
إسرائيل مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا الشام ومصر بارَكْنا فِيها أي بالخصب وكثرة الأرزاق وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أي تمت لهم واستقرت، والكلمة هنا ما قضى لهم في الأزل، وقيل هي قوله: ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض وَما كانُوا يَعْرِشُونَ أي يبنون، وقيل: هي الكروم وشبهها فهو على الأوّل من العرش وعلى الثاني من العريش قالُوا يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً أي اجعل لنا صنما نعبده كما يعبد هؤلاء أصنامهم ولما تم خبر موسى مع فرعون ابتدأ خبره مع بني إسرائيل من هنا إلى قوله وإذ نتقنا الجبل مُتَبَّرٌ من التبار وهو الهلاك وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ وما بعده مذكور في [البقرة: ٤٧].
وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً روي أن الثلاثين هي شهر ذي القعدة والعشر بعدها هي العشر الأول من ذي الحجة، وذلك تفصيل الأربعين المذكورة في البقرة مِيقاتُ رَبِّهِ أي ما وقت له من الوقت لمناجاته في الطور اخْلُفْنِي أي كن خليفتي على بني إسرائيل مدة مغيبي
قالَ رَبِّ أَرِنِي لما سمع موسى كلام الله طمع في رؤيته، فسألها كما قال الشاعر:
وأفرح ما يكون الشوق يوما | إذا دنت الديار من الديار |

الله الجبل مثالا لموسى، وقال قوم: المعنى سأتجلى لك على الجبل وهذا ضعيف يبطله قوله: فلما تجلى ربه للجبل فإذا تقرر هذا، فقوله تعالى: لن تراني نفي للرؤية، وليس فيه دليل على أنها محال، فإنه إنما جعل علة النفي عدم إطاقة موسى الرؤية لا استحالتها، ولو كانت الرؤية مستحيلة، لكان في الجواب زجر وإغلاظ كما قال الله لنوح: فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ [هود: ٤٦]، فهذا المنع من رؤية الله إنما هو في الدنيا لضعف البنية البشرية عن ذلك، وأما في الآخرة، فقد صرح بوقوع الرؤية كتاب الله وسنة رسوله صلّى الله عليه وسلّم، فلا ينكرها إلا مبتدع، وبين أهل السنة والمعتزلة في مسألة الرؤية تنازع طويل، وفي هذه القصة قصص كثيرة تركتها لعدم صحتها، ولما فيه من الأقوال الفاسدة جَعَلَهُ دَكًّا أي مدكوكا فهو مصدر بمعنى مفعول كقولك: ضربت الأمير «١»، والدك والدق: أخوان، وهو التفتت، وقرئ: دكاء بالمد والهمز «٢» أي أرضا دكا وقيل ذهب أعلى الجبل وبقي أكثره، وقيل تفتت حتى صار غبارا، وقيل ساخ في الأرض وأفضى إلى البحر وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً أي مغشيا عليه تُبْتُ إِلَيْكَ معناه تبت من سؤال الرؤية في الدنيا وأنا لا أطيقها وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ أي أول قومه أو أهل زمانه، أو على وجه المبالغة في السبق إلى الإيمان اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي هو عموم يراد به الخصوص، فإنّ جميع الرسل قد شاركوه في الرسالة، واختلف هل كلم الله غيره من الرسل أم لا، والصحيح: أنه كلم نبينا محمدا صلّى الله تعالى عليه واله وسلم ليلة الإسراء فَخُذْ ما آتَيْتُكَ تأديبا أي اقنع بما أعطيتك من رسالتي وكلامي ولا تطلب غير ذلك وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ أي ألواح التوراة وكانت سبعة، وقيل: عشرة وقيل: اثنان وقيل: كانت من زمردة وقيل: من ياقوت، وقيل: من خشب مِنْ كُلِّ شَيْءٍ عموم يراد به الخصوص فيما يحتاجون إليه في دينهم، وكذلك تفصيلا لكل شيء، وموضع كل شي نصب على أنه مفعول كتبنا، وموعظة بدل منه فَخُذْها بِقُوَّةٍ أي بجدّ وعزم، والضمير للتوراة يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها أي فيها ما هو حسن وأحسن منه كالقصاص مع العفو، وكذلك سائر المباحات مع المندوبات سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ أي دار فرعون وقومه وهو مصر، ومعنى أريكم كيف أقفرت منهم لما هلكوا، وقيل: منازل عاد وثمود ومن هلك من الأمم المتقدّمة ليعتبروا بها، وقيل: جهنم، وقرأ ابن عباس: سأورثكم بالثاء المثلثة من الوراثة، وهي على
(٢). وهي قراءة حمزة والكسائي فقط.