
وقوله: كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (٢٩) يقول: بدأكم فِي الخلق شقيًا وسعيدًا، فكذلك تعودونَ عَلَى الشقاء والسعادة:
وقوله: فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ (٣٠) ونصب الفريق بتعودونَ، وهي فِي قراءة أُبَيّ: تعودونَ فريقين فريقًا هدى وفريقًا حقَّ عليهم الضلالة. ولو كانا رفعا كَانَ صوابًا كما قال تبارك وتعالى:
كَانَ «١» لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تقاتل فى سبيل الله وأخرى كافرةو «فئة» «٢» ومثله: وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ «٣». وقد يكون الفريق منصوبًا بوقوع «هَدَى» عَلَيْهِ ويكون الثاني منصوبًا بِمَا «٤» وقع عَلَى عائد ذكره من الفعل كقوله: يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً «٥».
وقوله: وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ (٢٩) يقول: إِذَا أدركتك الصلاة وأنت عند مسجد فصلّ فِيهِ، ولا تقولن: آتي مسجد قومي. فإن كان فِي غير وقت الصلاة صليت حَيْثُ شئت.
وقوله: قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ (٣٢)
(٢) يريد رفع فئة فى الآية ونصبها. ويجوز فى الآية أيضا خفض فئة بدلا من «فئتين». وانظر ص ١٩٢ من هذا الجزء.
(٣) آية ٧ سورة الشورى.
(٤) يريد النصب على الاشتغال. والعامل هنا يقدر فى معنى المذكور أي أضل.
(٥) آية ٣١ سورة الإنسان.

نصبت خالصة عَلَى القطع «١» وجعلت الخبر فِي اللام التي فِي الَّذِينَ، والخالصة ليست بقطع من اللام «٢»، ولكنها قطع من لام أخرى مضمرة. والمعنى- والله أعلم-: قل هي للذين آمنوا فِي الحياة الدُّنْيَا يقول: مشتركة، وهي لَهم فِي الآخرة خالصة.
ولو رفعتها كَانَ صوابًا، تردّها «٣» عَلَى موضع الصفة التي رفعت لأن تِلْكَ فِي موضع رفع.
ومثله فِي الكلام قوله: إنا بِخير كَثِير «٤» صيدنا. ومثله قَوْل الله عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّ «٥» الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً. إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً. وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً.. المعنى: خلق هلوعًا، ثُمَّ فسر حال الهلوع بلا نصب لأنه نصب فِي أول الكلام. ولو رفع لجازَ إِلا أن رفعه عَلَى الاستئناف لأنه لَيْسَ معه صفة ترفعه. وإنّما نزلت هَذِه الآية أن قبائل من العرب فِي الجاهلية كانوا لا يأكلونَ أيام حجهم إلا القوت، ولا يأكلون اللحم والدسم، فكانوا يطوفون بالبيت عراةً، الرجالُ نَهارًا والنساء ليلا، وكانت المرأة تلبس شيئًا شبيهًا بالحَوْف «٦» ليواريها بعض المواراة ولذلك قالت العامرية:
اليوم يبدو بعضه أو كله | وما بدا منه فلا أُحله |
(٢) يريد أنها ليست حالا من الجار والمجرور فى «للذين آمنوا فى الحياة الدنيا» بل يقدر جار ومجرور آخر هو خبر بعد خبر أي لهم خالصة يوم القيامة، إذ كان هذا حكما لهم فى حال غير الحال الأولى.
(٣) يريد أن تكون خبرا ثانيا. [.....]
(٤) كذا فى ش. وفى ج: «وكثير». وعلى النسخة الأخيرة يحتمل أن يكون شطر رجز.
(٥) آيات ١٩، ٢٠، ٢١ سورة المعارج.
(٦) هو جلد يشقق كهيئة الإزار يلبسه الصبيان والحائض.