آيات من القرآن الكريم

وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ ۖ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ۖ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ
ﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯ ﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠ ﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽ ﭿﮀﮁﮂﮃﮄ

لكلمتي الأعمى والبصير. والمقام قد يتحمل ذلك وإن كان احتمال حقيقة العمى والإبصار فيه أقوى ورودا فيما روي على سبيل التمثيل والمقارنة.
تعليق على آية قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ
والآية متصلة بالسياق اتصال تعقيب وتوضيح كما هو المتبادر وضمير الجمع المخاطب فيها عائد إلى الكفار المشركين موضوع الآيات السابقة التي حكت مواقفهم وتحديهم ونددت بهم وأنذرتهم. وهي قوية رائعة نافذة في تقريرها طبيعة النبي ﷺ البشرية ومهمته التبشيرية والإنذارية وفي أمرها للنبي ﷺ بأن يقول إنه ليس ملكا، وليس عالما بالغيب وليس مالكا لخزائن الله وبأن ليس له إلّا أن يقف عند حدود ما يوحى إليه به. وقد سبق تقرير ذلك وأمر النبي ﷺ بقوله في سورتي الأعراف ويونس.
ولقد رأينا المفسر الخازن يقول في سياق تفسيره للآية إن النبي ﷺ إنما نفى عن نفسه ما نفاه تواضعا لله واعترافا بالعبودية له. وهو قول غريب، وقد غفل المفسر عن أن ما نفاه عن نفسه هو حقيقة منبثقة من طبيعة النبي البشرية التي قررها القرآن مرة بعد أخرى، وعن أن الله تعالى هو الذي أمره بقول ذلك، وليس الكلام من النبي مباشرة. وهذا لا يمنع من القول بأن موقف النبي ﷺ كان ولا شك رائعا أخاذا حينما نفذ أمر الله تعالى فأعلن للناس جميعهم المؤمنين منهم والمشركين على السواء ما أمر بنفيه عن نفسه.
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ٥١ الى ٥٥]
وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (٥١) وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (٥٢) وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (٥٣) وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥٤) وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ (٥٥)

صفحة رقم 94

(١) يخافون أن يحشروا إلى ربهم: يخافون يوم حشرهم إلى ربهم.
(٢) فتكون من الظالمين: فتكون من الجائرين في عملهم.
(٣) فتنّا بعضهم ببعض: جعلنا التفاوت بينهم اختبارا لمعرفة سلوكهم إزاء بعضهم.
(٤) ولتستبين سبيل المجرمين: قرئت سبيل بالرفع وبالنصب «١». ومعنى الجملة في الحالة الأولى (ولتظهر الطريق الذي يسلكه المجرمون) ومعنى الجملة في الحالة الثانية (ولتعرف أيها النبي السبيل الذي يسلكه المجرمون).
في الآية الأولى أمر رباني للنبي ﷺ بأن ينذر بالقرآن بنوع خاص الطبقة التي تخشى الله تعالى يوم الحشر وتؤمن بالرجوع إليه وتعترف بأنه ليس لها من دونه من ولي ولا شفيع، فهي التي يمكن أن تنتفع بالإنذار والموعظة وتتقي الله.
وفي الآية الثانية نهي رباني للنبي ﷺ عن طرد المؤمنين الذين يبتغون وجه الله ويتجهون إليه ويدعونه في الصباح والمساء فليس عليه حسابهم وليس عليهم حسابه، فإذا طردهم كان من الظالمين الجائرين.
وفي الآية الثالثة حكاية لموقف الكفار من المؤمنين وما كان في ذلك من اختبار رباني. فقد كان زعماء الكفار حينما يرون بعض الفقراء الأرقاء والضعفاء المسلمين ملتفين حول النبي ﷺ يتساءلون تساؤل المحتقر المستهزئ عما إذا كان هؤلاء هم الذين اختصهم الله برحمته من بينهم ومنّ عليهم بهدايته. وردّ عليهم بأن

(١) انظر تفسيرها في تفسير ابن كثير والطبري.

صفحة رقم 95

الله إنما جعل التفاوت بين الناس امتحانا ليعلم تصرفهم إزاء بعضهم وهو الأعلم بالصالحين للهداية الشاكرين لنعمة الله بها.
وفي الآية الرابعة أمر رباني للنبي ﷺ بالبرّ بالمؤمنين حينما يقبلون عليه فيحييهم ويبشرهم بأن ربهم آلى على نفسه بمقتضى صفة الرحمة التي اتصف بها أنه من عمل منهم عملا سيئا وهو جاهل ثم ندم عليه وتاب منه وعمل صالحا يكون موضع غفرانه ورحمته.
وفي الآية الخامسة تقرير رباني بأن الله تعالى يفصل الآيات حتى يعرف السبيل التي يختار سلوكها المجرمون بوضوح.
والآيات وحدة مترابطة الأجزاء، والآية الأخيرة التي جاءت بمثابة التعقيب قرينة على ذلك، وهي غير منقطعة عن السياق. فبعد أن جودل الكفار وأفحموا وأنذروا جاءت هذه الآيات ملتفتة إلى الذين آمنوا بالرسالة المحمدية لتقرر أنهم هم الذين يمكن أن ينتفعوا بالموعظة والإنذار القرآني لما ثبت من حسن نيتهم وصفاء نفوسهم وصدق رغبتهم في الاهتداء، ولتأمر النبي ﷺ بالتمسك بهم وإغداق عطفه عليهم وتبشيرهم برحمة الله وعفوه وبعدم المبالاة بموقف الكفار وبخاصة الزعماء منهم.
تعليق على الآية وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ والآيات الخمس التالية لها وما فيها من صور وتلقين
لقد روى المفسرون في صدد هذه الآيات روايات عديدة «١» جاء في بعضها أن زعماء الكفار كانوا إذا مروا بالنبي ﷺ وحوله فقراء المسلمين سخروا وقالوا هؤلاء الذين منّ الله عليهم من بيننا فهداهم. وفي بعضها أنهم طلبوا من النبي طردهم حتى يتبعوه أو طردهم إذا ما جلسوا إليه أو أرادوا الاجتماع به. وفي بعضها أن النبي صلى الله عليه وسلم

(١) الطبري أكثرهم استيعابا للروايات.

صفحة رقم 96

خطر بباله أن يستجيب إلى طلبهم وأن عمر بن الخطاب اقترح عليه ذلك ليظهر مدى موقف الزعماء وأن النبي همّ بأن يكتب لهم عهدا بذلك فأنزل الله الآيات.
وهناك رواية تذكر أن الذين طلبوا بعض هذه المطالب هم زعيما قبيلتي تميم وبني فزارة. وهناك رواية تذكر أن بعض أصحاب رسول الله ﷺ اقترفوا ذنوبا كبيرة فجاؤوا إلى النبي نادمين فلم يرد عليهم فأنزل الله الآية [٥٤] ومقتضى هذه الرواية أن هذه الآية نزلت لحدتها مع أنها منسجمة جدا بما قبلها وبعدها. على أن هناك حديثا ذكره مسلم عن سعد جاء فيه: «كنّا مع رسول الله ستة نفر فقال المشركون للنبي اطرد هؤلاء لا يجترئون علينا. وكنت أنا وابن مسعود ورجل من هذيل وبلال ورجلان نسيت اسميهما، فوقع في نفس رسول الله ما شاء الله وحدّث نفسه فأنزل الله عز وجل وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ... [٥٢] إلخ «١».
ومهما يكن من أمر فالآيات تنطوي على صورة من صور السيرة النبوية.
فكثير من الذين آمنوا في أول الأمر كانوا من الفقراء والمساكين، فكان زعماء الكفار يتخذونهم موضوع سخرية ويعدونهم مظهرا من مظاهر إخفاق النبي ﷺ في نشر دعوته. وكان بعضهم يتحججون بهم في عدم الاستجابة لئلا يكونوا معهم في مستوى واحد، ويطلبون من النبي ﷺ طردهم من مجلسه حينما يريدون أن يجتمعوا به أو يريد أن يجتمع بهم. ومضمون الآيات قد يلهم أن موقف زعماء الكفار كان يؤثر في نفس النبي ﷺ بعض الشيء، ويوجد فيه أملا في اهتداء زعماء الكفار ويجعله يتشاغل عن تلك الطبقة أو يهملها أو يفكر في إقصاء من يكون في مجلسه منها أحيانا انسياقا وراء هذا الأمل. فنبه في الآيات إلى ما في هذا من خطأ، كما عوتب على موقف مثل هذا الموقف في أوائل سورة عبس التي مرّ تفسيرها.
ولقد احتوت سورة الكهف آية فيها صراحة في هذا الباب وهي هذه:
وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ

(١) التاج ج ٥ ص ١٦٥.
الجزء الرابع من التفسير الحديث ٧

صفحة رقم 97
التفسير الحديث
عرض الكتاب
المؤلف
محمد عزة بن عبد الهادي دروزة
الناشر
دار إحياء الكتب العربية - القاهرة
سنة النشر
1383
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية