آيات من القرآن الكريم

ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ ۖ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ
ﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔ

وقال جابر بن عبد الله: (هو الإسلام) (١).
١٧ - قوله تعالى: ﴿ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ﴾، قال ابن عباس في رواية الوالبي: (﴿مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ﴾ يعني آخرتهم، يقول: أشككهم فيها، ﴿وَمِنْ خَلْفِهِمْ﴾ أرغبهم في دنياهم) (٢).
وهو قول قتادة، قال: (آتيهم ﴿مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ﴾ فأخبرهم أنه لا بعث ولا جنة ولا نار، ومن ﴿خَلْفِهِمْ﴾ من أمر الدنيا فزيَّنها لهم ودعاهم إليها) (٣)، ونحو هذا قال الكلبي (٤)، وهؤلاء جعلوا الآخرة بين أيديهم لأنهم يردون عليها فهي بين أيديهم، وإذا كانت الآخرة بين أيديهم كانت الدنيا خلفهم لأنهم يخلفونها (٥).

= مسعود قال: (طريق مكة).
انظر: "تفسير الماوردي" ٢/ ٢٠٦، وابن الجوزي ٣/ ١٧٦، و"الدر المنثور" ٣/ ١٣٥.
(١) ذكره ابن الجوزي في "تفسيره" ٣/ ١٧٦، وابن القيم كما في "بدائع التفسير" ٢/ ١٩٥، وما ذكر تنبيه على بعض أنواع الصراط، والظاهر هو العموم، فالصراط: الطريق وسبيل النجاة، وذلك دين الله الحق، والإسلام وشرائعه، وهو اختيار عامة المفسرين.
انظر: "تفسير الطبري" ٨/ ١٣٤، ١٣٥، و"معاني النحاس " ٣/ ١٦، و"تفسير السمرقندي" ١/ ٥٣٣، و"البغوي" ٣/ ٢١٨، و"ابن عطية" ٥/ ٤٤٦.
(٢) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٨/ ١٣٦، وابن أبي حاتم ٥/ ١٤٤٤ بسند جيد، وذكره السيوطي في "الدر" ٣/ ١٣٦.
(٣) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٨/ ١٣٦ بسند جيد. ، وابن أبي حاتم ٥/ ١٤٤٤ بسند جيد عن قتادة عن الحسن وقال: (وروى عن عكرمة نحو ذلك) اهـ.
(٤) "تنوير المقباس" ٢/ ٨٤، وأخرجه عبد الرزاق في "تفسيره" ١/ ٢/ ٢٢٥ بسند جيد عن الكلبي، وذكره السمرقندي ١/ ٥٣٣، والثعلبي ١٨٨ ب.
(٥) ذكر نحوه النحاس في "معانيه" ٣/ ١٨.

صفحة رقم 52

وقال الحكم (١) والسدي (٢): ﴿مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ﴾ (يعني الدنيا ﴿وَمِنْ خَلْفِهِمْ﴾، من قبل الآخرة). وهو قول ابن عباس في رواية العوفي، قال: (أما ﴿مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ﴾ فمن قبل دنياهم، وأما ﴿وَمِنْ خَلْفِهِمْ﴾ (٣) فأمر آخرتهم) (٤). فهؤلاء جعلوا (بين أيديهم) الدنيا؛ لأنها بين يدي الإنسان يسعى فيها ويعمل لها والآخرة تأتي (٥) من بعد.
وقوله تعالى: ﴿وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ﴾، قال الوالبي عن ابن عباس ﴿وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ﴾: (أُشَبِّه عليهم أمر دينهم، ﴿وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ﴾ أُشَهِّي (٦) لهم المعاصي). وقال في رواية عطاء: (﴿وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ﴾ يريد: من قبل الحق، ﴿وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ﴾ يريد: من قبل الباطل) (٧).

(١) الحكم بن عتيبة الكندي أبو محمد الكوفي، إمام ثقة فقيه، تقدمت ترجمته، والأثر عنه، أخرجه الطبري في "تفسيره" ٨/ ١٣٦، ١٣٧ بسند جيد، وذكره ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٥/ ١٤٤٥ وقال: (روي عن مجاهد والنخعي والحكم وأبي صالح والسدي) اهـ. وذكره النحاس في "معانيه" ٣/ ١٦ - ١٧، والثعلبي في "الكشف" ص ١٨٨/ ب.
(٢) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٨/ ١٣٧ بسند جيد وذكره السمرقندي في "تفسيره" ١/ ٥٣٣، والثعلبي ١٨٨ ب.
(٣) لفظ: (من) ساقط من (أ).
(٤) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٨/ ١٣٦، ١٣٧ بسند جيد عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس. وأخرجه الطبري أيضًا، وابن أبي حاتم ٥/ ١٤٤٤ بسند ضعيف من طريق عطية العوفي، وذكر النحاس في "معانيه" ٣/ ١٧ - ١٨ كلا الروايتين من طريق علي بن أبي طلحة وقال: (وذلك القول لا يمتنع؛ لأن الآخرة لم تأت بعد فهي بين أيدينا وهي تكون بعد موتنا فمن هذه الجهة يقال: هي خلفنا) اهـ.
(٥) في (ب): (يأتي).
(٦) في (ب): (اشتهى)، والمشهور: (اشَهَّي) وقد سبق تخريجه.
(٧) لي أقف عليه بهذا اللفظ عن ابن عباس. وذكره ابن الجوزي في "زاد المسير" ٣/ ١٧٦ عن مجاهد والسدي.

صفحة رقم 53

وهو قول الحكم (١) والسدي، قالا: (﴿وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ﴾ من قبل الحق؛ أصدهم (٢) عنه وأشككهم فيه، ﴿وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ﴾ من قبل الباطل أخففه (٣) عليهم، وأزينه لهم، وأرغبهم فيه).
وقال (٤) في رواية العوفي: (أما ﴿وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ﴾ فمن قبل حسناتهم، وأمما ﴿وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ﴾ فمن قبل سيئاتهم).
وهو قول قتادة، قال: (﴿وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ﴾ من قبل حسناتهم بَطَّأَهم عنها ﴿وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ﴾ زين لهم السيئات والمعاصي ودعاهم إليها وأمرهم بها، أتاك يا ابن آدم من كل وجه غير أنه لم يأتك من فوقك لم يستطع أن يحول بينك وبين رحمة الله) (٥).
قال أبو بكر: (وقولُ من قال: (الأيمان كناية عن الحسنات، والشمائل كناية عن السيئات) حسنٌ؛ لأن العرب تقول: اجعلني في يمينك، ولا تجعلني في شمالك، يريد اجعلني من المقدمين عندك،

(١) سبق تخريجه عن الحكم والسدي.
(٢) في (ب): (اصدقهم)، وهو تحريف.
(٣) في (ب): (أحققه)، وهو خلاف ما في المصادر.
(٤) أي ابن عباس من طريق عطية العوفي. وقد سبق تخريجه. وأيضًا أخرجه الطبري في "تفسيره" ٨/ ١٣٦ بسند جيد عن علي بن أبي طلحة.
(٥) سبق تخريجه، وذكر النحاس في "معانيه" ٣/ ١٦ - ١٨ نحوه عن الحكم بن عتيبة. وقال: (هذا قول حسن وشرطه أن معنى ﴿ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ﴾ من دنياهم حتى يكذبوا بما فيها من الآيات وأخبار والأمم السالفة ﴿وَمِنْ خَلْفِهِمْ﴾ من آخرتهم حتى يكذبوا بها، ﴿وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ﴾ من حسناتهم وأمور دينهم، ويدل على هذا قوله تعالى: ﴿إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ﴾ [الصافات: ٢٨] ﴿وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ﴾ يعني: سيئاتهم أي: يتبعون الشهوات لأنه يزينها لهم) اهـ.

صفحة رقم 54

ولا تجعلني من المؤخرين، أنشدنا أبو العباس (١) لابن الدمينة (٢):

أَبِيِنى (٣) أفِي يُمْنَى يَدَيْكِ جَعلْتِنى فَأَفْرَحَ أَمْ صَيَّرْتِني في شِمالِكِ) (٤)
وروى أبو عبيد عن الأصمعي (٥): (هو عندنا باليمين أي: بمنزلة حسنة، وإذا خست منزلته قال: أنت عندي (٦) بالشمال وقال:
رَأَيْتُ بَنِي العَلَّاتِ لَمّا تَضَافَرُوا يَحُوزون سَهْمِي دُونَهْم فيِ الشَّمَائِل (٧)
(١) أبو العباس: أحمد بن يحيى الإِمام ثعلب. تقدمت ترجمته.
(٢) ابن الدُّمَيْنْةَ: هو عبد الله بن عبيد الله بن أحمد الخَثْعَمي، أبو السَّريّ، شاعر إسلامي، له شعر كثير، والدمينة أمه، توفي سنة ١٣٠ هـ.
انظر: "الشعر والشعراء" ص ٤٨٩، و"الأغاني" ١٧/ ٩٨، و"شرح شواهد المغني" للسيوطي ١/ ٤٢٥، و"الأعلام" ٤/ ١٠٢.
(٣) "ديوانه" ص ١٧، و"أمالي الزجاجي" ص ١٠٨، و"الأغاني" ١٧/ ٩٦، و"دلائل الإعجاز" للجرجاني ص ٩٠، و"بدائع التفسير" ٢/ ١٩٧، وبلا نسبة في الماوردي ٤/ ٢٩٧، و"وضح البرهان" للغزنوي ٢/ ٤٣١، وهو في "الصناعتين" ص ٣٥٥ لطرفة ابن العبد وليس في "ديوانه"، وفي (ب): (أتيني) وهو خلاف ما في المراجع.
(٤) "شرح القصائد" لابن الأنباري ص ٤١١.
(٥) في "الغريب المصنف" ١/ ٣١٨ قال أبو عبيد: (الشمائل واحدها شمال، وقد تكون من الأخلاف ومن خلفه الجسد)، وفي "اللسان" ٨/ ٤٩٦٩ (يمن)، (اليَمين المنزلة، قال الأصمعي: هو عندنا باليمين أي: بمنزلة حسنة) اهـ. وذكره عن أبي عبيد عن الأصمعي، ابن القيم كما في "بدائع التفسير" ٢/ ١٩٧.
(٦) ذكره الأزهري في "تهذيب اللغة" ٢/ ١٩٢٩، وصاحب "اللسان" ٤/ ٢٣٢٩ (شمل) عن العرب.
(٧) لم أهتد إلى قائله. وهو في "تهذيب اللغة" ٢/ ١٩٣١، و"اللسان" ٤/ ٢٣٢٩ (شمل)، و"الدر المصون" ٢/ ٢٧٠، و"بدائع التفسير" ٢/ ١٩٧، وبنو العلات =

صفحة رقم 55

أي: ينزلونني بالمنزلة الخسيسة) (١)، وروى الأزهري في هذه الآية عن بعضهم: (﴿مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ﴾ أي: لأغوينهم حتى يكذبوا بما تقدم من أمور الأمم السالفة، ﴿وَمِنْ خَلْفِهِمْ﴾ بأمر البعث، ﴿وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ﴾ أي: لأضلنهم فيما يعملون؛ لأن الكسب يقال فيه: (ذلك بما كسبت يداك) وإن كانت اليدان لم تجنيا شيئًا؛ لأن اليدين هما الأصل في التصرف، فجعلت مثلًا لجميع ما عمل بغيرهما) (٢).
وقال ابن الأنباري: (على هذا القول: ﴿وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ﴾ أي: أزهدهم فيما ينبغي أن يعملوا له مما يكسبهم ثواب ربهم، قال: والعرب تذكر (الأيمان) و (الأيدي) عند العمل والفعل فيقول: جنت عليه يده، وكسبت يده، فلما كان ذكر الأيدي مستعملًا في الأفعال والأعمال اكتفى الله تعالى بها من الأفعال) (٣)، وقال آخرون: (ذكر الله تعالى هذه الوجوه للمبالغة في التوكيد، أي: ثم لآتينهم من جميع الجهات)، وهو اختيار أبي إسحاق؛ قال: (الحقيقة -والله أعلم- أي: أنصرف لهم في الإضلال من جميع جهاتهم) (٤).

= -بالفتح- بنو أمهات شتى من رجل واحد لأن الذي تزوجها على أولى قد كانت قبلها ناهل ثم عل من هذه، انظر: "اللسان" ٥/ ٣٠٨٠ (علل).
(١) ذكره الرازي في "تفسيره" ١٤/ ٤١، عن الأنباري.
(٢) "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٩٨٥. وذكره عن البعض الزجاج في "معانيه" ٢/ ٣٢٥، وصاحب "اللسان" ٨/ ٤٩٦٩ (يمن).
(٣) لم أقف عليه. وانظر: "المذكر والمؤنث" لابن الأنباري ١/ ٣٥٦، ص ٣٧٩.
(٤) "معاني الزجاج" ٢/ ٣٢٤، وهذا هو اختيار جمهور المفسرين منهم الطبري في "تفسيره" ٨/ ١٣٧، والنحاس في "إعراب القرآن" ١/ ٦٠٣، وابن عطية في "تفسيره" ٥/ ٤٤٧، وقال القرطبي ٧/ ١٧٦: (ومن أحسن ما قيل في تأويل الآية؛ =

صفحة رقم 56
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية