آيات من القرآن الكريم

أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا ۖ أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا ۖ أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا ۖ أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۗ قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنْظِرُونِ
ﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏ ﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝ ﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥ ﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭ ﲿ ﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜ ﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬ ﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋ

تعالى قُلْ يا محمد لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا
أي اجتناب نفع ولا دفع إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ أي أملكه بتمليكه إياي وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ يعني المال وتهيأت لسنة القحط ما يكفيها وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ وما مسّني الله [بسوء].
وقال ابن جريج: قُلْ لا أَمْلِكُ (لِنَفْسِي) نَفْعاً وَلا ضَرًّا يعني الهدى والضلالة وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ متى أموت لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ من العمل الصالح وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ.
قال ابن زيد: فاجتنبت ما يكون من الشر وأتقيه. قال بعض أهل المعاني: (لَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ من معرفته حتّى لا يخفى عليّ شيء وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ يعني التكذيب.
وقال مقاتل: هذا متصل بالكلام الأول معناه: لا أقدر أن [أسوق] لنفسي خيرا أو أدفع عنها شرا حتّى ينزل بي فكيف أعلم وأملك علم الساعة؟ وتمام الكلام قوله: لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ، ثم ابتدأ فقال: (وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ) [يعني الجنون].
وقيل يعني لم يلحقني تكذيب إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ يصدقون.
هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ يعني آدم (عليه السلام) وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها خلق منها حواء لِيَسْكُنَ إِلَيْها يستأنس إليها ويأوي إليها لقضاء حاجته فَلَمَّا تَغَشَّاها واقعها وجامعها حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفاً وهو ماء الرجل خفيف عليها فَمَرَّتْ أي استمرت بِهِ وقامت وقعدت ولم تكثرت بحملها، يدل عليه قراءة ابن عباس: فاستمرت به.
وقال قتادة: (فَمَرَّتْ بِهِ) أي استبان حملها. وقرأ يحيى بن يعمر (فمرت) خفيفة الراء من المرية أي: شكّت أحملت أم لا؟ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ أي كبر الولد في بطنها وتحرك وصارت ذات ثقل بحملها كما يقال: أثمر إذا صار ذا ثمر دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُما يعني آدم وحواء لَئِنْ آتَيْتَنا يا ربنا صالِحاً.
قال الحسن: غلاما ذكرا. وقال الآخرون: بشرا سويّا مثلنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ وذلك أنهما أشفقا أن يكون بهما أو شيئا سوى آدمي أو غير سوي.

صفحة رقم 314

قال الكلبي: إن إبليس أتى حواء في صورة رجل لما أثقلت في أول ما حملت فقال: ما هذا الذي في بطنك قالت: ما أدري، قال: إني أخاف أن يكون بهيمة، فقالت ذلك لآدم، فلم يزالا في نعم من ذلك ثمّ عاد إليها فقال: إني من الله [منزّل] فإن دعوت الله فولدت إنسانا [أتسمّينه فيّ] قالت: نعم، قال: فإنّي أدعوا الله فأتاها وقد ولدت فقال: سميه باسمي، فقالت:
وما اسمك؟ قال: الحارث، ولو سمّى نفسه لعرفته فسمته عبد الحارث».
وقال سعيد بن جبير: لما هبط آدم وحواء (عليهما السلام) الأرض ألقيت الشهوة في نفس آدم فأصابها فحملت فلما تحرك ولدها في بطنها جاءها إبليس فقال ما هذا [ما ترين] في الأرض إلّا ناقة أو بقرة أو ضائنة أو [ماعزة] أو نحوها فما يدريك ما في بطنك لعله كلب أو خنزير أو حمار وما يدريك من أين يخرج أمن دبرك فيقتلك أو أذنك أو عينيك أو فيك أو يشق بطنك فيقتلك، فخافت حواء من ذلك قال: فأطيعيني وسميه عبد الحرث. وكان اسمه في الملائكة الحرث، تلدين شبيهكما مثلكما، فذكرت ذلك لآدم فقال: لعلّه صاحبنا الذي قد علمت، فعاودها إبليس فلم يزل بهما حتّى غرهما فسمّياه عبد الحرث «٢».
قال السدي: ولدت حواء غلاما فأتاها إبليس فقال سموه بي وإلّا قتلته، قال له آدم: قد أطعتك فأخرجتني من الجنّة، فأبى أن يطيعه فمات الغلام، فحملت بآخر فلما ولدته قال لهما مثل ذلك فأبيا أن يطيعاه، فمات الولد، فحملت بآخر فأتاهما وقال لهما: إذ غلبتماني فسمياه عبد الحرث، وكان اسم إبليس الحرث.
ولم يشعروا به فوالله لا أزال أقتلهم حتّى تسمياه عبد الحرث. كما قتلت الأول والثاني فسمياه عبد الحرث فعاش.
وقال ابن عباس: كانت حواء تلد لآدم فتسميه عبد الله وعبيد الله وعبد الرحمن ونحو ذلك فيصيبهم الموت فأتاهما إبليس فقال: إن [وعدتكما] أن يعيش لكما ولد فسمياه عبد الحرث فولدت ابنا فسمياه عبد الحرث ففيهما أنزل الله عزّ وجلّ فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً أي ولدا بشرا سويا حيا آدميا جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ.
قرأ ابن عباس وسعيد بن جبير وأبان بن ثعلب وعاصم وعكرمة وأهل المدينة شِرْكاً بكسر الشين والتنوين أي شركه.
قال أبو عبيدة: أي حظا ونصيبا من غيره، وقرأ الباقون شُرَكاءَ مضمومة الشين ممدودة على جمع شريك أخبر عن الواحد بلفظ الجمع، لقوله تعالى الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ

(١) أنظر تفسير القرطبي: ٧/ ٣٣٨
. (٢) تحفة الأحوذي: ٨/ ٣٦٧
.

صفحة رقم 315

جَمَعُوا لَكُمْ «١» مفردا، تم الكلام هاهنا ثمّ قال: فَتَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ يعني أهل مكة.
واختلف العلماء في تأويل الشرك المضاف إلى آدم وحواء فقال المفسرون: كان شركاء في التسمية والصفة لا في العبادة والربوبية.
وقال أهل المعاني: أنهما لم يذهبا إلى أن الحرث ربهما بتسميتهما ولدهما عبد الحرث لكنهما قصدا إلى أن الحرث سبب نجاة الولد وسلامة أمّه فسمياه، كما [يسمى] ربّ المنزل، وكما يسمي الرجل نفسه عبد ضيفه على جهة الخضوع له لا على أن الضيف ربّه.
كما قال حاتم:

وإنّي لعبد الضيف ما دام ثاويا وما فيّ إلّا تلك من شيمة العبد «٢»
وقال قوم من أهل العلم: إن هذا راجع إلى المشركين من ذرية آدم وإن معناه جعل أولادهما له شركاء فحذف الأولاد وأقامهما مقامهم كقوله تعالى وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ «٣» وكما أضاف فعل الآباء إلى الأبناء في تفريقهم بفعل آبائهم، فقال لليهود الذين كانوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ. وقال وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها. وقال سبحانه:
فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللَّهِ «٤» ونحوها، ويدل عليه ما روى معمر عن الحسن قال: عني بهذا من أشرك من ذرية آدم ولم يكن عنى آدم.
وروى قتادة عنه قال: هم اليهود والنصارى رزقهم الله أولادا فهودوا ونصّروا.
وقال ابن كيسان: هم الكفار جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ عبد العزى وعبد مناة.
وقال عكرمة: لم يخص بها آدم ولكن جعلها عامة لجميع بني آدم من بعد آدم.
قال الحسين بن الفضل: وهذا حجب إلى أهل النظر لما في القول الأول من إلصاق العظائم بنبي الله آدم (عليه السلام) ويدل عليه جمعه في الخطاب حيث قال: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ، ثمّ قال: فَلَمَّا تَغَشَّاها انصرف من ذلك الخطاب إلى الخبر يعني فلما تغشى الرجل منكم امرأته.
قال الله عزّ وجلّ: أَيُشْرِكُونَ يعني كفار مكة ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ يعني الأصنام.
قال ابن زيد: ولد لآدم ولد فسمياه عبد الله فاتاهما إبليس فقال: ما سميتما ابنكما هذا؟
(١) سورة آل عمران: ١٧٣
. (٢) تاريخ دمشق: ١٦/ ٤٢١
. (٣) سورة يوسف: ٨٢
. (٤) سورة البقرة: ٩١
.

صفحة رقم 316
الكشف والبيان عن تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي أو الثعالبي
راجعه
نظير الساعدي
الناشر
دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان
سنة النشر
1422 - 2002
الطبعة
الأولى 1422، ه - 2002 م
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية