
(أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا) وتكون الآية هنا تنزيلا لهم عن مقام المماثلة إلى ما دونها، فأنتم لكم أجسام مصورة، لكم أرجل تمشون بها، وأيد تبطشون بها ولكم آذان.
وأُنسينا عند الكلام في معاني الآية السابقة أن نذكر قراءة (إنْ) بالتخفيف بمعنى النفي، ويكون المعنى: " ليس الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم " فتكون لنفي المماثلة بينهم، بل إن المشركين في الخلق والتكوين أكمل وأعلى فكيف يعبد الأعلى من هو أدنى منه مقاما، وأقرب منه إلى الإكرام. ويكون قوله تعالى: (أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا)، الآية بيانا لهذه الأفضلية، ومنع المماثلة. وأن قوله تعالى: (أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ

آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا) الاستفهام كله للإنكار بمعنى نفي الوقوع، أي ليست لهم أرجل، ولا أيد، ولا آذان. وجاء النفي بصيغة الاستفهام لتأكيده بالدعوة إلى الالتفات لهم، ثم الحكم ينفي هذه الجوارح عنهم، ومن عنده هذه الجوارح أكمل بلا ريب في الخلق والتكون والآخر أدنى منه.
وقد ذكر المشي بالنسبة للرجل، والبطش بالنسبة لليد، والسماع بالنسبة للأذن مع أنه إذا انتفى وجود الرجل انتفى المشي لَا محالة، وكذا السمع واليد، فلماذا ذكرت هذه الصفات مع أن نفي الأصل ينفيها، ذكرت للدلالة على قوة العابدين لهم، وضعف هذه المعبودات، فكيف يعبد القوي الضعيف، وكيف يعبد القادر غير القادر، وكيف يعبد من أوتي الحركة الجماد الذي لَا يتحرك، ولا يستطيع أن يدفع الباطش به أن يبطش.
ومع هذا الضعف الدال على الزراية بمن يعبدونها، كانوا يخوفون النبي - ﷺ -
منهم، كما خوف من قبل قوم نوح وعاد وثمود أنبياءهم. فقد قال تعالى عن هود إذ هددوا عاد: (إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (٥٤) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (٥٥) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٦).
كانوا يخوفون النبي - ﷺ - منها، كما كانوا هم يخافون، ولقد تحداهم الله تعالى أن ينزلوا هم وأوثانهم بالنبي ما يخوفون فيكون ذلك بيان لعجزهم؛ ولذا قال تعالى: (قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنظِرونِ).
إن كنتم تخافونهم، وتخوفون محمدا فقل يا محمد: ادعوا شركاءكم، أي من جعلتموهم شركاء لله، فالإضافة لأدنى ملابسة، أي الشركاء الذي هم شركاء في زعمكم أي هم شركاء في زعمكم أنتم (ثُمَّ كِيدُونِ)، أي دبروا لي وأعلنوا الحرب، وقد يطلق الكيد ويراد به الحرب. تقول كتب السيرة في بعض سرايا النبي - ﷺ -

(عادوا ولم يلقوا كيدا) (١)، أي حربا. والمعنى أعلنوها حربا مدبرة (فَلا تُنظِرونِ)، أي لَا تؤجلوني لحظة من زمان، هذا تحد أمر الله تعالى به نبيه، وبيان لضعف ما يعبدون - وإنما هي الأوهام، ووساوس الشيطان هي التي تفرض فيهم قوة، وما هم بشيء فضلا عن أن يخوَّف عاقل مدرك بهم.
ولئن كانت لهذه الأصنام قوة، أو لكم أنتم معشر العابدين لها - قوة، فقوتكم من الشيطان وهو وليكم والله ولي المؤمنين، وأين أولياء الشيطان من أولياء الله؛ ولذا قال تعالى: