
الحياة على الإنسان، وتسدّ عليه منافذ التحرك إلى أي اتجاه.. إنها حينئذ تكون نقمة من أقسى النقم، ولو كانت في أصلها مما يطلبه الإنسان ويحرص عليه..!
وقد قيل عن الضفادع مثلا، إنها كانت من الكثرة بحيث لا يجد الإنسان مكانا يضع عليه قدمه | فكيف إذا أراد النوم، أو الطعام، أو نحو هذا؟. |
الآيات: (١٣٤- ١٣٧) [سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٣٤ الى ١٣٧]
وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قالُوا يا مُوسَى ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرائِيلَ (١٣٤) فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلى أَجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ (١٣٥) فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ (١٣٦) وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَما كانُوا يَعْرِشُونَ (١٣٧) صفحة رقم 467

التفسير: الرجز ما يسوء وجهه، وأثره.. من الأمور، وهو مقلوب كلمة «زجر» فكأنه رجز ينقلب زجرا لمن يحلّ به.
وقوله تعالى: «وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ» أي لما نزل بهم البلاء، وحلّ بهم العذاب.
«قالُوا يا مُوسَى ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ» أي لجئوا إلى موسى، ومدوا أيديهم إلى مصافحة عدوّهم، يسألونه العون والنّجدة.. ولكن في كبر وعناد.. «يا مُوسَى ادْعُ لَنا رَبَّكَ»
.. فهم ما زالوا على كفرهم، لا يؤمنون بالإله الذي آمن به موسى ودعاهم إليه، فهو رب موسى لا ربهم: «ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ» أي بما بينك وبينه من صلة، ومالك عنده من عهد باستجابة ما تدعوه به.
«لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرائِيلَ» أي لئن استطعت بما بينك وبين ربك من صلة، أن تكشف عنا هذا البلاء لنؤمنن لك ولنرسلنّ معك بنى إسرائيل، ونطلقهم من أيدينا، لينطلقوا إلى حيث تشاء.
والقوم مبيتون النية على الغدر بهذا العهد والنكوص عنه، وفي كلماتهم ما يفضح هذا الغدر الذي ضمّت عليه صدورهم..
فهم- أولا- ينسبون إلى موسى أنه هو الذي يكشف عنهم البلاء، بحيلة أو بأخرى من حيله، «فيقولون لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ» ولم يقولوا «لئن كشف ربّك عنّا الرجز».. إنهم لا يعترفون- فى قرارة أنفسهم- بأن هناك ربّا غير الأرباب التي يعبدونها..
وهم- ثانيا- لا يؤمنون بالله إذا انكشف عنهم البلاء، بل يؤمنون

بموسى، فيقولون: «لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ» ولم يقولوا: لنؤمننّ بإلهك!.
«فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلى أَجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ»..
فلقد كشف الله عنهم الرجز إلى أجل، أي كشفا مؤقّتا، لينكشف ما هم عليه من غدر ومكر.. وقد انكشف غدرهم ومكرهم، فنكثوا هذا العهد، ولم يؤمنوا بموسى، ولم يرسلوا معه بنى إسرائيل.. بل عادوا معهم سيرتهم الأولى، فى صورة أشدّ وأنكى.
«فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ» وتلك هى عقبى الدين ظلموا.. لقد أغرقهم الله بذنوبهم، بسبب تكذيبهم بآيات الله، وغفلتهم عن مواقع العبرة والعظة منها..
«وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ: مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها».. القوم الذين كانوا يستضعفون هم قوم موسى، وقد منّ الله عليهم بالخلاص من يد فرعون بعد أن أهلكه.
وفي قوله تعالى: «وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها» إشارة إلى أن فرعون هذا الذي كان يحسب أنه من الخالدين، قد أهلكه الله، وأن هؤلاء القوم الذين كانوا شيئا مرذولا في الحياة لعين فرعون ولآل فرعون، قد ورثوا هم الحياة بعده، وها هم أولاء على الأرض أحياء، على حين أصبح فرعون وملأه في الهالكين.
والمراد بمشارق الأرض ومغاربها: سعة هذه الأرض، وقدرتهم على التحرك فيها، والتنقّل بين شرقها وغربها، غير مضيّق عليهم من أحد..
فهى أرض ذات آفاق متعددة، كل أفق منها مشرق ومغرب، فهى بهذا الاتساع، مشارق ومغارب.
والمراد بالأرض التي بارك الله فيها، هى الأرض المقدّسة التي دعاهم

موسى بعد ذلك إلى دخولها، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى على لسان موسى:
«يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ».
والمراد بالكلمة الحسنى في قوله تعالى: «وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا» هى الكلمة التي وعد الله بها بنى إسرائيل على لسان موسى، وهو أنهم سيخلصون من هذا البلاء كما قال الله تعالى: «قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ».. فهم إذا استعانوا بالله وصبروا كانت العاقبة لهم.
وتمام الكلمة، إنجاز ما فيها من وعد كريم..
وكون الكلمة حسنى لأنها تحمل إلى بنى إسرائيل الرحمة والنعمة، لا البلاء والنقمة، وكلمات الله كلها حسنى، ما حمل منها الرحمة، وما حمل البلاء.. ولكن حين تكون كلمة الله مبشرة هى غيرها حين تكون منذرة... وذلك في واقع حياة الناس، وفي حسابهم.. أما كلمات الله فكلها الحسن والكمال.
وقوله تعالى: «وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَما كانُوا يَعْرِشُونَ» إشارة إلى ما حلّ بدولة فرعون، وما وقع فيها من اضطراب وفساد بعد أن هلك، وهلك رءوس القوم معه، فقد صار أمر الناس إلى فوضى واضطراب، ففسد كل شىء كان صالحا، وخرب كل مكان كان عامرا، من ديار وزروع.. معروشات وغير معروشات.