
والعجب النفساني وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ يعنى صفات القلب لاستخدام النفس وصفاتها وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ يعنى فكان فى استخدام صفات القلب للنفس وصفاتها بان تعمل الصالحات رياء وسمعة لجلب المنافع الدنيوية لحظوظ النفس بلاء عظيم من ربكم فخلصكم منه لئلا تطلبوا غيره ولا تعبدوا سواه فلا تركنوا الى الروحانية والى المعقولات لكى تظفروا بمراتب الوصول ودرجات الوصال كذا فى التأويلات النجمية وعن بعض الكبار أول وصال العبد الحق هجرانه لنفسه وأول هجران الحق العبد مواصلته لنفسه وأول درجات القرب محو شواهد النفس واثبات شواهد الحق ومن طلب الدلالة فانها لا غاية لها ومن طلب الله عز وجل وحده باول خطوة يقصده بها: قال الحافظ
غرض ز مسجد وميخانه أم وصال شماست | جز اين خيال ندارم خدا كواه منست |

يوم فى سفر الخضر حيث قال آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا قيل لان سفر الحضر سفر التأديب والامتحان والابتلاء فزاد البلاء على الابتلاء حتى جاع فى نصف يوم فى صحبة المخلوق وحضوره الجبل وسفره اليه سفر اللقاء وصحبة الحق فانساه هيبة الموقف الطعام والشراب وأغناه من غيره ثم لما أتم الثلاثين وانسلخ الشهر أنكر خلوف فيه اى كره ان يكلم ربه وريح فمه ريح فم الصائم فتسوك بعود خرنوب وتناول شيأ من نبات الأرض فمضغه فقالت الملائكة كنا نشم من فيك رائحة المسك فافسدته بالسواك وقيل اوحى الله تعالى اليه اما علمت ان ريح فم الصائم أطيب عندى من ريح المسك ولذاكره التسوك عند الشافعي فى آخر نهار الصوم بناء على ان السواك يزيل الخلوف فامر الله تعالى بان يزيد عليها عشرة ايام من ذى الحجة ليعودفوه الى ما كان عليه فصام فتشرف بالوحى والكليم يوم النحر كذا قال اهل التفسير وفيه ان الوحى والتكليم إذا كان يوم النحر يلزم ان لا يكون ايام الصوم أربعين كملا
وهو مخالف للنص اللهم الا ان تعتبر الليالى او كان صوم يوم النحر مشروعا فى شريعته هكذا لاح بالبال ثم ان موسى عليه السلام لما أراد الانطلاق الى الجبل للمناجاة امره الله تعالى ان يختار سبعين رجلا من قومه من ذوى الحجى والعقل ليشهدوا له على ما يشاهدونه من كرامة الله تعالى إياه ففعل واستخلف هارون أخاه فى قومه كما قال تعالى وَقالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ قبل انطلاقه الى الجبل الذي امر بالعبادة فيه كما فى تفسير الحدادي وهارون عطف بيان اخْلُفْنِي كن خليفتى وقم مقامى فِي قَوْمِي وراقبهم فيما يأتون ويذرون وَأَصْلِحْ ما يحتاج الى الإصلاح من أمورهم وسرفيهم السيرة الصالحة التي لا فساد فيها وثبتهم على ما اخلفهم عليه من الايمان واخلاص العبادة وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ اى ولا تتبع من سألك الإفساد ولا تطع من دعاك اليه وذلك ان موسى عليه السلام كان يشاهد كثرة خلافهم حالا بعد حال فاوصاه فى أمرهم فان قيل ان هارون كان شريك موسى فى النبوة قال تعالى خبرا عن موسى وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي فكيف استخلفه قلنا المأموران بشىء لا ينفرد أحدهما بفعله الا بامر صاحبه فلذلك قال اخلفني ولأن موسى كان أصلا فيها وهارون معينا له قال موسى فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي ولهذا كان هو المناجى على الخصوص والمعطى للالواح ولما امر بالذهاب الى فرعون سأل الله ان يشرك معه هارون ولما ذهب الى الطور للمناجاة خلفه فى قومه واستخلفه وهو موضع الاعتراض فى الظاهر ولكن لا اعتراض على الأكابر لان حركاتهم الظاهرة انما تنبعث من دواعى قلوبهم وتلك الدواعي الهامات واردة من الله تعالى لا صنع لهم فيها فمن عرف دورانهم بامر الهى هان عليه التطبيق والتوفيق وسقط عنه الاعتراض على اصحاب التحقيق مع ان درجات الأنبياء متفاضلة كما قال تعالى تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ فمن منع الرؤية عن موسى منع المناجاة عن هارون وكون هارون شريكه فى الأمر الظاهر لا يقتضى ان يكون رديفه فى الأمر الباطن فان لكل مقام رجالا
رموز مصلحت ملك خسروان دانند | كداى كوشه نشينى تو حافظا مخروش |

وهو اسفار التوراة جمع سفر بمعنى الكتاب يقال سفره إذا كتبه والواح التوراة اسفار من حيث انها كتب فيها التوراة وَبِكَلامِي اى وبتكلمى إياك بلا واسطة وقيل المضاف محذوف اى وسماع كلامى وهذا يرد قول من يقول ان السبعين الذين اختارهم موسى سمعوا كلام الله تعالى لان فى الآية بيان الاصطفاء وهو تنصيص على التخصيص واعلم ان كل نبى قد اصطفاه الله على الخلق بنوع او نوعين او انواع من الكمال عند خلقته وركب فى ذرة طينته استعداده لظهور ذلك النوع من الكمال حين خمر طينة آدم بيده فاصطفى موسى بالرسالة والمكالمة دون نوح وكمال الرؤية مخصوص بنبينا محمد ﷺ وأمته حتى استدعى موسى لنيل مقام رؤية ربه فقال اللهم اجعلنى من أصحابه- روى- انه لما كلم الله تعالى موسى عليه السلام يوم الطور كان على موسى جبة من صوف مخللة بالعيدان محزوم وسطه بشريط ليف وهو قائم على الجبل وقد أسند ظهره الى صخرة من الجبل فقال الله يا موسى انى قد اقمتك مقاما لم يقمه أحد قبلك ولا يقومه أحد بعدك وقربتك نجيا فقال موسى عليه السلام يا رب فلم أقمتني هذا المقام قال لتواضعك يا موسى فلما سمع موسى لذاذة الكلام من ربه نادى الهى أقريب فاناجيك أم بعيد فاناديك قال يا موسى انا جليس من ذكرنى وكان موسى عليه السلام بعد ما كلمه الله تعالى لا يستطيع أحد ان ينظر اليه لما غشى وجهه من النور ولم يزل على وجهه برقع حتى مات- ويروى- ان امرأته قالت له انا ايم منك اى كأنى بلا زوج منذ كلمك ربك فكشف لها عن وجهه فاخذها مثل شعاع الشمس فوضعت يدها على وجهها ساعة وقالت ادع الله ان يجعلنى زوجتك فى الجنة قال ذاك ان لم تتزوجى بعدي فان المرأة لآخر أزواجها. وقيل ان الرجل إذا تبكر بالمرأة تزوجها فى الجنة. وقيل انها تكون لا حسن أزواجها خلقا ومن خصائص نبينا ﷺ تحريم أزواجه اللاتي توفى عنهن على غيره ابدا فَخُذْ ما آتَيْتُكَ اى أعطيتك من شرف النبوة والحكمة وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ على النعمة وفى التأويلات النجمية فَخُذْ ما آتَيْتُكَ يعنى ما ركبت فيك استعداده واصطفيتك به من الرسالة والمكالمة وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ فان الشكر يبلغك الى ما سألت من الرؤية لان الشكر يستدعى الزيادة لقوله تعالى لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ والزيادة هى الرؤية لقوله تعالى لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ وقال عليه السلام (الزيادة هى الرؤية والحسنى هى الجنة) وَكَتَبْنا [ونوشتيم ما يعنى قلم أعلى را فرموديم كه كتابت كرد يا جبريل را كفتيم كه بقلم ذكر امداد نهر النور نوشت] لَهُ [براى موسى] فِي الْأَلْواحِ اى فى تسعة الواح من الزمرد الأخضر وهو الأصح وفيها التوراة كنقش الخاتم طول كل لوح عشرة اذرع وفى القاموس اللوح كل صفيحة عريضة خشبا او عظما جمعه الواح- روى- ان سؤال الرؤية كان يوم عرفة وإعطاء التوراة يوم النحر مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مما يحتاجون اليه من امور دينهم مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ بدل من الجار والمجرور لانه فى محل النصب على انه مفعول كتبنا ومن مزيدة لا تبعيضية اى كتبنا له كل شىء من المواعظ وتفصيل الاحكام قال مقاتل كتب فى الألواح انى انا الله الرحمن الرحيم لا تشركوا بي شيأ ولا تقطعوا السبيل ولا تزنوا ولا تعقوا الوالدين فَخُذْها على إضمار القول عطفا على كتبنا اى فقلنا خذها اى الألواح
صفحة رقم 239