آيات من القرآن الكريم

وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ
ﯰﯱﯲﯳﯴ

وروى عصمة عن عاصم «لمن تبعك» بكسر اللام على أنه حبر لأملأن. والمعنى لمن تبعك هذا الوعيد. وهذه الآية تدل على أن جميع أصحاب البدع والضلالات يدخلون جهنم لأن كلهم متابعون لإبليس والله أعلم. وَيا آدَمُ اسْكُنْ هذه القصة معطوفة على قوله تعالى: للملائكة:
اسْجُدُوا أي وقلنا لآدم: يا آدَمُ اسْكُنْ أو معطوفة على «أخرج» أي وقال: يا آدَمُ اسْكُنْ بعد أن أهبط إبليس وأخرجه من الجنة أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ.
قال ابن إسحاق: خلقت حواء قبل دخول آدم الجنة. والمعنى أي ادخل فيها، وقال ابن عباس وغيره: خلقت في الجنة بعد دخول آدم فيها لأنه لما أسكن الجنة مشى فيها مستوحشا فلما نام خلقت من ضلعه القصرى من شقه الأيسر ليأنس بها والمعنى انزل في الجنة فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما أي فكلا من ثمار الجنة في أي مكان شئتما الأكل فيه وفي أي وقت شئتما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ (١٩) أي فتصيرا من الضارين لأنفسكما فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ أي ففعل إبليس الوسوسة لأجلهما لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما أي ليظهر لهما ما ستر عنهما بلباس النور أو بثياب الجنة من عورتهما. ف «اللام» إما للعاقبة لأن إبليس لم يقصد بالوسوسة ظهور عورتهما وإنما كان قصده أن يحملهما على المعصية فقط أو للعلة، فظهور العورة كناية عن زوال الجاه فإن غرضه من إلقاء تلك الوسوسة إلى آدم ذهاب منصبه.
وروي أن إبليس بعد ما صار ملعونا مطرودا من الجنة رأى آدم وحواء في طيب عيش ونعمة، ورأى نفسه في مذلة ونقمة فحسدهما- فهو أول حاسد- ثم أراد أن يدخل الجنة ليوسوس لهما فمنعه الخزنة فجلس على باب الجنة ثلاثمائة سنة من سني الدنيا وهي بقدر ثلاث ساعات من ساعات الآخرة فلقي آدم مرارا كثيرة ورغّبه في أكل الشجرة بطرق كثيرة فلأجل المداومة على هذا التمويه أثر كلامه في آدم عليه السلام وَقالَ أي إبليس لآدم وحواء ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ أي عن الأكل منها إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أي إلا كراهة أن تكونا كملكين في عدم الشهوة وفي القدرة على الطيران والتشكل وفي قراءة شاذة «ملكين» بكسر اللام أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ (٢٠) أي الذين لا يموتون ولا يخرجون من الجنة أصلا
وَقاسَمَهُما أي حلف لهما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ (٢١) في حلفي لكما فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ أي فخدعهما بزخرف من القول الباطل حتى أكلا قليلا قصدا إلى معرفة طعم ذلك الثمر لغلبة الشهوة لا لكونهما صدقا قول إبليس فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما أي فلما تناولا من ثمر تلك الشجرة يسيرا لمعرفة طعمه ظهر لكل منهما قبل نفسه وقبل صاحبه ودبره وزال عنهما ثوبهما وزال النور عنهما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ أي وجعلا يلزقان على عورتهما من ورق التين للاستحياء وَناداهُما رَبُّهُما يا آدم ويا حواء أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ أي عن الأكل من ثمر هذه الشجرة وَألم أَقُلْ لَكُما إِنَّ

صفحة رقم 365

الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ
(٢٢) أي ظاهر العداوة حيث أبى السجود، كما حكى الله تعالى هذا القول في سورة طه بقوله: فَقُلْنا يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ [طه: ١١٧].
روي أنه تعالى قال لآدم: ألم يكن فيما منحتك من شجر الجنة مندوحة عن هذه الشجرة فقال: بلى وعزتك، ولكن ما ظننت أن أحدا من خلقك يحلف بك كاذبا. قال: فبعزتي لأهبطنك إلى الأرض ثم لا تنال العيش إلا كدا. فاهبط وعلّم صنعة الحديد وأمر بالحرث فحرث، وسقى وحصد، ودرس وذرى، وعجن وخبز. قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا أي ضررناها بمخالفة أمرك وطاعة عدونا وعدوك من أكل الشجرة التي نهيتنا عن الأكل منها وإنما اعترف آدم بكونه ظالما لأنه ترك الأولى فإن هذا الذنب صدر عنه قبل النبوة بطريق النسيان، ولأن القصد بذلك القول هضم النفس ونهج الطاعة على الوجه الأكمل وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (٢٣) أي من المغبونين بالعقوبة. قالَ تعالى: اهْبِطُوا يا آدم وحواء وإبليس إلى الأرض فهبط آدم بسرنديب جبل في الهند وحواء بجدة وإبليس بالأبلة بضم الهمزة والموحدة وبتشديد اللام (جبل بقرب البصرة) بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فالعداوة ثابتة بين آدم وإبليس وذرية كل منهما وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ أي مكان عيش وقبر وَمَتاعٌ أي انتفاع إِلى حِينٍ (٢٤) أي إلى انقضاء آجالكم قالَ تعالى: فِيها أي الأرض تَحْيَوْنَ أي تعيشون مدة حياتكم وَفِيها تَمُوتُونَ وتدفنون وَمِنْها تُخْرَجُونَ (٢٥) إلى البعث للجزاء.
قرأ حمزة والكسائي تخرجون بفتح التاء وضم الراء وكذلك في الروم والزخرف والجاثية.
وقرأ ابن عامر هنا وفي الزخرف كذلك وفي الروم والجاثية بضم التاء وفتح الراء. والباقون بضم التاء في الجميع يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً أي قد خلقنا لكم بأسباب نازلة من السماء لباسين من قطن وغيره لباسا يغطي عوراتكم من العري ولباسا يزينكم فإن الزينة غرض صحيح.
وروي أن العرب كانوا يطوفون بالبيت عراة، الرجال في النهار والنساء في الليل ويقولون:
لا نطوف بثياب عصينا الله تعالى فيها. فنزلت هذه الآية تذكيرا ببعض النعم لأجل امتثال أمر الله تعالى بالحذر من قبول وسوسة الشيطان في قوله تعالى: لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ [الأعراف: ٢٧].
والمقصود من ذكر قصص الأنبياء حصول العبرة لمن يسمعها وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ.
وقرأ نافع وابن عامر والكسائي بنصب «لباس» عطفا على «لباسا» أي وأنزلنا عليكم لباس التقوى وهو الإيمان كما قاله قتادة والسدي وابن جريج، أو العمل الصالح كما قاله ابن عباس أو السمت الحسن كما قاله عثمان بن عفان أو خشية الله كما قاله ابن الزبير، أو الحياء كما قاله معبد

صفحة رقم 366

والحسن ذلك أي اللباس الثالث خير لصاحبه من اللباسين الأولين لأنه يستر من فضائح الآخرة.
وقرأ الباقون و «لباس التقوى» بالرفع على الابتداء وخبره «ذلك خير». والمعنى واللباس الناشئ عن التقوى وهو اللباس الأول، أو هو الملبوسات المعدة لأجل إقامة نحو الصلاة ذلك خير لأنه لبس المتواضع ذلِكَ أي إنزال اللباس مِنْ آياتِ اللَّهِ الدالة على قدرته وعظيم فضله وعميم رحمته على عباده لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (٢٦) أي فيعرفون عظيم النعمة في ذلك اللباس يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ أي لا يخرجنكم الشيطان عن طاعتي بفتنته فتمنعوا من دخول الجنة إخراجا مثل إخراجه أبويكم من الجنة بفتنته بأمره لهما بمخالفة أمري فمنعا من سكنى الجنة يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما بغروره وكان اللباس من ثياب الجنة أو من نور لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما أي ليرى آدم سوأة حواء وترى هي سوءة آدم إِنَّهُ أي الشيطان يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ أي أصحابه أو من كان من نسله مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إذا كانوا على صورهم الأصلية لكن قد يكونون مرئيين في بعض الأحيان لبعض الناس دون بعض.
وقال مجاهد: قال إبليس: جعل لنا أربع: نرى ولا نرى، نخرج من تحت الثرى، ويعود شيخنا فتى. إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (٢٧) أي إنا صيرنا الشياطين قرناء للذين لا يؤمنون بمحمد والقرآن مسلطين عليهم وَإِذا فَعَلُوا أي العرب فاحِشَةً كعبادة الأصنام وكشف العورة في الطواف قالُوا جوابا للناهي عنها معللين فعل الفاحشة بأمرين وَجَدْنا عَلَيْها أي على هذه الأشياء آباءَنا فاعتقدنا أنها طاعات واقتدينا بهم فيها وَاللَّهُ أَمَرَنا بِها فإن أجدادنا إنما كانوا يفعلونها بأمر الله تعالى بها قُلْ لهم يا أكرم الرسل إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ فإن عادته تعالى جارية على الأمر بمحاسن الأعمال والحث على نفائس الخصال أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٢٨) أي إنكم ما سمعتم كلام الله مشافهة ولا أخذتموه عن الأنبياء لأنكم تنكرون نبوة الأنبياء فكيف تقولون على الله ما لا تعلمون قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ أي بالتوحيد بلا إله إلا الله وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ أي واستقبلوا بوجوهكم القبلة عند كل صلاة وَادْعُوهُ أي اعبدوا الله بإتيان أعمال الصلاة مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ أي الطاعة كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (٢٩) أي كما أوجدكم الله بعد العدم يعيدكم بعده أحياء يوم القيامة فيجازيكم على أعمالكم فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ أي ثبت الضلالة عليهم في الأزل والجملتان الفعليتان في محل نصب على الحال من فاعل «بدأكم»، و «فريقا» الثاني منصوب بفعل مقدر موافق في المعنى للمذكور المفسر أي «بدأكم» حال كونه تعالى هاديا فريقا للإيمان ومضلا فريقا.
ويجوز أن تكون الجملتان الفعليتان في محل نصب على النعت «لفريقا وفريقا»، وهذان على الحال من فاعل «تعودون»، والعائد على المنعوت محذوف أي فريقا هداهم الله، وفريقا حق

صفحة رقم 367
مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد
عرض الكتاب
المؤلف
محمد بن عمر نووي الجاوي البنتني إقليما، التناري بلدا
تحقيق
محمد أمين الضناوي
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1417
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية