آيات من القرآن الكريم

وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ
ﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮ ﯰﯱﯲﯳﯴ ﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓ

حَيْثُ إِنَّهُ لَا مَشَقَّةَ فِيهِ فَلَا يَتَعَلَّقُ به التكيف وثانيها: ان زوج آدم وحواء وَيَجِبُ أَنْ نَذْكُرَ أَنَّهُ تَعَالَى كَيْفَ خَلَقَ حَوَّاءَ وَثَالِثُهَا: إِنَّ تِلْكَ الْجَنَّةَ كَانَتْ جَنَّةَ الْخُلْدِ أَوْ جَنَّةً مِنْ جِنَانِ السَّمَاءِ أَوْ جَنَّةً مِنْ جِنَانِ الْأَرْضِ وَرَابِعُهَا: إِنَّ قَوْلَهُ: فَكُلا أَمْرُ إِبَاحَةٍ لَا أَمْرُ تَكْلِيفٍ وَخَامِسُهَا: إِنَّ قَوْلَهُ: وَلا تَقْرَبا نَهْيُ تَنْزِيهٍ أَوْ نَهْيُ تَحْرِيمٍ. وَسَادِسُهَا: إِنَّ قَوْلَهُ: هذِهِ الشَّجَرَةَ الْمُرَادُ شَجَرَةٌ وَاحِدَةٌ بِالشَّخْصِ أَوِ النَّوْعِ. وَسَابِعُهَا: إِنَّ تِلْكَ الشَّجَرَةَ أَيُّ شَجَرَةٍ كَانَتْ وَثَامِنُهَا: إِنَّ ذَلِكَ الذَّنْبَ/ كَانَ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا وَتَاسِعُهَا: أَنَّهُ مَا الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ:
فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ وَهَلْ يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ ظَالِمًا بِهَذَا الْقُرْبَانِ الدُّخُولُ تَحْتَ قَوْلِهِ تَعَالَى: أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ [هُودٍ: ١٨] وَعَاشِرُهَا: إِنَّ هَذِهِ الْوَاقِعَةَ وَقَعَتْ قَبْلَ نُبُوَّةِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَوْ بَعْدَهَا فَهَذِهِ الْمَسَائِلُ الْعَشَرَةُ قَدْ سَبَقَ تَفْصِيلُهَا وَتَقْرِيرُهَا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ فَلَا نُعِيدُهَا وَالَّذِي بَقِيَ عَلَيْنَا مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ حرف واحد وهو انه تعال قَالَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ: وَكُلا مِنْها رَغَداً [البقرة: ٣٥] بالواو وقال هاهنا: فَكُلا بِالْفَاءِ فَمَا السَّبَبُ فِيهِ، وَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: إِنَّ الْوَاوَ تُفِيدُ الْجَمْعَ الْمُطْلَقَ وَالْفَاءَ تُفِيدُ الْجَمْعَ عَلَى سَبِيلِ التَّعْقِيبِ فَالْمَفْهُومُ مِنَ الْفَاءِ نَوْعٌ دَاخِلٌ تَحْتَ الْمَفْهُومِ مِنَ الْوَاوِ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ النَّوْعِ وَالْجِنْسِ فَفِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ ذَكَرَ الْجِنْسَ وَفِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ ذكر النوع.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٢٠ الى ٢٢]
فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما مَا وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما وَقالَ مَا نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ (٢٠) وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ (٢١) فَدَلاَّهُما بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ (٢٢)
[في قَوْلُهُ تَعَالَى فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما] يُقَالُ: وَسْوَسَ إِذَا تَكَلَّمَ كَلَامًا خَفِيًّا يُكَرِّرُهُ وَبِهِ سُمِّيَ صَوْتُ الْحُلِيِّ وَسْوَاسًا وَهُوَ فِعْلٌ غير متعد كقولنا:
ولو لوت الْمَرْأَةُ وَقَوْلِنَا: وَعْوَعَ الذِّئْبُ وَرَجُلٌ مُوَسْوِسٌ بِكَسْرِ الْوَاوِ وَلَا يُقَالُ مُوَسْوَسٌ بِالْفَتْحِ وَلَكِنْ مُوَسْوَسٌ لَهُ وَمُوَسْوَسٌ إِلَيْهِ وَهُوَ الَّذِي يُلْقَى إِلَيْهِ الْوَسْوَسَةُ، وَمَعْنَى وَسْوَسَ لَهُ فَعَلَ الْوَسْوَسَةَ لِأَجْلِهِ ووسوس إليه ألقاها إليه، وهاهنا سُؤَالَاتٌ:
السُّؤَالُ الْأَوَّلُ: كَيْفَ وَسْوَسَ إِلَيْهِ وَآدَمُ كَانَ فِي الْجَنَّةِ وَإِبْلِيسُ أُخْرِجَ مِنْهَا.
وَالْجَوَابُ: قَالَ الْحَسَنُ: كَانَ يُوَسْوِسُ مِنَ الْأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ وَإِلَى الْجَنَّةِ بِالْقُوَّةِ الْفَوْقِيَّةِ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى لَهُ وَقَالَ أَبُو مُسْلِمٍ الْأَصْفَهَانِيُّ: بَلْ كَانَ آدَمُ وَإِبْلِيسُ فِي الْجَنَّةِ لِأَنَّ هذه الْجَنَّةِ فَتِلْكَ الْقِصَّةُ الرَّكِيكَةُ مَشْهُورَةٌ وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّ آدَمَ وَحَوَّاءَ رُبَّمَا قَرُبَا مِنْ بَابِ الْجَنَّةِ، وَكَانَ إِبْلِيسُ وَاقِفًا مِنْ خَارِجِ الْجَنَّةِ على بابها فيقرب فَيَقْرُبُ أَحَدُهُمَا مِنَ الْآخَرِ وَتَحْصُلُ الْوَسْوَسَةُ هُنَاكَ.
السُّؤَالُ الثَّانِي: إِنَّ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَعْرِفُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ إِبْلِيسَ مِنَ الْعَدَاوَةِ فكيف قبل قوله والجواب: لا يعبد أَنْ يُقَالَ إِنَّ إِبْلِيسَ لَقِيَ آدَمَ مِرَارًا كَثِيرَةً وَرَغَّبَهُ فِي أَكْلِ الشَّجَرَةِ بِطُرُقٍ كَثِيرَةٍ فلأجل

صفحة رقم 217

الْمُوَاظَبَةِ وَالْمُدَاوَمَةِ عَلَى هَذَا التَّمْوِيهِ أَثَّرَ كَلَامُهُ فِي آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
السُّؤَالُ الثَّالِثُ: لِمَ قَالَ: فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ وَالْجَوَابُ: مَعْنَى وَسْوَسَ لَهُ أَيْ فَعَلَ الْوَسْوَسَةَ لِأَجْلِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: لِيُبْدِيَ لَهُما فِي هَذَا اللَّامِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَامُ الْعَاقِبَةِ كَمَا فِي قَوْلِهِ: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً [الْقَصَصِ: ٨] وَذَلِكَ لِأَنَّ الشَّيْطَانَ لَمْ يَقْصِدْ بِالْوَسْوَسَةِ ظُهُورَ عَوْرَتِهِمَا وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُمَا إِنْ أَكَلَا مِنَ الشَّجَرَةِ بَدَتْ عَوْرَاتُهُمَا وَإِنَّمَا كان قصده ان يحملها عَلَى الْمَعْصِيَةِ فَقَطْ الثَّانِي: لَا يَبْعُدُ أَيْضًا أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ لَامُ الْغَرَضِ ثُمَّ فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُجْعَلَ بُدُوُّ الْعَوْرَةِ كِنَايَةً عَنْ سُقُوطِ الْحُرْمَةِ وَزَوَالِ الْجَاهِ وَالْمَعْنَى: أَنَّ غَرَضَهُ مِنْ إِلْقَاءِ تِلْكَ الْوَسْوَسَةِ إِلَى آدَمَ زَوَالُ حُرْمَتِهِ وَذَهَابُ مَنْصِبِهِ وَالثَّانِي: لَعَلَّهُ رَأَى فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ أَوْ سَمِعَ مِنْ بَعْضِ الْمَلَائِكَةِ أَنَّهُ إِذَا أَكَلَ مِنَ الشَّجَرَةِ بَدَتْ عَوْرَتُهُ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى نِهَايَةِ الضَّرَرِ وَسُقُوطِ الْحُرْمَةِ فَكَانَ يُوَسْوِسُ إِلَيْهِ لِحُصُولِ هَذَا الْغَرَضِ وَقَوْلُهُ: مَا وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما فِيهِ مباحث:
البحث الاول: ما وري مَأْخُوذٌ مِنَ الْمُوَارَاةِ يُقَالُ:: وَارَيْتُهُ أَيْ سَتَرْتُهُ قال تعالى: يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ [المائدة: ٣١]
وقال النبي صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ لَمَّا أَخْبَرَهُ بِوَفَاةِ أَبِيهِ: «اذْهَبْ فواره».
البحث الثاني: السوأة فَرْجُ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَذَلِكَ لِأَنَّ ظُهُورَهُ يَسُوءُ الْإِنْسَانَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَأَنَّهُمَا قَدْ أُلْبِسَا ثَوْبًا يَسْتُرُ عَوْرَتَهُمَا فَلَمَّا عَصَيَا زَالَ عَنْهُمَا ذَلِكَ الثَّوْبُ فَذَلِكَ قَوْلُهُ تعالى: فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما.
الْبَحْثُ الثَّالِثُ: دَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ كَشْفَ الْعَوْرَةِ مِنَ الْمُنْكَرَاتِ وَأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُسْتَهْجَنًا/ فِي الطِّبَاعِ مُسْتَقْبَحًا فِي الْعُقُولِ وَقَوْلُهُ: مَا نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْكَلَامُ ذَكَرَهُ إِبْلِيسُ بِحَيْثُ خَاطَبَ بِهِ آدَمَ وَحَوَّاءَ وَيُمْكِنُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ وَسْوَسَةً أَوْقَعَهَا فِي قُلُوبِهِمَا وَالْأَمْرَانِ ومرويان إِلَّا أَنَّ الْأَغْلَبَ أَنَّهُ كَانَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْمُخَاطَبَةِ بِدَلِيلِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ وَمَعْنَى الْكَلَامِ أَنَّ إِبْلِيسَ قَالَ لَهُمَا فِي الْوَسْوَسَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ ملكين واراده بِهِ أَنْ تَكُونَا بِمَنْزِلَةِ الْمَلَائِكَةِ إِنْ أَكَلْتُمَا مِنْهَا أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ إِنْ أَكَلْتُمَا فَرَغَّبَهُمَا بِأَنْ أَوْهَمَهُمَا أَنَّ مَنْ أَكَلَهَا صَارَ كَذَلِكَ وَأَنَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا نَهَاهُمَا عَنْهَا لِكَيْ لَا يَكُونَا بِمَنْزِلَةِ الْمَلَائِكَةِ وَلَا يَخْلُدَا وَفِي الْآيَةِ سُؤَالَاتٌ:
السُّؤَالُ الْأَوَّلُ: كَيْفَ أَطْمَعَ إِبْلِيسُ آدَمَ فِي أَنْ يَكُونَ مَلَكًا عِنْدَ الْأَكْلِ مِنَ الشَّجَرَةِ مَعَ أَنَّهُ شَاهَدَ الْمَلَائِكَةَ مُتَوَاضِعِينَ سَاجِدِينَ لَهُ مُعْتَرِفِينَ بِفَضْلِهِ وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ الْأَوَّلُ: إِنَّ هَذَا الْمَعْنَى أَحَدُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ سَجَدُوا لِآدَمَ هُمْ ملائكة الأرض اما الملائكة السموات وَسُكَّانُ الْعَرْشِ وَالْكُرْسِيِّ وَالْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ فَمَا سَجَدُوا الْبَتَّةَ لِآدَمَ وَلَوْ كَانُوا سَجَدُوا لَهُ لَكَانَ هَذَا التَّطْمِيعُ فَاسِدًا مُخْتَلًّا وَثَانِيهَا: نَقَلَ الْوَاحِدِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ آدَمَ عَلِمَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا يَمُوتُونَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَلَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ فَعَرَضَ عَلَيْهِ إِبْلِيسُ أَنْ يَصِيرَ مِثْلَ الْمَلَكِ فِي الْبَقَاءِ وَأَقُولُ: هَذَا الْجَوَابُ ضَعِيفٌ لِأَنَّ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ الْمَطْلُوبُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ هُوَ الْخُلُودُ وَحِينَئِذٍ لَا يبقى فرق بين قوله: أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ: أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ.

صفحة رقم 218

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: قَالَ الْوَاحِدِيُّ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقْرَأُ مَلَكَيْنِ وَيَقُولُ: مَا طَمِعَا فِي أَنْ يَكُونَا مَلَكَيْنِ لَكِنَّهُمَا اسْتَشْرَفَا إِلَى أَنْ يَكُونَا مَلِكَيْنِ وَإِنَّمَا أَتَاهُمَا الْمَلْعُونُ مِنْ جِهَةِ الْمُلْكِ وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا قَوْلُهُ: هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلى [طه: ١٢٠] وَأَقُولُ هَذَا الْجَوَابُ أَيْضًا ضَعِيفٌ وَبَيَانُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: هَبْ أَنَّهُ حَصَلَ الْجَوَابُ عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ: فَهَلْ يَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ إِنَّ تِلْكَ الْقِرَاءَةَ الْمَشْهُورَةَ بَاطِلَةٌ أَوْ لَا يَقُولُ ذَلِكَ؟
وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ لِأَنَّ تِلْكَ الْقِرَاءَةَ قِرَاءَةٌ مُتَوَاتِرَةٌ فَكَيْفَ يُمْكِنُ الطَّعْنُ فِيهَا وَأَمَّا الثَّانِي: فَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ الْإِشْكَالُ بَاقٍ لِأَنَّ عَلَى تِلْكَ الْقِرَاءَةِ يَكُونُ بِالتَّطْمِيعِ قَدْ وَقَعَ فِي أَنْ يَصِيرَ بِوَاسِطَةِ ذَلِكَ الْأَكْلِ مِنْ جُمْلَةِ الْمَلَائِكَةِ وَحِينَئِذٍ يَعُودُ السُّؤَالُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ تَعَالَى جَعَلَ سُجُودَ الْمَلَائِكَةِ وَالْخَلْقِ لَهُ فِي أَنْ يَسْكُنَ الْجَنَّةَ وَأَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا رَغَدًا كَيْفَ شَاءَ وَأَرَادَ وَلَا مَزِيدَ فِي الْمُلْكِ عَلَى هَذِهِ الدَّرَجَةِ.
السُّؤَالُ الثَّانِي: هَلْ تَدُلُّ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ دَرَجَةَ الْمَلَائِكَةِ أَكْمَلُ وَأَفْضَلُ مِنْ دَرَجَةِ النُّبُوَّةِ.
وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّا إِذَا قُلْنَا إِنَّ هَذِهِ الْوَاقِعَةَ كَانَتْ قَبْلَ النُّبُوَّةِ لَمْ يَدُلَّ عَلَى ذَلِكَ/ وَلِأَنَّ آدَمَ حِينَ طَلَبَ الْوُصُولَ إِلَى دَرَجَةِ الْمَلَائِكَةِ مَا كَانَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فزال الِاسْتِدْلَالُ وَالثَّانِي: إِنَّ بِتَقْدِيرِ «أَنْ» تَكُونَ هَذِهِ الْوَاقِعَةُ وَقَعَتْ فِي زَمَانِ النُّبُوَّةِ فَلَعَلَّ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ رَغِبَ فِي أَنْ يَصِيرَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ فِي الْقُدْرَةِ وَالْقُوَّةِ وَالشِّدَّةِ أَوْ فِي خلقة اللذات بِأَنْ يَصِيرَ جَوْهَرًا نُورَانِيًّا وَفِي أَنْ يَصِيرَ مِنْ سُكَّانِ الْعَرْشِ وَالْكُرْسِيِّ وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَسْقُطُ الِاسْتِدْلَالُ.
السُّؤَالُ الثَّالِثُ: نُقِلَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ عُبَيْدٍ قَالَ لِلْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ: إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ وَفِي قَوْلِهِ: وَقاسَمَهُما قَالَ عَمْرٌو قُلْتُ لِلْحَسَنِ: فَهَلْ صَدَّقَاهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ الْحَسَنُ مَعَاذَ اللَّهِ لَوْ صَدَّقَاهُ لَكَانَا مِنَ الْكَافِرِينَ وَوَجْهُ السُّؤَالِ: أَنَّهُ كَيْفَ يَلْزَمُ هَذَا التَّكْفِيرُ بِتَقْدِيرِ أَنْ يُصَدِّقَا إِبْلِيسَ فِي ذَلِكَ الْقَوْلِ وَالْجَوَابُ: ذَكَرُوا فِي تَقْرِيرِ ذَلِكَ التَّكْفِيرِ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَوْ صَدَّقَ إِبْلِيسَ فِي الْخُلُودِ لَكَانَ ذَلِكَ يُوجِبُ إِنْكَارَ الْبَعْثِ وَالْقِيَامَةِ وَإِنَّهُ كُفْرٌ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ التَّصْدِيقِ حُصُولُ الْكُفْرِ؟ وَبَيَانُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: إِنَّ لَفْظَ الْخُلُودِ مَحْمُولٌ عَلَى طُولِ الْمُكْثِ لَا عَلَى الدَّوَامِ وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَنْدَفِعُ مَا ذَكَرُوهُ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: هَبْ ان الخلود مفسر بالدوام الا انا نُسَلِّمُ أَنَّ اعْتِقَادَ الدَّوَامِ يُوجِبُ الْكُفْرَ وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْعِلْمَ بِأَنَّهُ تَعَالَى هَلْ يُمِيتُ هَذَا الْمُكَلَّفَ أَوْ لَا يُمِيتُهُ عِلْمٌ لَا يَحْصُلُ إِلَّا مِنْ دَلِيلِ السَّمْعِ فَلَعَلَّهُ تَعَالَى مَا بَيَّنَ فِي وَقْتِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ يُمِيتُ الْخَلْقَ وَلَمَّا لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ الدَّلِيلُ السَّمْعِيُّ كَانَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُجَوِّزُ دَوَامَ الْبَقَاءِ فَلِهَذَا السَّبَبِ رَغِبَ فِيهِ وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ: فَالتَّكْفِيرُ غَيْرُ لَازِمٍ.
السُّؤَالُ الرَّابِعُ: ثَبَتَ بِمَا سَبَقَ أَنْ آدَمَ وَحَوَّاءَ لَوْ صَدَّقَا إِبْلِيسَ فِيمَا قَالَ لَمْ يَلْزَمْ تَكْفِيرُهُمَا فَهَلْ يَقُولُونَ إِنَّهُمَا صَدَّقَاهُ فِيهِ قَطْعًا؟ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلِ الْقَطْعُ فَهَلْ يَقُولُونَ إِنَّهُمَا ظَنَّا أَنَّ الْأَمْرَ كَمَا قَالَ؟ أَوْ يُنْكِرُونَ هَذَا الظَّنَّ أَيْضًا وَالْجَوَابُ: إِنَّ الْمُحَقِّقِينَ أَنْكَرُوا حُصُولَ هَذَا التصديق قطعا وظنّا بل الصواب إِنَّمَا أَقْدَمَا عَلَى الْأَكْلِ لِغَلَبَةِ الشَّهْوَةِ لَا أَنَّهُمَا صَدَّقَاهُ عِلْمًا أَوْ ظَنًّا كَمَا نَجِدُ أَنْفُسَنَا عِنْدَ الشَّهْوَةِ نُقْدِمُ عَلَى الْفِعْلِ إِذَا زَيَّنَ لَنَا الْغَيْرُ مَا نَشْتَهِيهِ وَإِنْ لَمْ نَعْتَقِدْ أَنَّ الْأَمْرَ كَمَا قَالَ.

صفحة رقم 219

السُّؤَالُ الْخَامِسُ: قَوْلُهُ: إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ هَذَا التَّرْغِيبُ وَالتَّطْمِيعُ وَقَعَ فِي مَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ أَوْ فِي أَحَدِهِمَا.
وَالْجَوَابُ: قَالَ بَعْضُهُمْ: التَّرْغِيبُ كَانَ فِي مَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ لِأَنَّهُ أُدْخِلَ فِي التَّرْغِيبِ وَقِيلَ: بَلْ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ عَلَى طَرِيقَةِ التَّخْيِيرِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ أَيْ وَأَقْسَمَ لَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ.
فَإِنْ قِيلَ: الْمُقَاسَمَةُ أَنْ تُقْسِمَ لِصَاحِبِكَ وَيُقْسِمَ لَكَ تَقُولُ: قَاسَمْتُ فُلَانًا أَيْ حَالَفَتْهُ وَتَقَاسَمَا تَحَالَفَا وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: تَقاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ [النَّمْلِ: ٤٩].
قُلْنَا: فِيهِ وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ: التَّقْدِيرُ أَنَّهُ قَالَ: أُقْسِمُ لَكُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ وَقَالَا لَهُ: أَتُقْسِمُ بِاللَّهِ إِنَّكَ لَمِنَ النَّاصِحِينَ؟ فَجَعَلَ ذَلِكَ مُقَاسَمَةً بَيْنَهُمْ وَالثَّانِي: أَقْسَمَ لَهُمَا بِالنَّصِيحَةِ وَأَقْسَمَا لَهُ بِقَبُولِهَا الثَّالِثُ: إِنَّهُ أَخْرَجَ قَسَمَ إِبْلِيسَ عَلَى زِنَةِ الْمُفَاعَلَةِ لِأَنَّهُ اجْتَهَدَ فِيهِ اجْتِهَادَ الْمُقَاسِمِ.
إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: قَالَ قَتَادَةُ: حَلَفَ لَهُمَا بِاللَّهِ حَتَّى خَدَعَهُمَا وَقَدْ يُخْدَعُ الْمُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَقَوْلُهُ: إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ أَيْ قَالَ إِبْلِيسُ: إِنِّي خُلِقْتُ قَبْلَكُمَا وَأَنَا أَعْلَمُ أَحْوَالًا كَثِيرَةً مِنَ المصالح والمفاسد لا تعرفانها فامتثلا قولي ارشد كما.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ وَذَكَرَ أَبُو منصور الازهري لهذه الكلمة اصلين: أحدهما: اصل الرَّجُلُ الْعَطْشَانُ يُدَلِّي رِجْلَيْهِ فِي الْبِئْرِ لِيَأْخُذَ الْمَاءَ فَلَا يَجِدُ فِيهَا مَاءً فَوُضِعَتِ التَّدْلِيَةُ مَوْضِعَ الطَّمَعِ فِيمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ فَيُقَالُ: دَلَّاهُ إِذَا أَطْمَعَهُ الثَّانِي: فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ أَيْ أَجْرَأَهُمَا إِبْلِيسُ عَلَى أَكْلِ الشَّجَرَةِ بِغُرُورٍ وَالْأَصْلُ فِيهِ دَلَّلَهُمَا مِنَ الدَّلِّ وَالدَّالَّةُ وَهِيَ الْجُرْأَةُ.
إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ أَيْ غَرَّهُمَا بِالْيَمِينِ وَكَانَ آدَمُ يَظُنُّ أَنَّ أَحَدًا لَا يَحْلِفُ بِاللَّهِ كَاذِبًا وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّهُ كَانَ إِذَا رَأَى مِنْ عَبْدِهِ طَاعَةً وَحُسْنَ صَلَاةٍ أَعْتَقَهُ فَكَانَ عَبِيدُهُ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ طَلَبًا لِلْعِتْقِ فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهُمْ يَخْدَعُونَكَ فَقَالَ: مَنْ خَدَعَنَا بِاللَّهِ انْخَدَعْنَا لَهُ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا تَنَاوَلَا الْيَسِيرَ قَصْدًا إِلَى مَعْرِفَةِ طَعْمِهِ وَلَوْلَا أَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ فِي آيَةٍ أُخْرَى أَنَّهُمَا أَكَلَا مِنْهَا لَكَانَ مَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى الْأَكْلِ لِأَنَّ الذَّائِقَ قَدْ يَكُونُ ذَائِقًا مِنْ دُونِ أَكْلٍ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما أَيْ ظَهَرَتْ عَوْرَاتُهُمَا وَزَالَ النُّورُ عَنْهُمَا وَطَفِقا يَخْصِفانِ قَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَى طَفِقَ: أَخَذَ فِي الْفِعْلِ يَخْصِفانِ أَيْ يَجْعَلَانِ وَرَقَةً عَلَى وَرَقَةٍ وَمِنْهُ قِيلَ لِلَّذِي يُرَقِّعُ النَّعْلَ خَصَّافٌ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ كَشْفَ الْعَوْرَةِ قَبِيحٌ مِنْ لَدُنْ آدَمَ أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا كَيْفَ بَادَرَا إِلَى السَّتْرِ لِمَا تَقَرَّرَ فِي عَقْلِهِمَا مِنْ قُبْحِ كَشْفِ الْعَوْرَةِ وَناداهُما رَبُّهُما قَالَ عَطَاءٌ: بَلَغَنِي: أَنَّ اللَّهَ نَادَاهُمَا أَفِرَارًا مِنِّي يَا آدَمُ قَالَ بَلْ حَيَاءً مِنْكَ يَا رَبِّ مَا ظَنَنْتُ أَنَّ أَحَدًا يُقْسِمُ بِاسْمِكَ كَاذِبًا ثُمَّ نَادَاهُ رَبُّهُ أَمَا خَلَقْتُكَ بِيَدَيَّ أَمَا نَفَخْتُ فِيكَ مِنْ رُوحِي أَمَا أَسْجَدْتُ لَكَ مَلَائِكَتِي أَمَا أَسْكَنْتُكَ فِي جَنَّتِي فِي جِوَارِي!

صفحة رقم 220
مفاتيح الغيب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن عمر (خطيب الري) بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية