آيات من القرآن الكريم

أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا ۖ أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا ۖ أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا ۖ أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۗ قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنْظِرُونِ
ﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋ

وَمَعْنَى تَوْجِيهِ أَمْرِ الْغَائِبِ السَّامِعِ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِأَنْ يُبْلِغَ الْأَمْرَ لِلْغَائِبِ.
وَهَذَا أَيْضًا كِنَايَةٌ عَنْ عَجْزِ الْأَصْنَامِ عَنْ الِاسْتِجَابَةِ لِعَجْزِهَا عَنْ تَلَقِّي التَّبْلِيغِ مِنْ عَبَدَتِهَا.
[١٩٥]
[سُورَة الْأَعْرَاف (٧) : آيَة ١٩٥]
أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِها أَمْ لَهُمْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها قُلِ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ (١٩٥)
أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِها أَمْ لَهُمْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها.
تَأْكِيدٌ لِمَا تَضَمَّنَتْهُ الْجُمْلَةُ قَبْلَهَا مِنْ أَمْرِ التَّعْجِيزِ وَثُبُوتِ الْعَجْزِ، لِأَنَّهُ إِذَا انْتَفَتْ عَنِ الْأَصْنَامِ أَسْبَابُ الِاسْتِجَابَةِ تَحَقَّقَ عَجْزُهَا عَنِ الْإِجَابَةِ، وَتَأَكَّدَ مَعْنَى أَمْرِ التَّعْجِيزِ الْمُكَنَّى بِهِ عَنْ عَجْزِ الْأَصْنَامِ وَعَجْزِ عَبَدَتِهَا، وَالِاسْتِفْهَامُ إِنْكَارِيٌّ وَتَقْدِيمُ الْمُسْنَدِ عَلَى الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ لِلِاهْتِمَامِ بِانْتِفَاءِ الْمُلْكِ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ اللَّامُ كَالتَّقْدِيمِ فِي قَوْلِ حَسَّانَ:
لَهُ هِمَمٌ لَا مُنْتَهَى لِكِبَارِهَا
وَوَصْفُ الْأَرْجُلِ بِ يَمْشُونَ وَالْأَيْدِي بِ يَبْطِشُونَ وَالْأَعْيُنِ بِ يُبْصِرُونَ وَالْآذَانِ بِ يَسْمَعُونَ إِمَّا لِزِيَادَةِ تَسْجِيلِ الْعَجْزِ عَلَيْهِمْ فِيمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ النَّاصِرُ، وَأَمَّا لِأَنَّ بَعْضَ تِلْكَ الْأَصْنَامِ كَانَتْ مَجْعُولَةً عَلَى صُوَرِ الْآدَمِيِّينَ مِثْلَ هُبَلَ، وَذِي الْكَفَّيْنِ، وَكُعَيْبٍ فِي صُوَرِ الرِّجَالِ، وَمِثْلَ سُوَاعٍ كَانَ عَلَى صُورَةِ امْرَأَةٍ، فَإِذَا كَانَ لِأَمْثَالِ أُولَئِكَ صُوَرُ أَرْجُلٍ وَأَيْدٍ وَأَعْيُنٍ وَآذَانٍ، فَإِنَّهَا عَدِيمَةُ الْعَمَلِ الَّذِي تَخْتَصُّ بِهِ الْجَوَارِحُ، فَلَا يَطْمَعُ طَامِعٌ فِي نَصْرِهَا، وَخَصَّ الْأَرْجُلَ وَالْأَيْدِي وَالْأَعْيُنَ وَالْآذَانَ، لِأَنَّهَا آلَاتُ الْعِلْمِ وَالسَّعْيِ وَالدَّفْعِ لِلنَّصْرِ، وَلِهَذَا لَمْ يُذْكَرِ الْأَلْسُنَ لِمَا عَلِمْتَ مِنْ أَنَّ الِاسْتِجَابَةَ مُرَادٌ بِهَا النَّجْدَةُ وَالنُّصْرَةُ، وَلَمْ يَكُونُوا يَسْأَلُونَ عَنْ سَبَبِ الِاسْتِنْجَادِ، وَلَكِنَّهُمْ يُسْرِعُونَ إِلَى الِالْتِحَاقِ بِالْمُسْتَنْجِدِ.
وَالْمَشْيُ انْتِقَالُ الرِّجْلَيْنِ مِنْ مَوْضِعٍ انْتِقَالًا مُتَوَالِيًا.
وَالْبَطْشُ الْأَخْذُ بِالْيَدِ بِقُوَّةٍ، وَالْإِضْرَارُ بِالْيَدِ بِقُوَّةٍ، وَقَدْ جَاءَ مُضَارِعُهُ بِالْكَسْرِ وَالضَّمِّ عَلَى الْغَالِبِ. وَقِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ بِالْكَسْرِ، وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ: بِضَمِّ الطَّاءِ، وَهُمَا لُغَتَانِ.
وأَمْ حَرْفٌ بِمَعْنَى (أَوْ) يَخْتَصُّ بِعَطْفِ الِاسْتِفْهَامِ، وَهِيَ تَكُونُ مِثْلَ (أَوْ) لِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ أَوِ الْأَشْيَاءِ، وَلِلتَّمْيِيزِ بَيْنَ الْأَشْيَاءِ، أَوِ الْإِبَاحَةِ أَيِ الْجَمْعِ بَيْنَهَا، فَإِذَا وَقَعَتْ

صفحة رقم 222

بَعْدَ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ الْمَطْلُوبُ بِهَا التَّعْيِينُ كَانَتْ مِثْلَ (أَوْ) الَّتِي لِلتَّخْيِيرِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ [يُونُس: ٥٩] أَيْ عَيِّنُوا أَحَدَهُمَا، وَإِنْ وَقَعَتْ بَعْدَ اسْتِفْهَامٍ غير حَقِيقِيّ كَانَت بِمَعْنَى (أَوِ) الَّتِي لِلْإِبَاحَةِ، وَتُسَمَّى، حِينَئِذٍ مُنْقَطِعَةً وَلِذَلِكَ يَقُولُونَ إِنَّهَا بِمَعْنَى (بَلِ) الِانْتِقَالِيَّةِ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَهِيَ مُلَازِمَةٌ لِمَعْنَى الِاسْتِفْهَامِ فَكُلَّمَا وَقَعَتْ فِي الْكَلَامِ قُدِّرَ بَعْدَهَا اسْتِفْهَامٌ، فَالتَّقْدِيرُ هُنَا، بَلْ أَلَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا، بَلْ أَلَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا، بَلْ أَلَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا.
وَتَرْتِيبُ هَذِهِ الْجَوَارِحِ الْأَرْبَعِ عَلَى حَسَبِ مَا فِي الْآيَةِ مَلْحُوظٌ فِيهِ أَهَمِّيَّتُهَا بِحَسْبَ الْغَرَضِ، الَّذِي هُوَ النَّصْرُ وَالنَّجْدَةُ، فَإِنَّ الرِّجْلَيْنِ تُسْرِعَانِ إِلَى الصَّرِيخِ قَبْلَ التَّأَمُّلِ، وَالْيَدَيْنِ تَعْمَلَانِ عَمَلَ النَّصْرِ وَهُوَ الطَّعْنُ وَالضَّرْبُ، وَأَمَّا الْأَعْيُنُ وَالْآذَانُ فَإِنَّهُمَا وَسِيلَتَانِ لِذَلِكَ كُلِّهِ فَأُخِّرَا، وَإِنَّمَا قُدِّمَ ذِكْرُ الْأَعْيُنِ هُنَا عَلَى خلاف مُعْتَاد القرءان فِي تَقْدِيمِ السَّمْعِ عَلَى الْبَصَرِ كَمَا سَبَقَ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ هُنَا كَانَ بِطَرِيقِ التَّرَقِّي.
قُلِ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ.
إِذْنٌ مِنَ اللَّهِ لِرَسُولِهِ بِأَنْ يَتَحَدَّاهُمْ بِأَنَّهُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا اسْتَصْرَخُوا أَصْنَامَهُمْ لِتَتَأَلَّبَ عَلَى
الْكَيْدِ لِلرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَالْمَعْنَى ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ لِيَنْصُرُوكُمْ عَلَيَّ فَتَسْتَرِيحُوا مِنِّي.
وَالْكَيْدُ الْإِضْرَارُ الْوَاقِعُ فِي صُورَةِ عَدَمِ الْإِضْرَارِ، كَمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى آنِفًا وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ [الْأَعْرَاف: ١٨٣].
وَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ فِي قَوْلِهِ: كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ لِلتَّعْجِيزِ.
وَقَوْلُهُ: فَلا تُنْظِرُونِ تَفْرِيعٌ عَلَى الْأَمْرِ بِالْكَيْدِ، أَيْ فَإِذَا تَمَكَّنْتُمْ مِنْ إِضْرَارِي فَأَعْجِلُوا وَلَا تُؤَجِّلُونِي.
وَفِي هَذَا التَّحَدِّي تَعْرِيض بِأَنَّهُ سيبلغهم وَيَنْتَصِرُ عَلَيْهِمْ وَيَسْتَأْصِلُ آلِهَتَهُمْ وَقَدْ تَحَدَّاهُمْ بِأَتَمِّ أَحْوَالِ النَّصْرِ وَهِيَ الِاسْتِنْصَارُ بِأَقْدَرِ الْمَوْجُودَاتِ فِي اعْتِقَادِهِمْ، وَأَنْ يَكُونَ الْإِضْرَارُ بِهِ خَفِيًّا، وَأَنْ لَا يَتَلَوَّمَ لَهُ وَلَا يَنْتَظِرَ، فَإِذَا لَمْ يَتَمَكَّنُوا مِنْ ذَلِكَ كَانَ انْتِفَاؤُهُ أَدَلَّ عَلَى عَجْزِهِمْ وَعَجْزِ آلِهَتِهِمْ.
وَحُذِفَتْ يَاءُ الْمُتَكَلِّمِ مِنْ كِيدُونِ فِي حَالَتَيِ الْوَقْفِ وَالْوَصْلِ، فِي قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ غَيْرَ أَبِي عَمْرٍو، وَأَمَّا تَنْظُرُونَ فَقَرَأَهُ الْجَمِيعُ: بِحَذْفِ الْيَاءِ إِلَّا يَعْقُوبَ أَثْبَتَهَا وَصْلًا وَوَقْفًا، وَحَذْفُ يَاءِ الْمُتَكَلِّمِ بَعْدَ نُونِ الْوِقَايَةِ جدّ فصيح.

صفحة رقم 223
تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد
عرض الكتاب
المؤلف
محمد الطاهر بن عاشور
الناشر
الدار التونسية للنشر
سنة النشر
1403
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية