
قوله: ﴿قَالَ ياموسى إِنِّي اصطفيتك عَلَى الناس﴾، الآية.
والمعنى: اخترتك على الناس، ﴿بِرِسَالاَتِي﴾ التي أرسلتك بها إليهم ﴿وَبِكَلاَمِي﴾، الذي ناجيتك به دون غيرك من خلقي، ﴿فَخُذْ مَآ آتَيْتُكَ﴾، أي: (خذ) ما أعطيتك من أمري ونهيي وتمسك به، واعمل به، ﴿وَكُنْ مِّنَ الشاكرين﴾، على ما فضلتك به.
قوله: ﴿وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الألواح مِن كُلِّ شَيْءٍ﴾، إلى قوله: ﴿مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾.
المعنى: وكتبنا لموسى في ألواحه ﴿مِن كُلِّ شَيْءٍ﴾، من التذكير والتنبيه على نعم الله، (تعالى)، وعظمته وسلطانه ومن المواعظ لقومه ومن الأمر بالعمل بما فيها، ﴿وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ﴾ أي: تبييناً لكل شيء من أمر الله (سبحانه)، في الحلال والحرام.

ومعنى: ﴿مِن كُلِّ شَيْءٍ﴾، (أي): من كل شيء يحتاج إليه من أمر الدين.
قال ابن عباس: إن موسى (عليه السلام)، لما كَرَبَهُ المَوْتُ، قال: هذا من أجل آدم! أنزلنا هاهنا! قال الله: يا موسى، أبعث إليك آدم فتخاصمه؟ قال: نعم! فلما بعث الله، جل وعز، آدم عليه السلام، سأله موسى، (عليه السلام)، فقال أبونا آدم (عليه السلام)،: يا موسى، سألت الله أن يبعثني إليك! قال موسى لولا أنت لم تكن ها هنا! قال له آدم (عليه السلام): [أليس] قد أتاك الله من كل شيء موعظة وتفصيلاً لكل شيء أفلست تعلم أن ﴿مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأرض وَلاَ في أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كتاب مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَآ﴾ [الحديد: ٢٢]، قال موسى: نعم، فخصمه (آدم عليه السلام).

قوله: ﴿بِقُوَّةٍ﴾.
أي: بِجِدَّ.
وقيل: بالطاعة.
ف: " الهاء " في " خُذْها " و " أَحْسَنها "، تعود على ﴿الألواح﴾.
وقيل: على " التوراة ".
﴿وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا﴾.
أي: بأحسن ما يجدون فيها، وذلك أن يعملوا بما أمرهم ولا يعلموا بما نهاهم/ عنه.
فمعنى ﴿بِأَحْسَنِهَا﴾: ليس أنهم يتركون شيئاً من الحسن، إنما يعملون بالمعروف

ولا يعملون بالمنكر.
وقيل: المعنى: ﴿بِأَحْسَنِهَا﴾ لهم، وهو العمل بما أمروا به، والانتهاء عما نُهُوْا.
وقيل: ليس أفعل للتفضيل، إنما هو [بمعنى] اسم الفاعل، كما قيل: " الله أَكْبَرُ " بمعنى: كبير. فالمعنى: يأخذوا بالحسن من ناحيتها وجنسها وما يدخل تحتها (به).
وقيل: إن المعنى: ﴿وَأْمُرْ قَوْمَكَ﴾ يعملون بأحسن ما هو لهم مطلق مثل: ﴿وَلَمَنِ انتصر بَعْدَ ظُلْمِهِ فأولئك مَا عَلَيْهِمْ مِّن سَبِيلٍ﴾ [الشورى: ٤١]. ثم قال: ﴿وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأمور﴾ [الشورى: ٤٣]. فالانتقام جائز، (والعفو جائز)، والعفو أحسن، فكذلك أمروا أن يعملوا بأحسن ما أُبِيحَ لهم فعله.
وقيل المعنى: إن التوراة كلها حسنة لكن فيها: أقاصيص الإحسان، والإساءة والطاعة، والمعصية، والفعو، والنقمة، فأمروا أن يأخذوا بأحسن هذه الأفعال التي نُصَّتْ عليهم. ومنه قوله: ﴿يَسْتَمِعُونَ القول فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ﴾ [الزمر: ١٨]. فإن قيل: إن فيها حكاية الكفر، والشرك، " وأفعل " يوجب التفضيل، فهل في هذا حسن دون

غيره، فذلك جائز كما قال: ﴿وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ﴾ [البقرة: ٢٢١].
وقوله: ﴿سَأُوْرِيكُمْ دَارَ الفاسقين﴾.
(هو) تهديد وتوعد لمن لم يأخذ بأحسنها وخالف ما فيها، والكلام، دَلَّ على ذلك.
و ﴿دَارَ الفاسقين﴾: النّار. وهو قول مجاهد، والحسن.
وقال قتادة ﴿دَارَ الفاسقين﴾: منازل الكافرين الذين سكنوا قبلهم من الجبابرة والعمالقة، وهي الشام.
وقيل المعنى: ﴿سَأُوْرِيكُمْ دَارَ [الفاسقين]﴾، فرعون وقومه، وهي مصر.

قال ابن جبير: رفعت لموسى، (عليه السلام)، (حتى) نظر إليها.
قال قتادة: ﴿دَارَ الفاسقين﴾، منازلهم التي كانوا يكسنونها تحت يدي فرعون.
وقيل: المعنى: ﴿سَأُوْرِيكُمْ﴾ مصير الفاسقين في الآخرة، وما أعد لهم من أليم العذاب.
وقوله: ﴿سَأَصْرِفُ [عَنْ آيَاتِي الذين يَتَكَبَّرُونَ فِي الأرض]﴾، [الآية].
أي: أحرمهم فهم القرآن، أي سأنزع منهم فهم الكتاب.
قاله سفيان بن عُيَيْنَة.

وقال ابن جريج: سأصرفهم عن أن يتفكروا في خلق السماوات والأرض وما بينهما من الآيات، وأن يعتبروا بها.
وقيل معناه: سأمنع قلوبهم من الفكرة في أمري.
وقال أبو إسحاق المعنى: سأجعل جزاءهم، في الدنيا على كفرهم، الإضلال عن هدايتي.
وقال الحسن المعنى: سأصرفهم عنها، حتى لا يؤمنوا بها.
ومعنى ﴿يَتَكَبَّرُونَ﴾، أي: يحقرون الناس، ويروا أن لهم فضلاً عليهم،

ويتكبرون عن الإيمان بالقرآن والنبي، ( ﷺ).
﴿ وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا﴾.
أي: وإن يروا كل حجة لا يصدقوا بها، ويقولون: هي سِحْرٌ وَكَذِبٌ.
﴿وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرشد لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً﴾.
أي: وإن يروا طريق الهدى لا يتخذوه طريقاً لأنفسهم.
و ﴿وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الغي يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً﴾.
أي: وإن (يروا) طريق الهلاك والعطب يتخذوه لأنفسهم.
ثم قال تعالى: ﴿ذلك بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا﴾ آية.
أي: فعلنا بهم أن صرفناهم عن آياتنا، من أجل أنهم {كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ

عَنْهَا غَافِلِينَ}، أي: لا يتفكرون فيها، لا هين عنها.
و (الرُّشْدُ) و (الرَّشَدُ): لغتان.
وحُكِيَ عن ابن عمرو [بن العلاء] أنه قال: (الرُّشْدُ): الصلاح، والرَّشَد) في الدّينِ.
ثم قال تعالى/: ﴿والذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَلِقَآءِ الآخرة﴾، الآية.
المعنى: وكل مكذب بالقرآن، والأدلة على توحيد الله، ( تعالى)، وينكر نبوة محمد ( ﷺ)، والبعث، ﴿حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ﴾، أي: بطلت.