
لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ (١٤٥)
شرح الكلمات:
ميقات: الميقات الوقت المعين.
أخلفني في قومي: أي كن خليفتي فيهم.
المفسدين: الذين يعملون بالمعاصي.
استقر مكانه: ثبت ولم يتحول.
خرّ: سقط على الأرض.
أفاق: ذهب عنه الإغماء وعاد إليه١ وعيه.
اصطفيتك: أخترتك.
معنى الآيات:
ما زال السياق في ذكر أحداث موسى مع بني إسرائيل انه لما نجى الله تعالى بني إسرائيل من فرعون وملئه، وحدثت حادثة طلب بني إسرائيل من موسى أن يجعل لهم إلهاً كما للمشركين إلهاً وقد أنبأهم موسى وأدبهم عن قولهم الباطل واعد الله تعالى موسى أن يناجيه بجبل الطور وجعل له الموعد الذي يلقاه فيه شهراً ثلاثين يوماً وكانت شهر القعدة وزادها عشراً من أول الحجة فتم الميقات أربعين٢ ليلة. وعند خروجه عليه السلام استخلف في بني إسرائيل أخاه هارون٣ وأوصاه بالإصلاح، ونهاه عن إتباع آراء المفسدين هذا معنى قوله تعالى ﴿وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين﴾ وكان
٢ ذكر ابن عباس ومجاهد ومسروق في سبب زيادة العشرة أيام: أن موسى لمّا أكمل صيام الثلاثين يوماً أنكر خلوف فمه فاستاك. فقالت له الملائكة: "إنّا كّنا نستنشق من فيك رائحة المسك فأفسدته بالسواك فزيد فيه عشر ليال فتم له بذلك أربعون يوماً. في الحديث الصحيح " خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك".
٣ في الآية دليل على استخلاف المرء أخاه لينوب عنه في حفظ ورعاية ما كلّفه به، ومن العجب أن الروافض استدلوا بقول الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعلي وقد استخلفه في إحدى غزواته "أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي" إنّ الأصحاب كفروا لتركهم النّص في خلافة علي واجتهدوا واستخلفوا أبا بكر، ومنهم من كفّر علياً لأنه لم يطالب بالخلافة وما دروا أنّ الرسول استخلف غير واحد ومنهم ابن أمّ مكتوم فهل دلّ ذلك على استخلافه على أمته بعد موته؟ فما أضل القوم وأعظم جهلهم!

ذلك من أجل أن يأتي بني إسرائيل بكتاب من ربهم يتضمن شريعة كاملة يساسون بها وتحكمهم ليكملوا وشحعدوا عليها.
وقوله تعالى ﴿ولما جاء موسى لميقاتنا١﴾ أي في الموعد الذي واعدنا والوقت الذي حددنا وكلمه ربه بلا واسطة بينهما بل كان يسمع كلامه ولا يرى ذاته، تاقت نفس موسى لرؤية ربه تعالى، فطلب ذلك فقال ﴿رب أرني أنظر إليك﴾ فأجابه ربه تعالى بقوله إنك لن تراني أي رؤيتك لي غير ممكنة لك، ولكن إذا أردت أن تتأكد من أن رؤيتك لي في هذه الحياة غير ممكنة فانظر إلى الجبل "جبل الطور"فإن استقر مكانه بعد أن أتجلى له، فسوف لراني ﴿فلما تجلى٢ للجبل جعله دكا وخر موسى﴾ عند رؤية الجبل ﴿صعقا﴾ أي مغشيا عليه ﴿فلما أفاق﴾ مما اعتراه من الصعق ﴿قال سبحانك﴾ أي تنزيهاً لك وتقديساً ﴿تبت إليك٣﴾ فلم أسألك بعد مثل هذا السؤال ﴿وأنا أول المؤمنين﴾ بك وبجلالك وعظيم سلطانك وأنا عبدك عاجز عن رؤيتك في هذه الدار دار التكليف والعمل.
وهنا أجابه ربه تعالى قائلا ﴿يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتك﴾ من هذا الكمال٤ والخير العظيم ﴿وكن من الشاكرين﴾ أي على إنعامي لأزيدك وذلك بطاعتي والتقرب إلى بفعل محابي وترك مكارهي. وقوله تعالى ﴿وكتبنا له في الألواح٥ من كل شيء موعظة وتفصيلاً لكل شيء﴾ أي كتبت له في ألواحه من كل شيء
٢ تجلّى معناه ظهر، واندكاك الجبل على قوة بنيته وعظيم جسمه كان لعجزه عن رؤية الربّ تبارك وتعالى وهذا كقوله تعالى: ﴿ولو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله﴾.
٣ الإجماع على أنّ توبة موسى هذه لم تكن من ذنب وإنما هي بمعنى الإنابة إلى الله تعالى وعدم طلب مثل هذا الذي طلب.
٤ فيه الدعوة إلى القناعة وهي خير ما يؤتى المرء في الحياة.
٥ اختلف في أيهما كان أوّلا الألواح أو التوراة، والظاهر أن الألواح كانت أوّلاً ثم أوحيت التوراة عليها فصارت كتاباً واحداً هو التوراة.

من أمور الدين والدنيا موعظة لقومه من أمر ونهي وترغيب وترهيب، وتفصيلاً لكل شيء يحتاجون إلى بيانه وتفصيله. وقوله ﴿فخذها بقوة﴾ أي وقلنا له خذها بقوة أي بعزم وجد وذلك بالعمل بحلالها وحرامها فعلاً وتركاً، ﴿وأمر قومك﴾ أيضاً ﴿يأخذوا بأحسنها﴾ أي بما هو عزائم فيها وليس برخص تربية لهم وتعويداً لهم على تحمل العظائم لما لازمهم من الضعف والخور دهراً طويلاً. وقوله تعالى ﴿سأريكم دار الفاسقين١﴾ يتضمن النهي لبني إسرائيل عن ترك ما جاء في الألواح من الشرائع والأحكام فإنهم متى تركوا ذلك أو شيئاً منه يعتبرون فاسقين، وللفاسقين نار جهنم هي جزاؤهم يوم يلقون ربهم، وسيريهم إياها، فهذه الجملة تحمل غاية الوعيد والتهديد للذين يفسقون عن شرائع الله تعالى بإهمالها وعدم العمل بها، فليحذر المؤمنون هذا فإنه أمر عظيم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- المحافظة على المواعيد أمر محبوب للشارع مرغب فيه وهو من سمات الصادقين.
٢- جواز الاستخلاف في الأرض في مهام الأمور فضلاً عما هو دون ذلك.
٣- مشروعية الوصية للخلفاء بما هو خير.
٤- امكان رؤية الله تعالى وهي ثابتة في الآخرة لأهل الجنة.
٥- استحالة رؤية الله تعالى في الدنيا لضعف الإنسان على ذلك.
٦- وجود الأمة القابلة لأحكام الله قبل وجود الشرع الذي يحكمها.
سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا