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ: يجعل الليل كالغشاء، أى:
يذهب نور النهار. حَثِيثاً الحث والحض بمعنى واحد: وهو الإعجال والسرعة،

والمعنى: يطلبه من غير فتور. تَضَرُّعاً التضرع: التذلل وإظهار الخضوع.
خُفْيَةً الخفية: ضد العلانية. خَوْفاً: هو توقع الشر والمكروه.
طَمَعاً: هو توقع الخير.
المعنى:
إن ربكم ومالك أمركم، ومتولى شئونكم هو الله لا إله إلا هو فاعبدوه وحده واستعينوا به وحده، فهو الذي خلق السموات وعوالمها، وقدرها وأحكم نظامها، وخلق الأرض وجعل فيها رواسى من فوقها، وبارك فيها وقدر أقواتها، كل ذلك في ستة أيام الله أعلم بمقدارها وحدودها: إِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ «١» ولو أراد خلقها في لحظة لخلقها إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ «٢» ولكنه ذكر هذه المدة ليعلم العباد التأنى والتثبت في الأمور، وأن خلق السموات والأرض ليس بالشيء الهين: لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ «٣».
وما ورد من أن هذه الأيام الستة هي كأيام الدنيا، وأنه بدئ الخلق يوم الأحد فروايات الله أعلم بها، وأنها إسرائيليات | إن ربكم أيها الناس جميعا الله، الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ودبر أمورها وحده، فيجب عليكم أن تعبدوه وحده. |
(٢) سورة يس آية ٨٢.
(٣) سورة غافر آية ٥٧.
(٤) سورة يونس آية ٣.

والله- سبحانه- جعل الليل يغشى النهار بظلمته. ويستره بلباسه حتى يذهب نور النهار ليتم قوام الحياة، فالليل للسكون، والنهار للمعاش، والليل يطلب النهار دائما من غير فتور مع الإعجال والسرعة.
وخلق الشمس والقمر والنجوم التي لا يعلمها إلا الله حالة كونها مسخرات ومذللات بأمره، كلّ يدور في فلكه إلى أجل مسمى عنده، ألا له الخلق، أى:
المخلوقات كلها كبيرها وصغيرها فلا دخل لهذه الكواكب في شيء. وله الأمر والنهى والتصريف والتدبير، ليس لأحد دخل في شيء، سبحانه وتعالى عما يصفون، وتبارك الله رب العالمين.
ادعوا ربكم الذي تعهدكم وأنعم عليكم نعمه التي لا تحصى، وبخاصة ما مضى في الآية السابقة، ادعوه متضرعين، مبتهلين مخلصين، فالدعاء مخ العبادة. ادعوه مخفين الدعاء متسترين، فالإخفاء حسن مندوب إن لم يكن واجبا، إذا هو أبعد عن الرياء والسمعة، وأنت لا تدعو غائبا أو ناسيا، فالله أقرب إلينا من جبل الوريد، وهو السميع البصير، على أن الله مدح العبد الصالح زكريا فقال: إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا «١» وقد كان دعاء الصحابة وعملهم في الخفاء، إنه لا يحب المعتدين المتجاوزين الحدود المرسومة، خاصة في الدعاء، فمن رفع صوته للرياء أو بالغ في الصيغة، أو طلب غير المشروع. كل هذا تجاوز في حدود الدعاء يجب ألا يكون. أما دعاء غير الله فشرك.
ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها بما خلق فيها، وما هداكم إلى الانتفاع بها وتسخيرها.
والإفساد في الأرض شامل لإفساد النفوس بالقتل والاعتداء، وإفساد المال بالسرقة والنصب، وإفساد الدين بالكفر والمعاصي، وإفساد العقل بالمسكرات.
ادعوه خائفين من عقابه فإنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون.
وادعوه طامعين في ثوابه، مؤملين في جزائه، إن رحمة الله قريب من المحسنين:
لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى «٢».
(٢) سورة النجم آية ٣١.