آيات من القرآن الكريم

أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا ۖ أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا ۖ أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا ۖ أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۗ قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنْظِرُونِ
ﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋ

قال عز وجل منكراً عليهم أن تكون الأصنام عبادًا أمثالهم لقصورها عن أن تكون مثل العباد في الفهم والسمع والبصر، فحقرها وضعفها بهذا الخبر عن أن تبلغ مبلغ العباد فكيف مبلغ الآلهة، ثم قال عز وجل: فإن كان كما تقولون أنها تنفع وتضر ﴿فَادْعُوهُمْ﴾ إلى آخر الآية) (١).
١٩٥ - قوله تعالى: ﴿أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا﴾، قال ابن عباس: (يريد: مثل بني آدم ممن جعلت فيه الروح. ﴿أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا﴾ مثل ما يبطش بنو آدم) (٢)، ومعنى البَطش (٣): التناول عند الصولة، والأخذ الشديد في كل شيء: بَطش، ومنه قوله عز وتعالى: ﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ﴾ [البروج: ١٢].
قال أهل المعاني في هذه الآية: (إنما أنكر عليهم عبادة من لا رجل له يمشي بها، ولا يد (٤) يبطش بها، لأن من عبد جسمًا هذه صفته فقد عبد ما لا شبهة في اليأس من ضره ونفعه، فهو ألوم (٥) ممن عبد من له جارحة يمكن أن ينفع بها أو يضر، فقد عرفهم بهذا أنهم مفضلون عليهم (٦) فكيف يعبدون من هم أفضل منه، فالقصد بالآية بيان جهالتهم في عبادة الأصنام (٧)

(١) لم أقف عليه.
(٢) ذكره الواحدي في "الوسيط" ٢/ ٢٨٦ بلا نسبة.
(٣) انظر: "العين" ٦/ ٢٤٠، و"الجمهرة" ١/ ٣٤٢، و"تهذيب اللغة" ١/ ٣٤٩، و"الصحاح" ٣/ ٩٩٦، و"مقاييس اللغة" ١/ ٢٦٢، و"المفردات" ص ١٢٩، و"اللسان" ٦/ ٣٠١ (بطش).
(٤) لفظ: (ولا يد) ساقط من (ب).
(٥) في (ب): (فهو اليوم)، وفي (أ): (اللوم).
(٦) في (ب): (عليه).
(٧) لفظ: (الأصنام) ساقط من (ب).

صفحة رقم 531

حيث كانوا أفضل من معبوديهم بما خلق الله لهم من هذه الجوارح التي لم يخلقها لمعبوديهم) (١).
وقوله تعالى: ﴿قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ﴾. قال ابن عباس (٢): (يريد: الذين تعبدون (٣) من دون الله، ﴿ثُمَّ كِيدُونِ﴾ أنتم وشركاؤكم)، وهذا يتصل بما قبله اتصال استكمال الحجة عليهم؛ لأنهم لما فزعوا بعبادة من لا يملك ضرًا ولا نفعًا، قيل لمحمد: قل لهم معبودي يملك الضر والنفع فلو اجتهدتم في كيدي لم تصلوا إلى ضري لدفعه عني.
قال الحسن (٤): (إنهم كانوا يخوفونه بآلهتهم فقال الله تعالى: ﴿قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ﴾)، واختلفوا في إثبات الياء (٥) في ﴿كِيدُونِ﴾ وحذفها، فقرءوا بالوجهين، ومثله: ﴿فَلَا تُنْظِرُونِ﴾، والقول في ذلك أن الفواصل وما أشبه الفواصل من الكلام التام تجري مجرى القوافي

(١) انظر: "تفسير الطبري" ٩/ ١٥١، والسمرقندي ١/ ٥٨٩، والماوردي ٢/ ٢٨٧، والبغوي ٣/ ٣١٥، وابن عطية ٦/ ١٨٠، والرازي ١٥/ ٩٢ - ٩٣، وقال ابن الجوزي في "تفسيره" ٣/ ٣٠٦: (في الآية تنبيه على تفضيل العابدين على المعبودين وتوبيخ لهم حيث عبدوا من هم أفضل منه) اهـ.
(٢) ذكره الواحدي في "الوسيط" ٢/ ٦ بلا نسبة.
(٣) في (أ): (تدعون).
(٤) ذكره الواحدي في "الوسيط" ٢/ ٢٨٦، وابن الجوزي ٣/ ٣٠٦، والرازي ١٥/ ٩٣، والخازن ٢/ ٣٢٧.
(٥) قرأ أبو عمرو (ثُمَّ كِيدُونِي) بإثبات الياء وصلًا وحذفها وقفًا وهي رواية عن ابن عامر ونافع، وقرأ ابن عامر في رواية بإثبات الياء في الوصل والوقف، وحذفيها الباقون في الحالين، وقرأ يعقوب وحده: (فَلَا تُنظِرُونِي) بإثبات الياء في الوصل والوقف، وحذفها الباقون في الحالين، انظر: "السبعة" ص ٢٩٩، و"المبسوط" ص ١٨٨، و"التذكرة" ٢/ ٤٣٢، و"التيسير" ص ١١٥، و"النشر" ٢/ ٢٧٥.

صفحة رقم 532

لاجتماعهما في أن الفاصلة آخر الآية، كما أن القافية آخر البيت، وقد ألزموا (١) الحذف هذه الياءات إذا كانت القوافي كقوله:

فهل يمنعني ارتيادي البلاد من قدر الموت أن يأتِيَنْ (٢)
وكذلك الياء التي هي لام كقوله:
يلمس الأحلاس في منزله بيديه كاليهودي المصل (٣)
ومن أثبت فلأن الأصل الإثبات (٤). ومعنى قوله: ﴿فَلَا تُنْظِرُونِ﴾. أي: لا تمهلوني واعجلوا في كيدي أنتم وشركاؤكم، وهذه الآية تدل على صحة ما قال صاحب النظم في الآية الأولى، ألا ترى أنه بيّن فضل الآدمي على الأصنام في هذه الآية لما بقي (٥) بالأولى، أن تكون الأصنام أمثالهم.
(١) في (ب): (وقد لزموا)، وهو تحريف.
(٢) الشاهد للأعشى الكبير في "ديوانه" ص ٣٥٩، و"الكتاب" ٣/ ٥١٣ و٤/ ١٨٧، و"الحجة" لأبي علي ٣/ ٢١٩، و"المحتسب" ١/ ٣٤٩، و"تفسير ابن عطية" ٦/ ١٨٢، و"الدر المصون" ٣/ ٩٢، والشاهد حذف الياء من الفعل (يأتيني).
(٣) الشاهد للبيد في "ديوانه" ص ١٤٢، والرازي ١٥/ ٩٣، و"اللسان" ٧/ ٤٠٧٢ - ٤٠٧٣ (لمس)، وهو في "تفسير ابن عطية" ٦/ ١٨٢ للأعشى ولعله تحريف أو وهم، ويلمس: يطلب، والأحلاس: جمع حلس، وهو كساء رقيق يوضع على ظهر البعير، والمصل المصلي يعني أنه لا يعقل من غلبه النعاس فهو يطلب الأحلاس مائلًا جانبه كأنه يهودي يصلي على شق وجهه، والشاهد حذف الياء من الاسم، وهو المصلي.
(٤) ما تقدم هو قول أبي علي في "الحجة" ٤/ ١١٥، وانظر. "إعراب القراءات" ١/ ٢١٩، و"الحجة" لابن خالويه ص ١٦٩.
(٥) كذا في "الأصول": يريد أنه ما بقي في الآية السابقة دليل على أن الأنام أمثالهم بل هم أفضل.

صفحة رقم 533
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية