آيات من القرآن الكريم

وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا ۚ سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞ ﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴ

قوله: ﴿قَالَ ياموسى إِنِّي اصطفيتك عَلَى الناس﴾، الآية.
والمعنى: اخترتك على الناس، ﴿بِرِسَالاَتِي﴾ التي أرسلتك بها إليهم ﴿وَبِكَلاَمِي﴾، الذي ناجيتك به دون غيرك من خلقي، ﴿فَخُذْ مَآ آتَيْتُكَ﴾، أي: (خذ) ما أعطيتك من أمري ونهيي وتمسك به، واعمل به، ﴿وَكُنْ مِّنَ الشاكرين﴾، على ما فضلتك به.
قوله: ﴿وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الألواح مِن كُلِّ شَيْءٍ﴾، إلى قوله: ﴿مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾.
المعنى: وكتبنا لموسى في ألواحه ﴿مِن كُلِّ شَيْءٍ﴾، من التذكير والتنبيه على نعم الله، (تعالى)، وعظمته وسلطانه ومن المواعظ لقومه ومن الأمر بالعمل بما فيها، ﴿وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ﴾ أي: تبييناً لكل شيء من أمر الله (سبحانه)، في الحلال والحرام.

صفحة رقم 2547

ومعنى: ﴿مِن كُلِّ شَيْءٍ﴾، (أي): من كل شيء يحتاج إليه من أمر الدين.
قال ابن عباس: إن موسى (عليه السلام)، لما كَرَبَهُ المَوْتُ، قال: هذا من أجل آدم! أنزلنا هاهنا! قال الله: يا موسى، أبعث إليك آدم فتخاصمه؟ قال: نعم! فلما بعث الله، جل وعز، آدم عليه السلام، سأله موسى، (عليه السلام)، فقال أبونا آدم (عليه السلام)،: يا موسى، سألت الله أن يبعثني إليك! قال موسى لولا أنت لم تكن ها هنا! قال له آدم (عليه السلام): [أليس] قد أتاك الله من كل شيء موعظة وتفصيلاً لكل شيء أفلست تعلم أن ﴿مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأرض وَلاَ في أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كتاب مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَآ﴾ [الحديد: ٢٢]، قال موسى: نعم، فخصمه (آدم عليه السلام).

صفحة رقم 2548

قوله: ﴿بِقُوَّةٍ﴾.
أي: بِجِدَّ.
وقيل: بالطاعة.
ف: " الهاء " في " خُذْها " و " أَحْسَنها "، تعود على ﴿الألواح﴾.
وقيل: على " التوراة ".
﴿وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا﴾.
أي: بأحسن ما يجدون فيها، وذلك أن يعملوا بما أمرهم ولا يعلموا بما نهاهم/ عنه.
فمعنى ﴿بِأَحْسَنِهَا﴾: ليس أنهم يتركون شيئاً من الحسن، إنما يعملون بالمعروف

صفحة رقم 2549

ولا يعملون بالمنكر.
وقيل: المعنى: ﴿بِأَحْسَنِهَا﴾ لهم، وهو العمل بما أمروا به، والانتهاء عما نُهُوْا.
وقيل: ليس أفعل للتفضيل، إنما هو [بمعنى] اسم الفاعل، كما قيل: " الله أَكْبَرُ " بمعنى: كبير. فالمعنى: يأخذوا بالحسن من ناحيتها وجنسها وما يدخل تحتها (به).
وقيل: إن المعنى: ﴿وَأْمُرْ قَوْمَكَ﴾ يعملون بأحسن ما هو لهم مطلق مثل: ﴿وَلَمَنِ انتصر بَعْدَ ظُلْمِهِ فأولئك مَا عَلَيْهِمْ مِّن سَبِيلٍ﴾ [الشورى: ٤١]. ثم قال: ﴿وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأمور﴾ [الشورى: ٤٣]. فالانتقام جائز، (والعفو جائز)، والعفو أحسن، فكذلك أمروا أن يعملوا بأحسن ما أُبِيحَ لهم فعله.
وقيل المعنى: إن التوراة كلها حسنة لكن فيها: أقاصيص الإحسان، والإساءة والطاعة، والمعصية، والفعو، والنقمة، فأمروا أن يأخذوا بأحسن هذه الأفعال التي نُصَّتْ عليهم. ومنه قوله: ﴿يَسْتَمِعُونَ القول فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ﴾ [الزمر: ١٨]. فإن قيل: إن فيها حكاية الكفر، والشرك، " وأفعل " يوجب التفضيل، فهل في هذا حسن دون

صفحة رقم 2550

غيره، فذلك جائز كما قال: ﴿وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ﴾ [البقرة: ٢٢١].
وقوله: ﴿سَأُوْرِيكُمْ دَارَ الفاسقين﴾.
(هو) تهديد وتوعد لمن لم يأخذ بأحسنها وخالف ما فيها، والكلام، دَلَّ على ذلك.
و ﴿دَارَ الفاسقين﴾: النّار. وهو قول مجاهد، والحسن.
وقال قتادة ﴿دَارَ الفاسقين﴾: منازل الكافرين الذين سكنوا قبلهم من الجبابرة والعمالقة، وهي الشام.
وقيل المعنى: ﴿سَأُوْرِيكُمْ دَارَ [الفاسقين]﴾، فرعون وقومه، وهي مصر.

صفحة رقم 2551

قال ابن جبير: رفعت لموسى، (عليه السلام)، (حتى) نظر إليها.
قال قتادة: ﴿دَارَ الفاسقين﴾، منازلهم التي كانوا يكسنونها تحت يدي فرعون.
وقيل: المعنى: ﴿سَأُوْرِيكُمْ﴾ مصير الفاسقين في الآخرة، وما أعد لهم من أليم العذاب.
وقوله: ﴿سَأَصْرِفُ [عَنْ آيَاتِي الذين يَتَكَبَّرُونَ فِي الأرض]﴾، [الآية].
أي: أحرمهم فهم القرآن، أي سأنزع منهم فهم الكتاب.
قاله سفيان بن عُيَيْنَة.

صفحة رقم 2552

وقال ابن جريج: سأصرفهم عن أن يتفكروا في خلق السماوات والأرض وما بينهما من الآيات، وأن يعتبروا بها.
وقيل معناه: سأمنع قلوبهم من الفكرة في أمري.
وقال أبو إسحاق المعنى: سأجعل جزاءهم، في الدنيا على كفرهم، الإضلال عن هدايتي.
وقال الحسن المعنى: سأصرفهم عنها، حتى لا يؤمنوا بها.
ومعنى ﴿يَتَكَبَّرُونَ﴾، أي: يحقرون الناس، ويروا أن لهم فضلاً عليهم،

صفحة رقم 2553

ويتكبرون عن الإيمان بالقرآن والنبي، ( ﷺ).
﴿ وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا﴾.
أي: وإن يروا كل حجة لا يصدقوا بها، ويقولون: هي سِحْرٌ وَكَذِبٌ.
﴿وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرشد لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً﴾.
أي: وإن يروا طريق الهدى لا يتخذوه طريقاً لأنفسهم.
و ﴿وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الغي يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً﴾.
أي: وإن (يروا) طريق الهلاك والعطب يتخذوه لأنفسهم.
ثم قال تعالى: ﴿ذلك بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا﴾ آية.
أي: فعلنا بهم أن صرفناهم عن آياتنا، من أجل أنهم {كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ

صفحة رقم 2554

عَنْهَا غَافِلِينَ}، أي: لا يتفكرون فيها، لا هين عنها.
و (الرُّشْدُ) و (الرَّشَدُ): لغتان.
وحُكِيَ عن ابن عمرو [بن العلاء] أنه قال: (الرُّشْدُ): الصلاح، والرَّشَد) في الدّينِ.
ثم قال تعالى/: ﴿والذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَلِقَآءِ الآخرة﴾، الآية.
المعنى: وكل مكذب بالقرآن، والأدلة على توحيد الله، ( تعالى)، وينكر نبوة محمد ( ﷺ)، والبعث، ﴿حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ﴾، أي: بطلت.

صفحة رقم 2555
الهداية الى بلوغ النهاية
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد مكي بن أبي طالب حَمّوش بن محمد بن مختار القيسي القيرواني ثم الأندلسي القرطبي المالكي
الناشر
مجموعة بحوث الكتاب والسنة - كلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة الشارقة
سنة النشر
1429
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية