آيات من القرآن الكريم

وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ ۖ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ ۖ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ ۖ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ
ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡ ﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉ

وهي اللحف تتغشاهم من فوقهم وهي جمع " غاشية "، ومعنى الكلام: لهم من نار جهنم مهاد ﴿وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ﴾، فهم بين ذلك.
﴿وكذلك نَجْزِي الظالمين﴾.
أي: نثيب من ظلم نفسه، وأكسبها من عذاب الله ما لا قبل لها به.
﴿فِي سَمِّ الخياط﴾، وفق.
و ﴿غَوَاشٍ﴾، وقف.
قوله: ﴿والذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات﴾، الآية.
المعنى: والذين صدقوا بئايت الله ورسله، ﴿لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً﴾، من الأعمال إلا طاقتها، ﴿أولئك أَصْحَابُ الجنة هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾، وفي الكلام تقديم وتأخير مفهوم.
وقوله: ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ﴾، الآية.
روي أن النبي، ﷺ، قال: " الغل على أبواب الجنة كمبارك الإبل، قد نزعه

صفحة رقم 2368

الله تعالى، من قلوب المؤمنين ".
والمعنى: وأذهبنا من صدور هؤلاء الذين تقدمت صفتهم، ما في صدورهم من حقد وعداوة، كانت من بعضهم لبعض في الدنيا، وأُدخلوا الجنة ﴿إخوانا على سُرُرٍ متقابلين﴾ [الحجر: ٤٧]، لا يحسد بعضهم بعضاً على شيء.
قال قتادة: قال علي: إني لأرجوا أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير، من الذين قال الله [فيهم] ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ﴾.
قال السدي: إن أهل الجنة إذا سيقوا إلى الجنة فبلغوا، وجدوا عند بابها شجرة في أصل ساقها عينان، فيشربون من إحداهما، فينزع ما في صدورهم من غل، فهو " الشراب الطهور " الذي ذكره الله في قوله: ﴿وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً﴾ [الإنسان: ٢١]. واغتسلوا من الأخرى، فجرت عليهم نضرة النعيم فلم يشعثوا ولم يشحبوا بعدها أبداً.

صفحة رقم 2369

قوله: ﴿وَقَالُواْ الحمد للَّهِ﴾.
أي: قالوا ذلك حين رأوا ما أكرمهم الله به من جنته، وما صرف عنهم من نقمته.
روى [أبو سعيد] الخدري ع النبي، ﷺ، أنه قال: " كل أهل النار يرى منزله من الجنة، فيقول: " لو هدانا الله " فيكون عليهم حسرة. وكل أهل الجنة يرى منزله من النار، فيقولون: " لولا أن هدانا الله "! [فهذا] شكرهم.
وقوله: ﴿ونودوا أَن تِلْكُمُ الجنة﴾، (الآية).

صفحة رقم 2370

اعترض بعض الملحدين بهذه الآية على حديث النبي، عليه السلام، في قوله: " لا يدخل الجنة أحد بعمله، وإنما يدخلها برحمة الله " هذا غلط منهم؛ لأن رحمة الله لا تدرك إلا بالعمل الصالح. وإذا كانت الرحمة لا تدرك إلا بالعمل الصالح فالعمل الصالح الذي يدرك الرحمة يدخل الجنة.
ويجوز أن يكون معنى: ﴿أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾، يعني المنازل في الجنة، فيكون الدخول برحمة الله، كما قال النبي، عليه السلام،: " والمنازل بالأعمال "

صفحة رقم 2371

فيصح الحديث، والآية على ظاهرها.
وقوله: ﴿أُورِثْتُمُوهَا﴾، وقوله: ﴿ونودوا﴾، فعلان منتظران، ولفظهما لفظ ما قد مضى، وذلك حسن في آخبار الله؛ لأنها كالكائنة لصدق المخبر بها، ونفوذ القضاء، والحتم (بها) من الله.
قال السدي: ليس من كافر ولا مؤمن إلا وله في الجنة والنار منزل، فإذا دخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار [ودخلوا منازلهم]، رفعت الجنة لأهل النار، فنظروا إلى منازلهم منها، فقيل لهم: " هذه منازلكم لو عملتم بطاعة الله ".
ثم يقال: يا أهل الجنة ﴿أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾، يعني منازل أهل النار وَرِثُوهَا بعملهم فيقتسمونها.
وعن أبي سعيد الخدري قال: ينادي مناد: إن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبداً،

صفحة رقم 2372

وأن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبداً وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا، وإن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبداً.
وقيل: معنى: ﴿[و] نودوا﴾: قيل لهم: وذلك حين رأوها قبل أن يدخلوها، قيل: لهم: ﴿تِلْكُمُ الجنة﴾.
وقال علي: رضي لله عنه: يدخلون الجنة فإذا شجرة يخرج من تحت ساقها عينان، فيغتسلون من إحداهما، فتجرى عليهم نضرة النعيم، فلا تشعث أشعارهم، ولا تغير أبشارهم، ويشربون من الأخرى، فيخرج كل أذى وقذر وبأس في بطونهم، ثم يفتح لهم باب الجنة، فيقال لهم: ﴿سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فادخلوها خَالِدِينَ﴾ [الزمر: ٧٣]. قال: فيَستقبلهم الولدان، فيحفون بهم كما يحف الولدان بالحميم إذا جاء من غيبته. ثم

صفحة رقم 2373

يأتون فيبشرون أزواجهم فيسمونهم بأسمائهم وأسماء آبائهم. فيقلن: أنت رأيته! قال: ويستخفهن الفرح، [قال:] فيجئن حتى يقفن على أُسْكُفَّةِ الباب [قال]: فيجيئون فيدخلون، فأذا أسُّ بيوتهم جندل اللؤلؤ، وإذا سرج صفر وخضر وحمر من كل لون، وسرر مرفوعة، وأكواب موضوعة، ونمارق مصفوفة، وزرابي مبثوثة، فلولا أن الله قدرها لهم لالتُمعت أبصارهم مما يرون فيها. فيعانقون الأوزاج، ويصعدون على السرر، ويقولون: ﴿الحمد للَّهِ الذي هَدَانَا لهذا﴾، أي: هدانا للإيمان، ﴿وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لولا أَنْ هَدَانَا الله﴾، أي: الحمد لله الذي هدانا، إلى هذا وهو الإسلام.

صفحة رقم 2374
الهداية الى بلوغ النهاية
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد مكي بن أبي طالب حَمّوش بن محمد بن مختار القيسي القيرواني ثم الأندلسي القرطبي المالكي
الناشر
مجموعة بحوث الكتاب والسنة - كلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة الشارقة
سنة النشر
1429
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية