والوصيلة والحام والمكاء والتصدية حول البيت وسائر الخصال الرديئة الدنيئة التي كانوا يفعلونها في جاهليتهم، والدين كل ما أطيع به والتزم من حق أو باطل، وقال أبو روق: دينهم أو عقيدتهم وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ نتركهم في النار كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا وَما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ.
وَلَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ من القرآن فَصَّلْناهُ بيّناه عَلى عِلْمٍ منّا بذلك هُدىً وَرَحْمَةً نصبها على القطع لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ هَلْ يَنْظُرُونَ ينتظرون إِلَّا تَأْوِيلَهُ أي ما يؤول إليه أمرهم من العذاب وورود النار.
قال قتادة: تأويله ثوابه. وقال مجاهد: جزاؤه. وقال السدي: عاقبة. وقال ابن زيد:
حقيقته يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنا اليوم مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا أَوْ نُرَدُّ إلى الدنيا فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قال الله تعالى قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ زال وبطل عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ قال سعيد بن جبير: قدّر الله على من في السماوات والأرض في لمحة ولحظة وإنما خلقهن في ستة أيام تنظيما لخلقه بالرفق والتثبيت في الاسم ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ قال الكلبي ومقاتل: يعني استقر وقال أبو عبيد [فصعد] وقال بعضهم: استولى وغلب.
وقيل: ملك وغلب، وكلّها تأويلات مدخولة لا يخفى [بعدها] وأمّا الصحيح والصواب فهو ما قاله الفراء وجماعة من أهل المعاني [إن أول ما] خلق العرش وعهد إلى خلقه يدل عليه قوله تعالى ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ «١» أي إلى خلق السماء.
.
وقال أهل الحق من المتكلمين: أحدث الله فعلا سماه استواء، وهو كالإتيان والمجيء والنزول [وهي] صفات أفعاله.
روى الحسن عن أم سلمة في قوله تعالى الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى «١» قالت: الكيف غير معقول والاستواء غير مجهول والنزول به إيمان والجحود به كفر.
عن محمد بن شجاع البلخي قال: سئل مالك بن أنس عن قول الله تعالى الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى كيف استوى؟ قال: الكيف مجهول والاستواء غير معقول والإيمان واجب فالسؤال عنه بدعة.
وروى محمد بن شعيب بن شابور عن أبيه أن رجلا سأل [الأوزاعي] في قوله تعالى الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى فقال: هو على العرش كما وصف نفسه، وإني لأراك رجلا ضالا.
وبلغني أن رجلا سأل إسحاق بن الهيثم الحنظلي فقال: كيف استوى على العرش أقائم هو أم قاعد؟
فقال: يا هذا إنما يقعد من يمل القيام ويقوم من يمل القعود وغير هذا أولى لك ألّا تسأل عنه.
والعرش في اللغة السرير.
وقال آخرون: هو ما علا وأظل، ومنه عرش الكرم، وقيل: العرش الملك.
قال زهير:
| تداركتما الاحلاف قد ثل عرشها | وذبيان قد زلت بأقدامها النعل «٢» |
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لم يحمد الله على [ما عمل من] عمل صالح وحمد نفسه فقد
. (٢) الصحاح: ٤/ ١٣٤٦
.
قلّ شكره وحبط عمله، ومن زعم أن الله جعل للعباد من الأمر شيئا فقد كفر بما أنزل الله على أنبيائه لقوله تعالى أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ» [١٨٦] «١».
وأنشدنا أبو القاسم الحبيبي قال: أنشدنا أبو الحسن عيسى بن زيد العقيلي، أنشدنا أبو المثنّى معاذ بن المثنى العنبري عن أبيه محمود بن الحسن الورّاق قال:
| إن لله كل الأمر في كل خلقه | ليس إلى المخلوق شي من الأمر |
وروى عاصم الأحول عن ابن عثمان الهندي عن أبي موسى قال: كان النبيّ ﷺ في غزاء فأشرفوا على واد فجعل [ناس] يكبّرون ويهلّلون ويرفعون أصواتهم فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «أيّها الناس أربعوا على أنفسكم إنّكم لا تدعون أصم ولا [غائبا] إنّكم تدعون سميعا قريبا إنّه معكم» [١٨٧] «٢».
وقال الحسن: بين دعوة السر ودعوة العلانية سبعون ضعفا ثمّ قال: إن كان الرجل لقد جمع القرآن وما شعر به جاره فالرجل لقد فقه الفقه الكثير وما يشعر به الناس. وإن كان الرجل ليصلّي الصلاة الطويلة في بيت وعنده الدور وما يشعرون به، ولقد أدركنا أقواما ما كان على الأرض من عمل يقدرون أن يعملوه في السرّ فيكون علانية أبدا.
ولقد كان المسلمون [يجتهدون] في الدعاء ولا يسمع لهم صوتا كأن كان إلا همسا بينهم وبين دينهم، وذلك أن الله تعالى يقول: (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً) وإن الله ذكر عبدا صالحا ورضى فعله فقال عزّ من قائل: (نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا).
إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ في الدعاء، قال أبو مجلن: هم الذين يسألون منازل الأنبياء، وقال عطيّة العوفي: هم الذين يدعونه فيما لا يحل على المؤمنين فيقولون: اللهمّ أخزهم اللهمّ ألعنهم، قال ابن جريج: من [الاعتداء] رفع الصوت والنداء بالدعاء والصفح وكانوا يؤمرون بالتضرّع والاستكانة وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بالشرك والمعصية والدعاء إلى غير عبادة الله بَعْدَ إِصْلاحِها بعد [إصلاح] الله إيّاها يبعث الرسل، والأمر بالحلال والنهي عن المنكر والحرام وكل أرض قبل أن يبعث لها نبي فاسدة حتّى يبعث الرسل إليها فيصلح الأرض بالطاعة.
وقال عطيّة: معناه لا تعصوا في الأرض فيمسك الله المطر ويهلك الحرث بمعاصيكم وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً قال الكلبي: خَوْفاً منه ومن عذابه وَطَمَعاً فيما عنده من مغفرته وثوابه،
. (٢) المصنف لابن أبي شيبة: ٢/ ٣٧٢
.
الربيع بن أنس: خَوْفاً وَطَمَعاً كقوله رَغَباً وَرَهَباً «١». وقيل: خوف العاقبة وطمع الرحمة، ابن جريج: خوف العدل وطمع الفضل. عطاء: خَوْفاً من النيران وَطَمَعاً في الجنان. ذو النون المصري: خَوْفاً من الفراق وَطَمَعاً في التلاق إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ وكان حقه قربته. واختلف النحاة فيه وأكثروا وأنا ذاكر نصوص ما قالوا.
قال سعيد بن جبير: الرحمة هاهنا الثواب. وقال الأخفش: هي المطر فيكون القريب نعتا للمعنى دون اللفظ كقوله تعالى وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ «٢» ولم يقل: منها، لأنه أراد بالقسمة الميراث والمال. وقال فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَها مِنْ وِعاءِ أَخِيهِ «٣» والصواع مذكّر لأنّه أراد به القسمة، والميراث [كالمنشريّة] والسقاية.
وقال الخليل بن أحمد: القريب والبعيد يستوي فيهما المذكر والمؤنث والجمع [يذكر ويؤنث] يقول الشاعر:
| كفى حزنا أنّي مقيم ببلدة | أخلّائي عنها نازحون بعيد «٤» |
| كانوا بعيدا فكنت آملهم | حتّى إذا ما تقربوا هجروا «٥» |
| فالدار منّي غير نازحة | لكن نفسي ما كادت مواتاتي |
قال النضر بن شميل: الرحمة مصدر وحق المصادر التذكير كقوله: فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ «٦» وقال الشاعر:
| إنّ السماحة والمروة ضيمنا | قبرا بمرو على الطريق الواضح «٧» |
. (٢) سورة النساء: ٨
. (٣) سورة يوسف: ٧٦
. (٤) تاريخ دمشق: ٥/ ٢٧
. (٥) ذيل تاريخ بغداد: ١/ ٢٠٢، والبيت لعبد الوهاب بن صباح
. (٦) سورة البقرة: ٢٧٥
. (٧) تفسير الطبري: ١٤/ ١٧٤
.
ولم يقل: ضمنتا لأنّها مصدر. وقال أبو عمر بن العلاء: القريب في اللغة على ضربين قريب قرب [مقربه أبوابه] كقول العرب: هذه المرأة قريبة منك إذا كانت بمعنى القرابة وهذه المرأة قريب منك إذا كانت بمعنى المسافة والمكان. قال امرؤ القيس:
| له الويل إن أمسى ولا أم هاشم | قريب ولا البسباسة ابنة يشكر «١» |
| خشيته لا عفراء منك قريبة | فتدنوه ولا عفراء منك بعيد |
وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً قرأ عاصم بُشْراً بالباء المضمومة والشين المجزومة يعني أنّها تبشّر بالمطر يدلّ عليه قوله: الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ «٢».
وروى عنه بُشُراً بضم الباء والشين على جمع البشير مثل نذير و [نذار].
وهي قراءة ابن عباس. وقرأ غيره من أهل الكوفة نُشْراً بفتح النون وجزم الشين وهو الريح الطيبة اللينة.
قال امرؤ القيس:
| كان المدام وصوب الغمام | وريح الخزامي ونشر القطر |
وقرأ مسروق (نَشَراً) بفتحتين أراد منشورا [كالمقبض] والقبض بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ يعني قدّام المطر حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ حملت سَحاباً ثِقالًا المطر سُقْناهُ رد الكناية إلى لفظ السحاب لِبَلَدٍ مَيِّتٍ يعني إلى بلد.
وقيل: معناه [لأجل] بلد لا نبات له فَأَنْزَلْنا بِهِ أي السحاب وقيل: بالبلد الْماءَ يعني المطر، وقال أبو بكر بن عيّاش: لا تقطر من السماء قطرة حتّى يعمل فيها أربع: رياح
. (٢) سورة الروم: ٤٦
.