والعجب النفساني وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ يعنى صفات القلب لاستخدام النفس وصفاتها وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ يعنى فكان فى استخدام صفات القلب للنفس وصفاتها بان تعمل الصالحات رياء وسمعة لجلب المنافع الدنيوية لحظوظ النفس بلاء عظيم من ربكم فخلصكم منه لئلا تطلبوا غيره ولا تعبدوا سواه فلا تركنوا الى الروحانية والى المعقولات لكى تظفروا بمراتب الوصول ودرجات الوصال كذا فى التأويلات النجمية وعن بعض الكبار أول وصال العبد الحق هجرانه لنفسه وأول هجران الحق العبد مواصلته لنفسه وأول درجات القرب محو شواهد النفس واثبات شواهد الحق ومن طلب الدلالة فانها لا غاية لها ومن طلب الله عز وجل وحده باول خطوة يقصده بها: قال الحافظ
غرض ز مسجد وميخانه أم وصال شماست | جز اين خيال ندارم خدا كواه منست |
يوم فى سفر الخضر حيث قال آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا قيل لان سفر الحضر سفر التأديب والامتحان والابتلاء فزاد البلاء على الابتلاء حتى جاع فى نصف يوم فى صحبة المخلوق وحضوره الجبل وسفره اليه سفر اللقاء وصحبة الحق فانساه هيبة الموقف الطعام والشراب وأغناه من غيره ثم لما أتم الثلاثين وانسلخ الشهر أنكر خلوف فيه اى كره ان يكلم ربه وريح فمه ريح فم الصائم فتسوك بعود خرنوب وتناول شيأ من نبات الأرض فمضغه فقالت الملائكة كنا نشم من فيك رائحة المسك فافسدته بالسواك وقيل اوحى الله تعالى اليه اما علمت ان ريح فم الصائم أطيب عندى من ريح المسك ولذاكره التسوك عند الشافعي فى آخر نهار الصوم بناء على ان السواك يزيل الخلوف فامر الله تعالى بان يزيد عليها عشرة ايام من ذى الحجة ليعودفوه الى ما كان عليه فصام فتشرف بالوحى والكليم يوم النحر كذا قال اهل التفسير وفيه ان الوحى والتكليم إذا كان يوم النحر يلزم ان لا يكون ايام الصوم أربعين كملا
وهو مخالف للنص اللهم الا ان تعتبر الليالى او كان صوم يوم النحر مشروعا فى شريعته هكذا لاح بالبال ثم ان موسى عليه السلام لما أراد الانطلاق الى الجبل للمناجاة امره الله تعالى ان يختار سبعين رجلا من قومه من ذوى الحجى والعقل ليشهدوا له على ما يشاهدونه من كرامة الله تعالى إياه ففعل واستخلف هارون أخاه فى قومه كما قال تعالى وَقالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ قبل انطلاقه الى الجبل الذي امر بالعبادة فيه كما فى تفسير الحدادي وهارون عطف بيان اخْلُفْنِي كن خليفتى وقم مقامى فِي قَوْمِي وراقبهم فيما يأتون ويذرون وَأَصْلِحْ ما يحتاج الى الإصلاح من أمورهم وسرفيهم السيرة الصالحة التي لا فساد فيها وثبتهم على ما اخلفهم عليه من الايمان واخلاص العبادة وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ اى ولا تتبع من سألك الإفساد ولا تطع من دعاك اليه وذلك ان موسى عليه السلام كان يشاهد كثرة خلافهم حالا بعد حال فاوصاه فى أمرهم فان قيل ان هارون كان شريك موسى فى النبوة قال تعالى خبرا عن موسى وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي فكيف استخلفه قلنا المأموران بشىء لا ينفرد أحدهما بفعله الا بامر صاحبه فلذلك قال اخلفني ولأن موسى كان أصلا فيها وهارون معينا له قال موسى فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي ولهذا كان هو المناجى على الخصوص والمعطى للالواح ولما امر بالذهاب الى فرعون سأل الله ان يشرك معه هارون ولما ذهب الى الطور للمناجاة خلفه فى قومه واستخلفه وهو موضع الاعتراض فى الظاهر ولكن لا اعتراض على الأكابر لان حركاتهم الظاهرة انما تنبعث من دواعى قلوبهم وتلك الدواعي الهامات واردة من الله تعالى لا صنع لهم فيها فمن عرف دورانهم بامر الهى هان عليه التطبيق والتوفيق وسقط عنه الاعتراض على اصحاب التحقيق مع ان درجات الأنبياء متفاضلة كما قال تعالى تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ فمن منع الرؤية عن موسى منع المناجاة عن هارون وكون هارون شريكه فى الأمر الظاهر لا يقتضى ان يكون رديفه فى الأمر الباطن فان لكل مقام رجالا
رموز مصلحت ملك خسروان دانند | كداى كوشه نشينى تو حافظا مخروش |
فى العشر الذي زيد على الثلاثين ورسولنا ﷺ قال الله خليفتى على أمتي فثبتهم الله على الحق واعلم ان ذا القعدة وذا الحجة من الأشهر الحرم ويكفى شرفا لهما ان الله تعالى امر موسى بصومهما وجعلهما محل قبول الحاجات وميقات المناجاة وفى الحديث (صيام يوم من الأشهر الحرم يعدل شهرا وصيام يوم من غير الأشهر الحرم يعدل عشرا) وفى الحديث (من صام من شهر حرام الخميس والجمعة والسبت كتب الله له عبادة تسعمائة سنة) وقال كعب الأحبار اختار الله الزمان فاحبه اليه الأشهر الحرم وذو القعدة من الأشهر الحرم وبغير خلاف وسمى ذا القعدة لقعودهم فيه عن القتال احتراما له فعلى السالك ان يتهيأ فيه لمناجاة ربه بالصوم الظاهري والإمساك الباطني فان موسى روحه متشوف لنوال الوصال ومتطلب لرؤية الجمال والاشارة فى الآية ان الميعاد فى الحقيقة كان أربعين ليلة وانما اظهر الوعد ثلاثين ليلة لضعف البشرية ولئلا تستكثر النفس الأربعين وتسوّل له ان لا يقوى على ذلك فيداخله خوف البشرية فواعده ثلاثين ليلة ثم أتمها بالعشر وفيه ان للاربعين خصوصية فى استحقاق استماع الكلام للانبياء كما ان لها اختصاصا فى ظهور ينابيع الحكمة من قلوب الأولياء كقوله عليه السلام (من أخلص لله أربعين صباحا ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه) قال اهل العرفان ان سر التربيع جار فى الحقائق الكلية كتربيع العرش الأعظم والعناصر الاربعة والأركان الاربعة والأربعين الموسوية وكان بين خلق آدم ونفخ روحه اربع جمع من جمع الآخرة فاكمل الاشكال تأثيرا صورة التربيع فى الآحاد والأعشار والمآت والألوف كما أشار ﷺ بقوله (خير الاصحاب اربعة وخير السرايا اربعمائة) وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا اى لوقتنا الذي وقتناه وعيناه وحددناه له وهو تمام الأربعين اى اختص مجيئه بميقاتنا كما فى قولك أتيته لعشر خلون من الشهر فاللام للاختصاص وليست بمعنى عند والميقات بمعنى الوقت وقد سبق الفرق بينهما فى المجلس المتقدم ان قيل لم وعده الله بالكلام فى الجبل وفوق العلى وتحت الثرى واحد عند حضرته وهو منزه عن الجهات قيل ان فى الجبل وصف الثبات والعلو والتفرد لان الأرض ما استقرت بغير الجبال فاثبتها الحق بها واوتدها حكمة منه وعرض الامانة عليها لا تصافها بصفة التثبت والتمكن والتفرد والتعلى ولذلك فضل الجبال فى الامكنة وشرفها بمشهد الكلام وتعلق تجلى الجمال وعرض الامانة عليها وشرح الصدر المحمدي فيها ومناجاة موسى عليها فبدا من ذلك ان فى المقامات فاضلا ومفضولا قال حضرة الشيخ الشهير بافتاده افندى البروسوى خير الجماعة جماعة الأرواح وجماعتهم فى الجبال والمواضع الخالية وعلامة مجمعهم انه لا يذهب خضرة ذلك الموضع ونظارته فى الصيف والشتاء قال ونحن انما جئنا الى هذا المكان فى هذا الجبل بناء على مجيئهم يقول الفقير عنى به موضع زاويته المنيفة فى مدينة بروسة فى سفح الجبل المعروف هناك وقد زرته وزرت مرقده العالي فى داخل القلعة قدس الله سره وقال وهب جاء الى طور سيناء ومعه جبريل فتطهر وطهر ثوبه وانزل الله الظلمة على سبعة فراسخ وطرد عنه الشيطان وطرد عنه هوام الأرض ونحى عنه الملكين وكشط له السماء فرأى
صفحة رقم 229
الملائكة قياما فى الهواء ورأى العرش بارزا وسمع صرير القلم وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ من غير واسطة وكيفية كما يكلم الملائكة وكان جبريل معه فلم يسمع ما كلمه ربه ولذا خص باسم الكليم لاختصاصه بذلك من بين البشر فان سائر الأنبياء عليهم السلام انما يكلمهم الله بواسطة الكتاب والملك فان قيل بأى شىء علم موسى انه كلام الله قيل لم ينقطع كلامه بالنفس مع الحق كما ينقطع مع المخلوق بل كلمه بمدد وحداني غير منقطع شاهد نفسه بمنزلة الآلة عند الصانع والآلة يحركها الأستاذ كيف يشاء لانه ليس للآلة تصنع وتعمل وقيل علم انه كلام الحق وميزه عن غيره بانه سمع الكلام من الجوانب الستة فصارت جميع جوارحه كسمعه فصار الوجود كله سمعا فوجد لذة الكلام بوجوده كما وجدها بسمعه قال ابن الشيخ فى حواشيه كلامه تعالى صفة ازلية قائمة بذاته ليست من جنس هذه الحروف والأصوات وكما لا تبعد رؤيته تعالى مع ان ذاته ليست جسما ولا عرضا فكذلك
لا يبعد سماع كلامه مع كونه ليس من جنس الحرف والصوت انتهى وفى حل الرموز المؤمن فى الآخرة وجه محض وعين محض وسمع محض ينظر من كل جهة وبكل جهة وعلى كل جهة وكذا يسمع بكل عضو من كل جهة بغير جهة خاصة وإذا شاهد الحق يشهده بكل وجه ليس فيه من الجهات ولا يحتجب سمعه وبصره بالجهات كما أشار سبحانه بقوله (كنت سمعه وبصره) والكامل الواصل له حكم الآخرة فى الدنيا كما قال سيد الواصلين (موتوا قبل ان تموتوا وحاسبوا أنفسكم قبل ان تحاسبوا) انتهى يقول الفقير هذا ليس بمحل الجرح والإنكار لان الله تعالى وان خلق حاسة السمع لادراك الأصوات لكن يجوز ان يدرك بحاسة ما يدرك بحاسة اخرى كما ذهب اليه علماء الكلام لان ذلك الإدراك بمحض خلق الله تعالى من غير تأثير للحواس فلا يمتنع ان يخلق عقيب صرف الباصرة ادراك الأصوات مثلا فثبت ان كل عضو من الأعضاء الانسانية يجوز ان يخلق الله تعالى فيه ما خلق فى السمع من ادراك الأصوات ان قيل لم لم يكلم الله سائر الأنبياء مشافهة الا موسى قيل لانه لم يكن لهم من الأعداء ما لموسى كفرعون وهامان وقارون واليهود ولم يكن قوم أسوأ أدبا وأقسى قلبا من قومه فخصه الله بكلامه ألا ترى سحرة القبط آمنوا فى أول دعوته وكفر قوم من اليهود بعد مشاهدتهم معجزات كثيرة فايده الله بكلامه ليتحمل به ما امتحن به من البلايا فى قومه يقول الفقير كون عدو موسى أقوى وأشد انما هو بالنسبة الى اعداء الأنبياء غير نبينا ﷺ فانه قد ثبت ان فرعون آمن عند الغرق واما ابو جهل فلا بل اظهر العداوة عند النزع فاعتبر منه قوة حاله وعلو مقامه ﷺ فى المكالمة والرؤية ليلة المعراج وفى الحديث (ناجى موسى ربه بمائة الف وأربعين الف كلمة فى ثلاثة ايام وصايا كلها) كذا فى الوسيط وقال بعضهم كلم الله موسى أربعين يوما وليلة وهذا والله اعلم غير الأربعين المتقدمة على الوحى والتعليم وعن فضيل بن عياض قال حدثنى بعض أشياخي ان إبليس جاء الى موسى وهو يناجى ربه فقال الملك ويلك ما ترجو منه وهو على هذه الحال يناجى ربه قال أرجو منه مارجوت من أبيه آدم وهو فى الجنة وكذا قال السدى لما كلم الله موسى غاص الخبيث إبليس فى الأرض حتى خرج من بين يدى موسى فوسوس اليه ان مكلمك
شيطان يقول الفقير يرده ما سبق من ان الشيطان طرد عنه وقتئذ وهو الصحيح لان المقام لا يسع الشيطان وانما سلطانه على اهل الملك دون ارباب الملكوت وفرق بينه وهو مناج فى الطور وبين آدم وهو معاشر فى الجنة فان قلت قوله تعالى فى سورة الحج (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبى الا إذا تمنى القى الشيطان فى أمنيته) يدل على ان كل نبى مبتلى بذلك خصوصا وقت التلاوة وهى من انواع المناجاة قلت فرق بين التلاوة الظاهرة والمناجاة الباطنة ألا ترى الى قوله عليه السلام (لى مع الله وقت لا يسعنى فيه ملك مقرب ولا نبى مرسل) فما ظنك بالشيطان المردود الى أسفل سافلين البعد هكذا لاح ببالي والله اعلم ولما سمع موسى كلام ربه غلب عليه الشوق الى رؤيته وقال هذه لذة الخبر فكيف لذة النظر مع ان الكل يعمل على شاكلته وشاكلة البشر وفطرته على طلب العلو والترقي إذا ظفر بشىء طلب ما هو أعلى منه ولا أعلى من تجلى الجمال وفيض الوصال فسأل الرؤية وفى التفسير الفارسي [چون موسى كلام حق شنيد واز جام كلام ربانى جرعه ذوق محبت چشيد فراموش كرد كه او در دنياست خيال بست كه در فردوس اعلاست و چون جنت جاى مشاهده لقاست] قالَ رَبِّ أَرِنِي ذاتك اى مكننى من رؤيتك أَنْظُرْ إِلَيْكَ أرك فالنظر بمعنى الرؤية الا ان المطلوب بقوله أرني ليس ان يخلق الله تعالى رؤية ذاته المقدسة فى موسى حتى يلزم كون الشيء غاية لنفسه بان يكون المعنى أرني نفسك حتى أراك لانه فاسد بل المطلوب به ان يمكنه من رؤية ذاته المقدسة وتمكينه تعالى إياه من الرؤية سبب لرؤية موسى إياه تعالى فاطلق عليه اسم الرؤية المسببة عنه مجازا- روى- عن ابن عباس رضى الله عنهما قال
لما قال موسى عليه السلام أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ كشف الحجاب وابرز له الجبل وقال أَنْظُرْ فنظر فاذا امامه مائة الف نبى واربعة وعشرون الف نبى محرمين ملبين كلهم يقول أرني أرني واعلم ان الأجساد تنمو بنماء الأقوات كذلك الأحوال تصفو بصفاء الأوقات فقوت جسدك ما غذيته من الطيبات وقوت روحك ماربيت به من أقوات الطاعات فى اوقات الخلوات وكلما صفت الأواني جلت ما فيها من جواهر المعاني فاذا كان عين بصيرتك منطمسة وخيول همتك منحبسة فما لك والتطاول الى منازل قوم عيون قلوبهم منبجسة وسرائرهم لانوار معارفهم من جذوة الغيب مقتبسة فلا تدع بما ليس فيك وحسبك ما يعلم الله منك ويكفيك فينبغى لك ان تقف وقوف الأصاغر وتتأدب بآداب الأكابر هذا كليم الله موسى لما كان طفلا فى حجر تربية الحق سبحانه ما تجاوز حده بل قال رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ فلما بلغ مبلغ الرجال ما رضى بطعام الأطفال بل قال رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ وهو حجة اهل السنة والجماعة على جواز رؤية الله تعالى فان موسى اعتقد جوازها حين سألها واعتقاد جواز ما لا يجوز على الله تعالى كفر ومن جوز ذلك على موسى او على أحد من الأنبياء فهو كافر كما فى التيسير قال حضرة الشيخ الكبير صدر الدين القنوى فى فك ختم الفص الداودي من شأن الكمل ان كل ما هو متعذر الحصول لاحد من الخلق هو عندهم وبالنسبة الى كمال قابليتهم غير متعذر ولا يستحيل الا ان يخبرهم الحق بأخبار مخصوص خارج من خواص المواد والوسائط فحينئذ يصدقون ربهم ويحكمون باستحالته
وحصول ذلك كحال موسى فى طلب الرؤية على وجه مخصوص فلما اخبر بتعذر ذلك ناب وآمن انتهى قالَ الله تعالى وهو استئناف بيانى لَنْ تَرانِي لم يقل لن تنظر الى كقوله انظر إليك لان المطلوب هى الرؤية التي معها ادراك لا النظر الذي هو عبارة عن تقليب الحدقة نحو المرئي لانه قد بتخلف عنه الإدراك فى بعض الصور قال فى التفسير لَنْ تَرانِي [نتوانى ديد مرا در دنيا چهـ حكم ازلى بر آن وجه واقع شده كه هر بشرى كه در دنيا بمن نظر كند بميرد] وفى المدارك لَنْ تَرانِي بالسؤال بعين فانية بل بالعطاء والنوال بعين باقية [صاحب كشف الاسرار كويد كه مقام موسى در ان ساعت كه خطاب لن ترانى شنيد عالى بود از ان وقت كه كفت أرني زيرا اين ساعت در عين مراد حق بود وآن وقت در عين مراد خود قائم بمراد حق بود كاملترست ار قيام بمراد خود]
لن ترانى ميرسد از طور موسى را جواب | هر چهـ آن از دوست آيد سر إ كردن متاب |
القلبية لا فى مقام الغيرية الفرقية القالبية فقال ان امر الرؤية وان كان محتاجا الى الانسلاخ التام عن الأكوان مطلقا الا ان الانسلاخ بالقلب والقالب مختص بنبينا عليه السلام فان موسى وكذا غيره من الأنبياء عليهم السلام انما يرون بالانسلاخ حين كون قوالبهم فى عالم العناصر. واما محمد ﷺ فقد تجاوز عن عالم العناصر ثم عن عالم الطبيعة وذلك بالقلب والقالب جميعا فأنى يكون هذا لغيره فافهم جدا انتهى ما جرى بينى وبين حضرة الشيخ من السؤال والجواب وما تحاورناه فى المجلس الخاص المفتوح بابه للاحباب لا للاغيار واهل الإنكار والارتياب وقد كان ذلك كالقطرة من البحر الزاخر بالنسبة الى ما يحويه قلبه الحاضر قدس الله صفحة رقم 232
سره ورزقنى وجميع الأحباب شفاعته قال مرجع طريقتنا الجلوتية بالجيم حضرة الشيخ الشهير بافتاده البروسوى كما ان للانسان عينين فى الظاهر كذلك له عينان فى قلبه فاذا انفتحتا يشاهد بهما تجلى الصفات ولهما ايضا حدقتان لكنهما فى غاية اللطافة وانما قلنا يشاهد بهما تجلى الصفات لان تجلى الذات لا يشاهد إلا بعين معنوية وراء عين القلب لا حدقة لها لا كما زعمت الملاحدة والعياذ بالله تعالى فان الممكن الحقيقي غير الواجب الحقيقي كيف والسالك الواصل إذا أفنى وجوده يصير معدوما والمعدوم لا يحكم عليه بشىء فضلا عن الحلول والاتحاد بل إذا عبر بالاتحاد يراد به التقرب التام على وفق رضاه تعالى كما يراد ذلك فى قولهم فلان متحد مع فلان إذ لا شك انهما شخصان مستقلان حقيقة ومعنى كونه معدوما إذ ذاك انه يتلاشى ويغيب فى بحر الاستغراق وأنوار التجلي بحيث يغيب عن نظره ما سوى الله تعالى حتى ينظر ولا يجد نفسه للتوجه التام الى جنابه والاعراض الكلى عما سوى الله تعالى كمن جعل نظره الى جانب السماء لا ترى له الأرض ومن نظر الى المشرق لا يرى له المغرب لا انه يعدم وجوده الخارجي ويضمحل والأنبياء عليهم السلام وان تجلى لهم الذات الا ان تعين نبينا فوق الكل حتى ان موسى لما سأل ربه التجلي عن تعين نبينا قال تعالى لَنْ تَرانِي كذا اوله بعضهم وليس بشىء لانه عالم بمرتبة المصطفى ﷺ فكيف يطلبها فخاطب موسى لَنْ تَرانِي لقطع طمع قومه حيث فَقالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً لانه إذا خوطب بذلك فهم اولى به فهذا فى الحقيقة ليس بالنسبة الى موسى عليه السلام فانه قد نال سعادة التجلي مرارا واصطفاه برسالته وبكلامه الى هنا كلام افتاده افندى كما فى الواقعات المحمودية وقال الشيخ على دده فى اسئلة الحكم فان قلت ما الحكمة الربانية فى منعه الرؤية فى الموطن الدنيوي قيل لان الرؤية غاية الكرامة فى الدنيا وغاية الكرامة فيها لاكرم الخلق وهو سيدنا محمد ﷺ صاحب المقام المحمود الذي شاهد ربه ليلة المعراج بعيني رأسه على هذا فابحث وقيل لو أعطاه الرؤية بالسؤال لكانت الرؤية مكافأة لسؤاله والرؤية فضل لا مكافأة وهى ربانية لا مدخل للسؤال والتعمل فيها فهى امتنان محض من الله تعالى قال الامام الواحدي كون كلمة لن مفيدة لتأبيد النفي دعوى باطلة على اهل اللغة لا يشهد لصحتها كتاب معتبر ولا نقل صحيح ويدل على فساده قوله تعالى فى صفة اليهود وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً مع انهم يتمنون الموت يوم القيامة ويقولون فيه يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ. ويا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ اى الموت فالاخبار بان موسى لا يرى الله لا يدل على انه لا يراه ابدا كما ذهبت اليه المعتزلة: قال المولى الجامى
جهان مرآت حسن شاهد ماست | فشاهد وجهه فى كل ذرات |
چومستعد نظر نيستى وصال مجوى | كه جام جم نكند سود وقت بي بصرى |
والأصح انما خوطب موسى على جبل الطور الذي بقرب بحر القلزم فلما سمعت الجبال تعاظمت رجاء ان يتجلى لها وجعل زبير او الطور يتواضع فلما رأى الله تواضعه رفعه من بينها وخصه بالتجلى كذا فى عقد الدرر واللآلى: وفى المثنوى
اى خنك آنرا كه ذلت نفسه | واى آن كز سركشى شد چون كه او |
الحدادي فصار ثمانى فرق اربع قطع منه وقعن بمكة ثور وثبير وحراء وغار ثور واربع قطع وقعن بالمدينة أحد ورقان ورضوى والمهراس وقال الحسن صار الجبل ثلاث فرق ساخت فرقة منه فى الأرض وطارت فرقة فى البحر وطارت فرقة فوقعت بعرفات فهو شاحب مقشعر من مخافة الله تعالى وفى التفسير الفارسي [عجب سريست كه كوه بآن عظمت تحمل ديدار نداشت ودل انسان را بحكم (ولكن ينظر الى قلوبكم) طاقت آن نظر هست نكته درين آنست كه تجلى بر كوه بنظر وهيبت بود وتجلى بر دل بنظر رحمت آن نظر كوهرا ويران ساخت واين نظر دلرا معمور سازد] والاشارة ان الجبل صورة الجسم الحجابى والجسم غير مستعد للتجلى ما لم يندك وينحل بالرياضة والفناء وانما التجلي للروح فى مقام القلب والجبل صورة التحيز الكونى والحصر الجسماني ومشهد التجلي غير متحيز والسر فافهم وعليه فابحث كذا فى اسئلة الحكم وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً اى سقط مغشيا عليه من هول ما رأى من عشية الخميس وهو يوم عرفة الى عشية يوم الجمعة وهو قول ابن عباس رضى الله عنهما وقال قتادة ميتا وقول ابن عباس اظهر لان الله تعالى قال فَلَمَّا أَفاقَ
ولا يقال للميت أفاق من موته ولكن يقال بعث من موته كما قال فى حديث السبعين ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ: وفى المثنوى
جسم خاك از عشق بر أفلاك شد | كوه در رقص آمد و چالاك شد |
عشق جان طور آمد عاشقا | طور مست وخرّ موسى صعقا |
والتقديس كجلبة الجيش العظيم ألوانهم كلهب النار ففزع موسى واشتد نفسه وايس من الحياة وقال له خير الملائكة مكانك يا ابن عمران حتى ترى ما لا تصبر عليه ثم امر الله ملائكة السماء الرابعة فهبطوا ألوانهم كلهب النار وسائر خلقهم كالثلج الأبيض أصواتهم عالية مرتفعة بالتسبيح والتقديس لا يشبههم شىء من الذين مروا به قبلهم فاصطكت ركبتاه وارتعد قلبه واشتد بكاؤه فقال له رئيس الملائكة اصبر يا ابن عمران لما سألت فقليل من كثير ما أريت ثم امر الله ملائكة السماء الخامسة فهبطوا ولهم سبعة ألوان فلم يستطع موسى ان يتبعهم بصره ولم يرمثلهم ولم يسمع مثل أصواتهم فامتلأ جوفه خوفا واشتد حزنه وكثر بكاؤه فقال له خير الملائكة يا ابن عمران مكانك حتى ترى بعض ما لا تصبر عليه ثم امر الله ملائكة السماء السادسة فهبطوا وفى يد كل ملك منهم نار مثل النخلة الطويلة أشد ضوأ من الشمس ولباسهم كلهب النار كلهم يقولون بشدة أصواتهم سبوح قدوس رب العزة ابدا لا يموت فى رأس كل ملك منهم اربعة أوجه فجعل يسبح موسى معهم وهو يبكى ويقول رب اذكرني ولا تنس عبدك فقال كبير الملائكة يا ابن عمران اصبر لما سألت ثم امر الله ان يحمل عرشه فى السماء السابعة وقال اروه إياه فلما بدا نور العرش انفرج الجبل من عظمة الرب ورفعت ملائكة السموات جميعا أصواتهم يقولون سبحان الله القدوس رب العزة ابدا لا يموت فاندك الجبل وكل شجرة كانت فيه وخر موسى على وجهه ليس معه روح فارسل الله برحمته الروح فتغشاه وقلب الحجر الذي عليه موسى وجعله كهيئة القبة لئلا يحترق موسى ثم اقامه كما تقيم الام جنينها إذا وضعته فقام موسى يسبح الله تعالى ويقول آمنت بك رب وصدقت انه لا يراك أحد فى الدنيا فيحيى من نظر الى ملائكتك انخلع قلبه فما أعظمك وأعظم ملائكتك أنت رب الأرباب وملك الملوك لا يعدلك شىء ولا يقوم لك شىء تبت إليك الحمد لك لا شريك لك قال فى التيسير قد روى فى هذا أحاديث فيها ذكر نزول الملائكة والتعنيف على موسى بما سأل ولكن ليس ورودها على وجه يصح ولا يجوز قبولها لانها لا تليق بحال الأنبياء انتهى قال بعض المحققين من ارباب المكاشفة ان موسى عليه السلام طلب رؤية ذاته تعالى مع هوية نفسه حيث قال رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ مشيرا الى هويته بصيغة المتكلم فرد الله تعالى
بقوله لَنْ تَرانِي اى مع بقاء هويتك التي تخاطب بها وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ اى بذاتك وهويتك فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ ولم يكن فانيا فَسَوْفَ تَرانِي بهويتك فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ اى القى عليه من نوره فاصطرب بدنه من رهبته جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً وفنى عن هويته فرأى الحق بعين الحق فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ الان من مسألة الرؤية مع بقاء الهوية وقال فى التأويلات النجمية وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ يعنى ولما حصل على بساط القرب تتابع عليه كاسات الشراب من صفو الصفات ودارت أقداح المكالمات واثر فيه لذاذات الكلمات فطرب واضطرب إذ سكر من شراب الواردات وتساكر من سماع الملاطفات فى المخاطبات فطال لسان انبساطه عند التمكن على بساطه وعند استيلاء سلطان الشوق وغلبات دواعى المحبة فى الذوق قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قيل هيهات أنت فى بعد الاثنينية منكوب وبحجب جبل الانانية محجوب وانك إذا نظرت بك الى لَنْ تَرانِي لانه لا يرانى الا من كنت له يصر افبى يبصر وَلكِنِ انْظُرْ الى الجبل جبل الانانية
فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ عند التجلي فَسَوْفَ تَرانِي ببصر انانيتك فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جبل انانيته جَعَلَهُ دَكًّا فانيا كان لم يكن وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً بلا انانية وكان ما كان بعد ان بان ما بان فأشرقت الأرض بنور ربها وجاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا
قد كان ما كان سرا لا ابوح به | فظن خيرا ولا تسأل عن الخبر |
ابني أبينا نحن اهل منازل | ابدا غراب البين فينا يزعق |
صعب شديد ولكن موسى رضى به وانقاد لحكمه وفى معناه انشدوا
أريد وصاله ويريد هجرى | فاترك ما أريد لما يريد |