
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٧]
ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ (١٧)
أخبر أنه يأخذ عليهم جوانبهم، ويتسلط عليهم من جميع جهاتهم، ولم يعلم أن الحقّ سبحانه قادر على حفظهم عنه، فإنّ ما يكيد بهم من القدرة حصل، وبالمشيئة يوجد، ولو كان الأمر به أو إليه لكان أولى الخلق بأن يؤثّر فيه كدحه نفسه، وحيث لم ينفعه جهده فى سالف أحواله لم يضرهم كيده بما توعدهم به من سوء أفعاله.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٨]
قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (١٨)
أخرجه من درجته، ومن حالته ورتبته، ونقله إلى ما استوجبه من طرده ولعنته، ثم تخليده أبدا فى عقوبته، ولا يذيقه ذرة من برد رحمته، فأصبح وهو مقدّم على الجملة، وأمسى وهو أبعد الزّمرة، وهذه آثار قهر العزّة. فأىّ كبد يسمع هذه القصة ثم لا يتفتت؟!.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٩]
وَيا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ (١٩)
لما أسكن آدم الجنة خلق معه سبب الفتنة، وهو ما أكرمه به من الزوجة. وأي نقص يكون فى الجنة لو لم يخلق فيها تلك الشجرة التي هى شجرة المحنة لولا ما أخفى من سرّ القسمة؟.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ٢٠]
فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ (٢٠)
نسبته ما حصل منهما إلى الشيطان من أمارات العناية، كانت الخطيئة منهما لكنّه تعالى قال: «فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ».

ويقال التقى آدم بإبليس بعد ذلك فقال له: يا شقىّ! وسوست إلىّ وفعلت!، فقال إبليس لآدم. يا آدم! هب أنّى كنت إبليسك فمن كان إبليسى!؟.
قوله جل ذكره: لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما.
وفى ذلك دلالة على عناية زائدة حيث قال: «لِيُبْدِيَ لَهُما» فلم يطلع على سوأتهما غيرهما.
قوله جل ذكره: وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ.
تاقت أنفسهما إلى أن يكونا ملكين- لا لأن رتبة الملائكة كانت أعلى من رتبة آدم عليه السّلام- ولكن لانقطاع الشهوات والمنى عنهما.
ويقال لمّا طمعا فى الخلود وقعا فى الخمود، ووقعا فى البلاء والخوف وأصل كلّ محنة الطمع.
ويقال إذا كان الطمع فى الجنة- وهى دار الخلود- أوجب كلّ تلك المحن فالطمع فى الدنيا- التي هى دار الفناء- متى يسلم صاحبه من ذلك؟ ويقال إن يكونا إنما ركنا إلى الخلود فلا لنصيب أنفسهما، ولكن لأجل البقاء مع الله تعالى، وهذا أولى لأنه يوجب تنزيه محلّ النبوة. وقيل ساعات الوصال قصيرة وأيام الفراق طويلة، فما لبثا فى دار الوصلة إلّا بعضا من النهار دخلا ضحوة النهار وخرجا نصف النهار! ويقال إن الفراق عين تصيب أهل الوصلة، وفى معناه قال قائلهم:
إن تكن عين أصابتك فما | إلا لأنّ العين تصيب الحسنا |