آيات من القرآن الكريم

وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ۚ وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا ۗ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا ۖ لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ
ﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍ

لأن الله تعالى خوفهم فقال: إن قعدتم معهم ﴿إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ﴾ [النساء: ١٤٠] وقال غيرهم: (ليست بمنسوخة، ولكن المعنى: ﴿وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ﴾ إذا قعدوا معهم بشرط التذكير والموعظة) (١).
٧٠ - قوله تعالى: ﴿وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا﴾ الآية، قال ابن عباس (٢) والمفسرون (٣): (يعني: الكفار الذين إذا سمعوا آيات الله استهزؤوا بها وتلاعبوا عند ذكرها).
وقال الفراء: (يقال: ليس من قوم إلا ولهم عيد فهم (٤) يلهون في أعيادهم إلا أمة محمد، فإن أعيادهم برّ وصلاة وتكبير وخير) (٥)، وهذا قول الكلبي (٦)، فعلى القول الأول معنى قوله ﴿دِينَهُمْ﴾: الذي شرع لهم، وعلى قول الفراء المراد بالدين: العيد؛ لأنه مما يتدين (٧) به فصار داخلًا في جملة الدين.

(١) هذا هو الظاهر، واختيار النحاس في "ناسخه" ٢/ ٣١٩، ومكي في "الإيضاح" ص ٢٤٣، وابن الجوزي في "النواسخ" ص ٣٢٥، ومصطفى زيد في "النسخ في القرآن" ١/ ٤٤٠، قالوا: (الآية خبر ومحال نسخه، والمعنى فيه بين، أي: ما عليكم شيء من آثامهم إنما يلزمكم الإنذار والنهي عن المنكر، ولا يقعد معه راضيًا بقوله وفعله وإلا كان مثله) وانظر: ابن عطية ٥/ ٢٣٥، والقرطبي ٧/ ١٥، وانظر: "مفهوم النسخ عند السلف" في ص ٢٦٧.
(٢) ذكر نحوه بدون نسبة البغوي ٣/ ١٥٥، وابن الجوزي ٣/ ٦٤.
(٣) انظر: الطبري ٧/ ٢٣١، والماوردي ٢/ ١٢٩.
(٤) في (ش): (عيد فلهم)، وهو تحريف.
(٥) "معاني الفراء" ١/ ٣٣٩.
(٦) ذكره السمرقندي ١/ ٤٩٣، والقرطبي ٧/ ١٦، وذكره الرازي ١٣/ ٢٧ عن ابن عباس.
(٧) في (ش): (مما تدين به).

صفحة رقم 214

وقوله تعالى: ﴿وَذَكِّرْ بِهِ﴾ قال ابن عباس: (يريد: وَعِظْ بالقرآن (١) ﴿أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ﴾ قال: يريد ترتهن في جهنم بما كسبت في الدنيا) (٢)، وهو قول (٣) الفراء قال: (﴿تُبْسَلَ﴾: ترتهن).
وقال الحسن (٤) ومجاهد (٥) وعكرمة (٦) والسدي: (تُسلم للهلكة)، قال الليث (٧): (الإبسال: أن يُبسل الرجل فيخذل، واستبسل الرجل للموت: إذا وطن نفسه عليه، من هذا).
وقال أبو الهيثم (٨): (يقال: أبسلته بجريرته، أي: أسلمته بها) وينشد على هذا قول الشَّنْفَرَى:
سَجِيسَ اللَّيَالِي مُبْسَلًا بِالجَرَائِرِ (٩)

(١) "تنوير المقباس" ٢/ ٣٠، وهو بلا نسبة في "الوسيط" ١/ ٦٢، والبغوي ٣/ ١٥٥، وابن الجوزي ٣/ ٦٤.
(٢) ذكره الرازي ١٣/ ٢٨، وهو قول مقاتل ١/ ٥٦٨، والأخفش كما ذكره السمرقندي ١/ ٤٩٣.
(٣) "معاني الفراء" ١/ ٣٣٩.
(٤) أخرجه الطبري ٧/ ٢٣١، من عدة طرق جيدة عن الحسن ومجاهد وعكرمة، وأخرجه الأزهري في "تهذيبه" ١/ ٣٣٦ بسند جيد عن الحسن.
(٥) "تفسير مجاهد" ١/ ٢١٧ - ٢١٨.
(٦) ذكره الثعلبي ١٧٩ أ، والماوردي ٢/ ١٣٠، عن الحسن وعكرمة والسدي وغيرهم، وأخرجه ابن أبي حاتم ٤/ ١٣١٨، بسند ضعيف عن ابن عباس، وقال بعده: (وروي عن مجاهد وعكرمة والحسن والسدي مثل ذلك) ا. هـ. وهو اختيار ابن قتيبة في "تفسير غريب القرآن" ١/ ١٦٤.
(٧) "تهذيب اللغة" ١/ ٣٣٦، وانظر: "العين" ٧/ ٢٦٣ (بسل).
(٨) "تهذيب اللغة" ١/ ٣٣٦، و"اللسان" ١/ ٢٨٥ (بسل)، وراد: (ويقال: جزيته بها).
(٩) "ديوانه" ص ٤٨، "مجاز القرآن" ١/ ١٩٥، و"الحماسة" لأبي تمام ١/ ١٨٨، و"إصلاح المنطق" ص ٣٩٤، و"الشعر والشعراء" ص ٣١، و"الزاهر" ٢/ ٢١٣، =

صفحة رقم 215

وقال آخر (١):

وإِبْسَالِي بَنِيَّ بِغَيْرِ جُرْمٍ بَعَوْنَاهُ وَلَا بِدمٍ مُرَاقِ
أي: إسلامي وتركي إياهم، وهذا الوجه اختيار الزجاج، قال: (معنى ﴿تُبْسَلَ﴾: تسلم بعملها غير قادرة على التخلص، والمستبسل المستسلم الذي يعلم أنه لا يقدر على التخلص) (٢).
وقال قتادة: (أن تحبس) (٣) وهو قول ابن الأعرابي، قال في قوله تعالى: ﴿أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ﴾ (٤) (أي: تحبس في جهنم) (٥).
= والطبري ٧/ ٢٢٣، و"تهذيب اللغة" ١/ ٣٣٦، والثعلبي ١٧٩ أ، و"اللسان" ١/ ٢٨٥ (بسل)، وصدره:
هُنَالِكَ لا أَرْجُو حَيَاةً تَسُرُّنِي
وسجيس: أي أبد الليالي وطولها، ومبسلا أي: مسلما ومرتهنا، أسلم إلى عدوه بما جنى عليهم، والجرائر: الجرائم والذنوب.
(١) الشاهد لعوف بن الأحوص الكلابي، شاعر جاهلي، في المراجع السابقة سوى الحماسة والشعر، وإصلاح المنطق، وهو في "النوادر" لأبي زيد ص ١٥١، و"المعاني الكبير" ٢/ ١١١٤، و"الصحاح" ٤/ ١٦٣٤، و"المجمل" ١/ ١٢٥، و"مقاييس اللغة" ١/ ٢٤٨، والماوردي ٢/ ١٣١، وبلا نسبة في "تفسير غريب القرآن" ص ١/ ١٦٥، و"معاني الزجاج" ٢/ ٢٦١، و"الجمهرة" ١/ ٣٣٩، و"معاني النحاس" ٢/ ٤٤٤، و"المخصص" ١٣/ ٧٩، وبعوناه: أي جنيناه، والبعو: الجرم والجناية. يقول: رهنت بني في العرب وأسلمتهم من غير جرم.
(٢) "معاني الزجاج" ٢/ ٢٦١، وفيه أيضًا: أي: تسلم، وقيل: ترتهن، والمعنى واحد. اهـ.
(٣) أخرجه الطبري ٧/ ٢٣٢، وابن أبي حاتم ٤/ ١٣١٨ من طرق جيدة بلفظ: (تؤخذ فتحبس).
(٤) لفظ: (أن) ساقط من (ش).
(٥) "تهذيب اللغة" ١٢/ ٤٣٩، و"اللسان" ١٢/ ٥٤ (بسل).

صفحة رقم 216

وروى عن ابن عباس: (﴿تُبْسَلَ﴾: (تُفضح (وأُبسلو): أُفضحوا) (١).
ومعنى الآية: وذكرهم (٢) بالقرآن إسلام الجانيين بجناياتهم لعلهم يخافون فيتقون، وليس قول من قال: معناه: وذكرهم كيلا ﴿تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ﴾ بشيء البتة (٣).

(١) ذكره البخاري في "صحيحه" ٨/ ٢٨٦، كتاب: التفسير، تفسير سورة الأنعام، وأخرجه الطبري ٧/ ٣٣٢، وابن أبي حاتم ٣/ ٨١ ب و٨٢ أبسند جيد بلفظ: (تفضح - وفضحوا).
وقال ابن حجر في "الفتح" ٨/ ٢٨٧: (أفضحوا من الرباعي، وهي لغة، يقال: فضح وأفضح، وروى عنه: فضحوا) ا. هـ. ملخصًا.
وفي "مسائل نافع بن الأزرق" ص ١١٤، قال: (تبسل تحبس) ا. هـ
وهذه الأقوال متقاربة، وأكثرهم على أنه بمعنى: تسلم وترتهن، ولعل تفسيره بتفضح تفسير باللازم؛ لأن من لازم أخذهم بالعذاب بما كسبوا أن يفضحوا.
وقال النحاس في "معانيه" ٢/ ٤٤٣: (تُسلم حسن، أي: تسلم بعملها لا تقدر على التخلص؛ لأنه يقال: استبسل فلان للموت، أي: رأى ما لا يقدر على دفعه) ا. هـ. ملخصًا.
وقال ابن كثير ٢/ ١٦٢: (الأقوال متقاربة في المعنى، وحاصلها الإِسلام للهلكة والحبس عن الخير والارتهان عن درك المطلوب) اهـ.
وانظر: المراجع المذكورة في الحواشي، و"غريب القرآن" لليزيدي ص ١٣٧، و"الوسيط" ١/ ٦٢، و"الكشاف" ٢/ ٢٧، والبغوي ٣/ ١٥٦، وابن عطية ٥/ ٢٣٨، وابن الجوزي ٣/ ٦٥، والقرطبي ٧/ ١٦، و"البحر" ٤/ ١٥٥، و"الدر المنثور" ٣/ ٣٩، وفيها ذكر عامة الأقوال، وانظر: "الفتاوى" ١٣/ ٣٤٣.
(٢) لفظ: (الواو): ساقط من (ش).
(٣) لم أقف على هذا القول بنصه.
وفي الطبري ٧/ ٢٣٣، قال: (ذكرهم كيلا تبسل نفس بذنوبها وكفرها بربها، وترتهن فتغلق بما كسبت من إجرامها في عذاب الله) ا. هـ. ملخصًا.
وانظر: الرازي ١٣/ ٢٨، و"البحر" ٤/ ١٥٥، و"الدر المصون" ٤/ ٦٧٩.

صفحة رقم 217

وقوله تعالى: ﴿وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا﴾ قال ابن عباس (١) وقتادة (٢) والسدي (٣) وابن زيد (٤): (وإن تفد كل فداء)، وذكرنا هذا المعنى عند قوله تعالى: ﴿وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ﴾ (٥) [البقرة: ١٢٣]، وهؤلاء قالوا: (إن تفد كل فداء من جهة المال) قال ابن عباس (٦): (إن تفتد بالدنيا وما فيها لا يؤخذ منها) (٧).
وقال قتادة (٨): (لو جاءت بملء الأرض ذهبًا لم يقبل منها). [و] (٩) روي عن الحسن أنه قال: (هذا الفداء من جهة الإسلام والتوبة ولا ينفعهم ذلك في الآخرة) (١٠).

(١) أخرج الطبري ١/ ٢٦٨ بسند جيد عنه قال: (العدل: البدل، والبدل: الفدية)، وانظر: ابن كثير ٢/ ١٦٢، و"الدر المنثور" ١/ ١٦٦.
(٢) ذكره النحاس في "معانيه" ٢/ ٤٥٥، والماوردي ٢/ ١٣١، وابن كثير ٢/ ١٦٢، وأخرج ابن أبي حاتم ٤/ ١٣١٩، و"تحقيق الغماري" بسند جيد عن أبي العالية، قال: (العدل: الفداء).
قال ابن أبي حاتم: (وروي عن أبي مالك والحسن وسعيد بن جبير وقتادة والربيع نحوه) اهـ.
(٣) أخرجه الطبري ٧/ ٢٣٣ بسند جيد عن السدي وابن زيد.
(٤) أخرجه ابن أبي حاتم ٤/ ١٣١٨ بسند جيد، وذكره الماوردي ٢/ ١٣١، عن السدي وابن زيد.
(٥) لفظ: (الواو): ساقط من النسخ.
(٦) في (أ): (قال ابن عباس: قال): وهو تحريف.
(٧) ذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ٦٢، وفي "تنوير المقباس" ٢/ ٣٠ نحوه.
(٨) أخرجه عبد الرزاق في التفسير ١/ ٢/ ٢١٢، والطبري ٧/ ٢٣٣، ٢/ ٣٤، وابن أبي حاتم ٤/ ١٣١٩، من عدة طرق جيدة.
(٩) لفظ: (الواو): ساقط من (أ).
(١٠) ذكره الماوردي ٢/ ١٣١.

صفحة رقم 218

وقوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا﴾ يقول: أسلموا للهلاك. وقال العوفي: (أسلموا إلى خزنة جهنم) (١).
وقال ابن عباس (٢): (ارتهنوا بما كسبوا)، ﴿لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ﴾ وهو الماء (٣) الحار.
قال المفسرون (٤): قوله تعالى: ﴿وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا﴾ منسوخ بقوله تعالى: ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ (٥) [التوبة: ٥]، وقال مجاهد (٦): (ليست بمنسوخة؛ لأن قوله: ﴿وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا﴾ معناه: التهديد، كقوله: ﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا﴾ [المدثر: ١١]).

(١) ذكره الثعلبي ١٧٩ أ.
(٢) سبق تخريجه.
(٣) انظر: الطبري ٧/ ٢٣٤، والسمرقندي ١/ ٤٩٣، وابن الجوزي ٣/ ٦٦.
(٤) هذا قول قتادة في "ناسخه" ص ٤٢.
وأخرجه عبد الرزاق في التفسير، والطبري ٧/ ٢٣١، وابن أبي حاتم ٤/ ١٣١٧، والنحاس في "ناسخه" ٢/ ٣٢١، وابن الجوزي في "النواسخ" ص ٣٢٦ عنه من طرق جيدة، وذكره ابن الجوزي في "النواسخ" ص ٣٢٦، عن السدي، وهو قول ابن حزم في "ناسخه" ص ٣٧، وابن سلامة ص ٦٨، وأبي منصور البغدادي ص ١٠٢، وابن العربي ٢/ ٢١٢.
(٥) في النسخ: (اقتلوا)، وهو تحريف.
(٦) "تفسير مجاهد" ١/ ٢١٨، وأخرجه الطبري ٧/ ٢٣١، وابن أبي حاتم ٤/ ١٣١٧ من طرق جيدة، وهذا هو الظاهر، وإن كان النسخ جائزًا، لكن أكثرهم على أنه غير منسوخ؛ لأنه تهديد ووعيد للكفار، وليس هو بمعنى الإلزام، والمعنى: ذرهم فإن الله معاقبهم، وهو اختيار النحاس في "ناسخه" ٢/ ٣٢١، ومكي في "الإيضاح" ص ٢٤٤، وابن الجوزي في "النواسخ" ص ٣٢٦، ومصطفى زيد في "النسخ" ١/ ٤٨٠، وانظر: الطبري ٧/ ٢٣١، وابن عطية ٥/ ٢٢٧، والقرطبي ٧/ ١٧، وانظر: مفهوم النسخ عند السلف ص ٢٦٧.

صفحة رقم 219
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية