آيات من القرآن الكريم

وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ
ﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪ ﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤ ﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶ

العباداتِ، والنَّصُوح بناءَ مبالغةٍ من النُّصْحِ، أي: توبة نَصَحَتْ صَاحِبها، وأرْشَدَتْه، وعن عمرَ: التوبةَ النصوحُ: هي أن يتوبَ ثم لا يعودُ ولا يريدُ أن يعودَ «١»، وقال أبو بكر الوَرَّاق، هي أن تَضِيقَ عليكَ الأرْضُ بما رَحُبَتْ كتوبةِ الذين خُلِّفُوا. ورُوِيَ/ في معنى قولِه تعالى:
«يَوْمَ لاَ يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ» أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم تضرّع مرّة إلى الله- عز وجل- في أمْرِ أُمَّتِهِ، فأوحَى اللَّه إلَيْهِ إنْ شِئْتَ جَعَلْتُ حِسَابَهُمْ إلَيْكَ، فَقَالَ: يَا رَبِّ، أَنْتَ أَرْحَمُ بِهِمْ، فَقَالَ اللَّهُ تعالى: إذَنْ لا أخزيك فيهم «٢».
وقوله تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ يَحْتَمِل: أن يكونَ معطوفاً عَلى النبيِّ فيخرجُ المؤمِنونَ من الخزي، ويحتملُ: أنْ يَكُونَ مبتدأ، ونُورُهُمْ يَسْعى: جملةٌ هِي خبرُه، وقولهم: أَتْمِمْ لَنا نُورَنا قال الحسنُ بن أبي الحسن: هو عند ما يَرَوْنَ مِنِ انْطِفَاءِ نورِ المنافقين «٣» حَسْبَمَا تقدم تفسيرُه، وقيل: يقوله من أُعْطِي منَ النور بقدر ما يَرَى موضعَ قدميه فقط، وباقي الآية بيَّن مما تقدم في غيرِ هذا الموضع.
[سورة التحريم (٦٦) : الآيات ١٠ الى ١٢]
ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (١٠) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (١١) وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ (١٢)
وقوله سبحانه: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ... الآية، هذَانِ المَثَلاَنِ اللذانِ للكفارِ والمؤمنينَ معناهما: أنَّ مَنْ كَفَرَ لا يُغْنِي عنه مِنَ اللَّهِ شيءٌ ولا ينفعُه سَبَبٌ، وإنَّ مَنْ آمنَ لا يدفعُه عَنْ رِضْوَانِ اللَّهِ دافعٌ وَلُوْ كَانَ في أسوأِ مَنْشَأٍ وأخسِّ حالٍ، وقول من قال: إنَّ في المثلين عبرة لأزواج النبي صلّى الله عليه وسلّم بعيدٌ. قال ابن عباس وغيره: «خَانَتَاهُمَا» : أي في الكُفْرِ «٤»، وفي أن امرأةَ نوحٍ كانَتْ تقول للناس: إنَّه مجنُونٌ، وأن امرأةَ لوطٍ كانت تنمّ

(١) أخرجه الطبري (٦/ ١٥٦)، برقم: (٣٤٤٤٤)، والبغوي (٤/ ٣٦٧)، وابن عطية (٥/ ٣٣٤)، وابن كثير (٤/ ٣٩٢)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ٣٧٦)، وعزاه لعبد الرزاق، والفريابي وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وهناد، وابن منيع، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه وابن مردويه، والبيهقي في «شعب الإيمان». [.....]
(٢) ينظر: «المحرر الوجيز» (٥/ ٣٣٤).
(٣) أخرجه الطبري (١٢/ ١٥٩)، برقم: (٣٤٤٥٧- ٣٤٤٥٨)، وذكره ابن عطية (٥/ ٣٣٤)، وابن كثير (٤/ ٣٩٢).
(٤) ذكره ابن عطية (٥/ ٣٣٥)، وابن كثير (٤/ ٣٩٣)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ٣٧٧)، وعزاه

صفحة رقم 453

إلى قَوْمِها خَبَر أضْيَافِه، قال ابن عباس: وَمَا بَغَتْ زَوْجَةُ نَبِيٍّ قَطُّ «١»، وامرأة فرعون اسمُها آسية، وقولها: وَعَمَلِهِ تعني كُفْرَهُ ومَا هُوَ عَلَيْهِ مِنَ الضَّلاَلَةِ.
وقوله: الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها الجمهورُ أنه فَرْجُ الدِّرْعِ، وقال قوم: هو الفَرْجُ الجَارِحَةُ وإحْصَانُه صَوْنُه.
وقولُه سبحانه: فَنَفَخْنا فِيهِ عبارةٌ عَنْ فِعل جبريلَ، / ت: وقد عَكَسَ- رحمه اللَّه- نَقْلَ ما نَسَبَهُ للجمهورِ في سورةِ الأنبياءِ فقال: المَعْنَى واذْكُرِ الَّتي أحصنتْ فَرْجَها وهو الجارِحَة المعروفةُ، هذا قولُ الجمهورِ، انظر بقيةَ الكلامِ هناك.
وقوله سبحانه: مِنْ رُوحِنا إضافةُ مخلوقٍ إلى خالقٍ، ومملوك إلى مالكٍ، كما تقول بَيْتُ اللَّهِ، ونَاقَةُ اللَّهِ، وكذلك الرُّوحُ الجنسُ كلُّه هو روح اللَّه، وقرأ الجمهور «٢» :
وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها بالجَمْعِ فَيُقَوِّي أنْ يريدَ التوراةَ، ويحتملُ أنْ يريدَ أمْرَ عيسَى، وَقَرَأ الجحدري «٣» :«بِكَلِمِة» فَيُقَوِّي أنْ يريدَ أمْرَ عيسى، ويحتملُ أنْ يريدَ التوراةَ، فتكونُ الكلمةُ اسْمُ جنسٍ، وقرأ نافع «٤» وغيره: «وكِتَابِهِ» وقرأ أبو عمرو وغيره: «وَكُتُبِهِ» - بضم التاء- وَالجَمْعِ، وذلك كلَّه مرادٌ بهِ التوراةُ والإنْجِيلُ، قال الثعلبيُّ: واختار أبو حاتم قراءةَ أبي عمرٍو بالجَمْعِ لعمومِها، واختار أبو عبيدة قِراءَة الإفْرَادِ لأن الكتَابَ يُرَادُ به الجنسُ، انتهى وهو حَسَنٌ، وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ أي: من القوم القانتينَ وهم المطيعونَ العابِدونَ، وقد تقدّم بيانه.

لعبد الرزاق، والفريابي، وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن أبي الدنيا، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه من طرق عن ابن عبّاس.
(١) أخرجه الطبري (١٢/ ١٦١)، برقم: (٣٤٤٦٢، ٣٤٤٦٤)، وذكره البغوي (٤/ ٣٦٨)، وابن عطية (٥/ ٣٣٥)، وابن كثير (٤/ ٣٩٣)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ٣٧٧)، وعزاه لابن المنذر.
(٢) ينظر: «المحرر الوجيز» (٥/ ٣٣٥- ٣٣٦)، و «البحر المحيط» (٨/ ٢٩٠)، و «الدر المصون» (٦/ ٣٣٩).
(٣) وقرأ بها مجاهد، والحسن.
ينظر: «مختصر الشواذ» ص: (١٥٩)، و «المحرر الوجيز» (٥/ ٣٣٦)، و «البحر المحيط» (٨/ ٢٩٠)، و «الدر المصون» (٦/ ٣٣٩).
(٤) وقرأ بها ابن كثير، وابن عامر، وعاصم في رواية أبي بكر، والكسائيّ، وحمزة. وقرأ بقراءة أبي عمرو- حفص عن عاصم، وخارجة عن نافع.
ينظر: «السبعة» (٦٤١)، و «الحجة» (٦/ ٣٠٤)، و «إعراب القراءات» (٢/ ٣٧٦)، و «حجة القراءات» (٧١٥)، و «العنوان» (١٩٣)، و «شرح الطيبة» (٦/ ٦١)، و «إتحاف» (٢/ ٥٤٩)، و «معاني القراءات» (٣/ ٧٨).

صفحة رقم 454

تفسير سورة الملك
[وهي] مكّيّة بإجماع وكان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقرؤوها عند أخذ مضجعه رواه جماعة مرفوعا «١»، وروي أنّها تنجّي من عذاب القبر «٢»، وتجادل عن صاحبها، حتى لا يعذّب «٣»، وروى ابن عبّاس أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «وددت أنّ سورة «تبارك الّذي بيده الملك» في قلب كلّ مؤمن» «٤»، ت: وقد خرّج مالك في «الموطّأ» : أنّها تجادل عن صاحبها وخرّج أبو داود/ والترمذيّ والنسائي، وأبو الحسن بن صخر، وأبو ذر الهرويّ، وغيرهم أحاديث في فضل هذه السورة نحو ما تقدّم، ولولا ما قصدته من الاختصار لنقلتها هنا، ولكن خشية الإطالة منعتني من جلب كثير من الآثار الصحيحة، في هذا المختصر، وانظر الغافقي فقد استوفى

(١) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ٣٨١)، وعزاه إلى ابن مردويه.
(٢) أخرج الترمذي في هذا المعنى حديثا (٥/ ١٦٤)، كتاب «فضائل القرآن» باب: ما جاء في فضل سورة الملك (٢٨٩٠) عن عبد الله بن عبّاس، بلفظ: ضرب بعض أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم خباءه على قبر وهو لا يحسب أنّه قبر، فإذا فيه إنسان يقرأ سورة: تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ حتّى ختمها، فأتى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: يا رسول الله، إنّي ضربت خبائي على قبر، وأنا لا أحسب أنّه قبر، فإذا فيه إنسان يقرأ سورة تبارك الملك حتّى ختمها، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هي المانعة، هي المنجية تنجيه من عذاب القبر».
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه.
(٣) أخرجه الحاكم في «المستدرك» (٢/ ٤٩٨) عن عبد الله بن عبّاس، بلفظ: «يؤتى الرجل في قبره، فتؤتى رجلاه فتقول رجلاه: ليس لكم على ما قبلي سبيل، كان يقوم يقرأ سورة الملك، ثم يؤتى من قبل صدره، أو قال: بطنه، فيقول: ليس لكم على ما قبلي سبيل، كان يقرأ بي سورة الملك، ثم يؤتى رأسه فيقول: ليس لكم على ما قبلي سبيل، كان يقرأ بي سورة الملك، قال: فهي المانعة تمنع من عذاب القبر، وهي في التوراة سورة الملك من قرأها في ليلة فقد أكثر وأطنب».
والبيهقي في «شعب الإيمان» (٢/ ٤٩٤) (٢٥٠٩)، قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
(٤) أخرجه الحاكم في «المستدرك» (١/ ٥٦٥)، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ٣٨٠)، وزاد نسبته إلى ابن مردويه، وعبد بن حميد، والطبراني.
قال الحاكم: هذا إسناد عند اليمانيين صحيح ولم يخرجاه، وتعقبه الذهبي في قوله ذلك، وقال: لحفص واه.

صفحة رقم 455
الجواهر الحسان في تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي
تحقيق
عادل أحمد عبد الموجود
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1418
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية