آيات من القرآن الكريم

وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ ۖ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ۖ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ
ﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽ ﭿﮀﮁﮂﮃﮄ

والظفر بالخير والنّعمة، وفقراء الصحابة كانوا يرون الكفار في سعة ورفاه، فيقولون: كيف حال هؤلاء الكفار، مع أنّا في هذه الشّدة والضيق؟!
بعض أحوال رحمة الله تعالى
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ٥٤ الى ٥٥]
وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥٤) وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ (٥٥)
الإعراب:
أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ بالفتح فيهما، تكون الأولى بدلا من الرَّحْمَةَ وهو بدل الشيء من الشيء، وهو هو، والرَّحْمَةَ: في موضع نصب بكتب. وتكون الثانية خبر مبتدأ محذوف، وتقديره: فأمره أنه غفور رحيم. ويجوز أن يجعل مبتدأ، ويقدّر لها خبر، تقديره: فله أنه غفور رحيم، أي: فله غفران ربّه.
ومن قرأ بالكسر فيهما فمن وجهين: أحدهما- أن كَتَبَ تؤول إلى قال، وتقديره:
قال: إنه من عمل. والثاني- على الاستئناف. والكسر بعد الفاء أقيس لأن ما بعد الفاء يجوز أن يقع فيه الاسم والفعل.
وَلِتَسْتَبِينَ الواو: عطف على فعل مقدر، وتقديره: ليفهموا ولتستبين سبيل المجرمين وسبيل المؤمنين، إلا أن الثاني حذف لأن فيما أبقى دليلا على ما ألقى، كقوله تعالى: سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ أي والبرد.
سَبِيلُ بالرفع فاعل. لِتَسْتَبِينَ ولا ضمير فيه، والتاء في الفعل لتأنيث السبيل لأنها مؤنثة، كما قال تعالى: قُلْ: هذِهِ سَبِيلِي. ومن قرأ بالياء جعل السبيل مذكّرا، كما قال تعالى:

صفحة رقم 217

المفردات اللغوية:
سَلامٌ عَلَيْكُمْ أي سلامة وبراءة من العيوب والآفات. والسّلام: من أسماء الله تعالى الدّالة على تنزيهه عما لا يليق به من النّقص والعجز والفناء. واستعمل السلام في التّحية، أي السلامة من كل ما يسوء وتأمينه من كلّ أذى، وهو شعار الإسلام، ودليل الودّ والصّفاء، وتحية الله تعالى وملائكته لأهل الجنة، وتحيتهم فيما بينهم.
كَتَبَ فرض وأوجب وقضى. أَنَّهُ ضمير الشأن. بِجَهالَةٍ سفه وخفة تقابل الحكمة والروية والتعقل. وَلِتَسْتَبِينَ تتضّح وتظهر. سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ طريق المجرمين الذين أجرموا في حقّ أنفسهم وارتكبوا الجرائم التي هي المخالفات الشرعية.
سبب النّزول:
قال عكرمة: نزلت في الذين نهى الله تعالى نبيّه صلّى الله عليه وسلّم عن طردهم، فكان إذا رآهم النّبي صلّى الله عليه وسلّم بدأهم بالسّلام، وقال: «الحمد لله الذي جعل في أمتي من أمرني أن أبدأهم بالسلام».
وقال ماهان الحنفي: أتى قوم النّبي صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: إنّا أصبنا ذنوبا عظاما، فما إخاله ردّ عليهم بشيء، فلما ذهبوا وتولوا، نزلت هذه الآية: وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا
«١».
المناسبة:
بعد أن نهى الله تعالى رسوله عن طرد المستضعفين، طمعا في إسلام الكبراء من قومه، أمره بأن يكرم جميع المسلمين بهذا النوع من الإكرام، وهو التّحية والسّلام والقبول بأمان وإعزاز.
التفسير والبيان:
وإذا جاءك أيها الرّسول الذين يؤمنون بالله ورسله ويصدقون بكتبه،

(١) أسباب النّزول للنّيسابوري ١٢٥، تفسير القرطبي: ٦/ ٤٣٥

صفحة رقم 218

تصديقا في القلب والعمل، سائلين عن ذنوبهم، هل لهم منها توبة، فقل لهم:
سَلامٌ عَلَيْكُمْ أي أمان من الله لكم من ذنوبكم أن يعاقبكم عليها بعد التوبة، وأكرمهم بتبليغ سلام الله إليهم، أو ابدأهم بالسّلام إكراما لهم وتطييبا لقلوبهم، وبشّرهم برحمة الله الواسعة الشاملة لهم.
ولهذا ذكر الله علّة ما سبق، فقال: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أي أوجبها على نفسه الكريمة، تفضّلا منه وإحسانا وامتنانا.
وقد جمعت في تفسير الآية: سَلامٌ عَلَيْكُمْ بين السّببين اللذين ذكرا في سبب نزولها كما تقدّم، قال بعضهم: نزلت في قوم أقدموا على ذنوب، ثم جاءوه صلّى الله عليه وسلّم مظهرين للندامة والأسف، فنزلت هذه الآية فيهم.
وقال بعضهم: نزلت في أهل الصّفّة الذين سأل المشركون الرّسول صلّى الله عليه وسلّم طردهم وإبعادهم، فأكرمهم الله بهذا الإكرام.
قال الرّازي: والأقرب من هذه الأقاويل أن تحمل هذه الآية على عمومها، فكلّ من آمن بالله، دخل تحت هذا التّشريف «١».
ثم أبان الله تعالى طريق قبول التوبة فقال: أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً أي إنه من ارتكب منكم ذنبا أو خطيئة بجهالة كغضب شديد أو شهوة جامحة أو سفه وخفة غير مقدر سوء العاقبة أو من غير قصد، ثم تاب مخلصا لله في توبته، ورجع عن ذلك الذّنب وندم، وأصرّ على عدم العودة إليه في المستقبل، وأصلح عمله، وأتبع السّيئة بالحسنة لمحو أثرها، فشأنه تعالى في معاملته أنه يغفر له ذنبه، لأنه واسع المغفرة والرّحمة. ونظير الآية قوله تعالى: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ، ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ [النساء ٤/ ١٧]. قال بعض

(١) تفسير الرّازي: ١٣/ ٢

صفحة رقم 219

السّلف: كلّ من عصى الله فهو جاهل. وقال الحكم بن أبان بن عكرمة: الدّنيا كلّها جهالة.
وخلاصة شروط التوبة الصادقة أربعة: النّدم الحقيقي على الذّنب، والعزم على عدم العود إليه مستقبلا، وردّ المظالم إلى أهلها، وإتباعها بالعمل الصالح.
ثم أبدى الله سبحانه وتعالى تفضّلا منه طريقه في البيان وهو تفصيل آيات القرآن لمعرفة مناهج الطاعة والبعد عن مسلك أهل الاجرام فقال: وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ.
والمعنى: ومثل ذلك التّفصيل البيّن البديع لدلائل التّوحيد والنّبوة والقضاء والقدر، نفصّل آيات القرآن وحقائق الشريعة، وتقرير كلّ حقّ ينكره أهل الباطل، ليتّضح للمؤمنين طريق المجرمين، وإذا اتّضح سبيلهم كان كلّ ما عداه وما خالفه هو سبيل المؤمنين، وذكر أحد القسمين يدلّ على الثاني، كقوله تعالى:
سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ [النحل ١٦/ ٨١] ولم يذكر البرد، ولأن بيان خاصية أحد الضّدين يدلّ ضمنا على خاصية القسم الآخر، فمتى استبانت طريقة المجرمين فقد استبانت طريقة أهل الحقّ والإيمان أيضا لا محالة.
فقه الحياة أو الأحكام:
تدلّ الآيتان على ما يلي:
١- إكرام الله للمستضعفين الذين نهى الله نبيّه صلّى الله عليه وسلّم عن طردهم، فكان إذا رآهم بدأهم بالسّلام.
ويستفاد منه احترام الصّالحين واجتناب ما يغضبهم أو يؤذيهم، فإن في ذلك غضب الله، أي حلول عقابه بمن آذى أحدا من أوليائه.
٢- إمكان قبول التوبة من الله على عباده الذين وقعوا في الذّنوب، ثمّ تابوا

صفحة رقم 220
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية
وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ومن نصب سبيل كانت التاء للخطاب، وهو مفعول به.