آيات من القرآن الكريم

۞ قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ۖ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۖ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ ۖ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ۖ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ۖ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ
ﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁ

فأما معنى ﴿هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ﴾ فقال الزجاج: (هاتوا شهداءكم [وقربوا شهداءكم]) (١) (٢)، وهذه الكلمة تستعمل تارة بمعنى دعاء المخاطب كقولك: هلم إليّ، أي: ادن مني وتعال، وتارة تستعمل بمعنى التعدية كقولك: هلم الطعام والشراب، وبالمعنيين ورد القرآن قال الله تعالى: ﴿وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا﴾ [الأحزاب: ١٨]. وقال في هذه الآية: ﴿هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ﴾، فإذا كان بمعنى التعدية فاشتقاقه من اللم الذي هو الجمع، وإذا (٣) كان بمعنى دعاء المخاطب فاشتقاقه من اللمم بمعنى: الدنو (٤).
١٥١ - قوله تعالى: ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ﴾ قال الزجاج (٥) وابن الأنباري (٦): (موضع (ما) نصب بـ (أتْل)، أي: اتل الذي حرمه ربكم).
قال أبو إسحاق: (ويكون ﴿أَلَّا تُشْرِكُوا﴾ منصوبة بمعنى طرح اللام، أي: أبيّن لكم الحرام لئلا تشركوا به شيئًا؛ لأنهم إذا حرموا ما أحل الله عز وجل فقد جعلوا غير الله في القبول منه بمنزلة الله جل وعز فصاروا بذلك مشركين.

(١) لفظ: (وقربوا شهداءكم) ساقط من (ش).
(٢) "معاني الزجاج" ٢/ ٣٠٣.
(٣) في (ش): (فإذا).
(٤) انظر: "الصحاح" ٥/ ٢٠٦٠، و"المجمل" ٤/ ٩٠٧، و"المفردات" ص ٨٤٤، و"اللسان" ٨/ ٤٦٩٤ (هلم)، وقال السمين في "الدر" ٥/ ٢١٣: (هلم تكون متعدية بمعنى أَحْضر، ولازمة بمعنى أقبل، فمن جعلها متعدية أخذها من اللمِّ وهو الجمع، ومن جعلها قاصرة أخذها من اللمَمِ وهو الدنو والقرب) اهـ.
(٥) "معاني الزجاج" ٢/ ٣٠٣.
(٦) لم أقف عليه.

صفحة رقم 522

قال: ويجوز أن يكون ﴿أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ﴾ (١) محمولًا على المعنى، فيكون أتلو عليكم ألا تشركوا [والمعنى: أتلو عليكم تحريم الشرك، قال: وجائز أن يكون على معنى أوصيكم ألاّ تشركوا (٢)] به شيئًا؛ لأن قوله: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ محمول على معنى: أوصيكم بالوالدين إحسانًا) (٣).
قال أبو بكر: (وقال آخرون: موضع أن نصب بعلى على (٤) معنى الإغراء، والكلام انقطع عند قوله: ﴿أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ﴾ والابتداء ﴿عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا﴾ كما قال تعالى: ﴿عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ﴾ [المائدة: ١٠٥] قال: ويجوز أن يكون أن في موضع رفع بعلى، كما تقول: عليكم الصيام والحج) (٥).
وأما موضع (تشركوا) فذكر الفراء فيه قولين: (أحدهما: وهو الظاهر أنه نصب بأن، ويجوز أن يكون في موضع جزم بلا على النهي كقولك: أمرتك ألا تذهبَ إلى زيد بالنصب وأن لا تذهبْ بالجزم، كما قال الله تعالى ﴿قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ﴾ [الأنعام: ١٤] فنصب أوله، ونهى في آخره. قال: والجزم في هذه الآية أحب إليّ لقوله: ﴿وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ﴾ [الأنعام: ١٥٢] وأمّا ما نسقته على ﴿أَلَّا تُشْرِكُوا﴾

(١) في (ش): ﴿أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾.
(٢) ما بين المعقوفين ساقط من (ش).
(٣) "معاني الزجاج" ٢/ ٣٠٤.
(٤) في (ش): (نصب بمعنى على معنى)، وهو تحريف.
(٥) ذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ١٣٨، وابن الجوزي في "زاد المسير" ٣/ ١٤٧، والسمين في "الدر" ٥/ ٢١٦ - ٢١٧، واستبعد أبو حيان في "البحر" ٤/ ٢٥٠، والسمين في "الدر" ٥/ ٢١٧، النصب على الإغراء قال السمين: (هذا ضعيف لتفكك التركيب عن ظاهره، ولأنه لا يتبادر إلى الذهن) اهـ.

صفحة رقم 523

من قوله: ﴿تَقْرَبُوا﴾ و ﴿تَقْتُلُوا﴾ [الأنعام: ١٥١] فجائز أن يكون نصبًا وجزمًا على ما ذكرنا، وجائز أن يخالف بينهن فتحكم على بعض بالنصب، وعلى بعض بالجزم) (١).
وقوله تعالى: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ قد ذكرنا [أنه على] (٢) معنى: أوصيكم ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ وقال أبو بكر: (التقدير: أن لا تشركوا به شيئًا وأن تفعلوا ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ فحذف الفعل لوضوح معناه) (٣).
وقوله تعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ﴾ قال ابن عباس: (يريد: مخافة الفقر) (٤).
وقال الزجاج: (أي: من فقر، أي: من خوف فقر) (٥)، وقد صرح

(١) انظر: "معاني الفراء" ١/ ٣٦٤، و"تفسير الطبري" ٨/ ٨١، ٨٢، و"إعراب النحاس" ١/ ١٩١، و"المشكل" ١/ ٢٧٧، و"غرائب التفسير" ١/ ٣٩١، و"البيان" ١/ ٣٤٩، و"التبيان" ١/ ٣٦٤، و"الفريد" ٢/ ٢٤٨، وأطال السمين في "الدر" ٥/ ٢١٣ - ٢١٨: في إعراب هذه الآية، وذكر في (ما) ثلاثة أوجه: وفي محل (أن لا تشركوا) ثلاثة أوجه، الجر من وجه واحد، والرفع من ثلاثة أوجه، والنصب من ستة أوجه.
(٢) لفظ: (أنه على) ساقط من (ش).
(٣) لم أقف عليه. وانظر: "المشكل" ١/ ١٠٢، و"البيان" ١/ ٨٤.
(٤) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٨/ ٨٢، وابن أبي حاتم ٥/ ١٤١٤ بسند جيد، وذكره السيوطي في "الدر" ٤/ ١٠٣، وهو في "مسائل نافع بن الأزرق" ص ١١٥، و"تنوير المقباس" ٢/ ٧٣، وأخرج أبو عبيد في "اللغات" ص ٩٨، وابن حسنون ص ٢٤، و"الوزان" ص ٣/ ب بسند جيد عن ابن عباس قال: (يعني: من جوع بلغة لخم) اهـ.
(٥) "معاني الزجاج" ٢/ ٣٠٤، ونحوه في "غريب القرآن" لليزيدي ص ١٤٣، و"تفسير غريب القرآن" ص ١٦٣، و"تفسير المشكل" ص ٨١، وقال الطبري في "تفسيره" ٨/ ٨٢: (الإملاق: مصدر من قول القائل: أملقت من الزاد، فأنا أملق إملاقًا. وذلك إذا فني زاده وذهب ماله، وأفلس) ا. هـ، وانظر: "مجاز القرآن" ١/ ٢٠٨.

صفحة رقم 524

بذكر الخوف (١) في قوله: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ﴾ [الإسراء: ٣١]، وهذا في النهي عن [الوأد] (٢) كانوا يدفنون البنات أحياء، بعضهم للغيرة، وبعضهم خوف الفقر، فضمن الله (٣) لهم الرزق. وقال: ﴿نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ﴾ [الإسراء: ٣١] قال شمر: (أمْلق لازم ومتعدٍّ، يقال: أَمْلَق الرجلُ فهو مُملق إذا افتقر، فهذا لازم، وأملق الدَّهرُ ما بيده إذا أفسده، والإملاق: الإفساد) (٤).
وقال ابن شميل أيضًا: (ومنه قول أوس بن حجر:

وَلَمَّا رَأَيْتُ الْعُدْمَ قَيَّدَ نَائِلي وَأَمْلَقَ ما عِندي خُطُوبٌ تَنَبَّلُ (٥)
[أي: تذهب بالمال تَنَبلَّتْ بما عندي، أي: ذهبت به (٦)].
(١) قال في الأنعام: ﴿مِنْ إِمْلَاقٍ﴾ لأنه فقر واقع. وفي الإسراء: ﴿خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ﴾؛ لأنه فقر متوقع. انظر: "ملاك التأويل" ١/ ٣٥٣، و"فتح الرحمن" ص ١٨١.
(٢) في (ش): (الولد)، وهو تحريف.
(٣) لفظ: (الله) ساقط من (أ).
(٤) "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٤٤٨، والظاهر من إيراد الأزهري أن البيت من كلام شمر وليس من كلام ابن شميل، وأيضًا قوله: (والإملاق: الإفساد) من قول ابن شميل، وانظر: في معنى الإملاق، و"إصلاح المنطق" ص ٤٦، ٢٧٥، و"الجمهرة" ٢/ ٩٧٥، و"الصحاح" ٤/ ١٥٥٦، و"المجمل" ٣/ ٨٤٠، و"اللسان" ٧/ ٤٢٦٥ (ملق).
(٥) "ديوانه" ص ٩٤، و"تهذيب اللغة" ٤/ ٣٤٤٨، و"اللسان" ٧/ ٤٢٦٥ مادة (ملق)، و"الدر المصون" ٥/ ٢١٨، والعُدْم -بضم فسكون-: فقدان الشيء وذهابه، والفقر، وغلب على فقد المال وقلته. انظر: "اللسان" ٥/ ٢٨٤٨ مادة (عدم)، والخطوب: بالضم جمع خطب بفتح فسكون، وهو الشأن والأمر. انظر: "اللسان" ٢/ ١١٩٤ (خطب)، وتنبل: بالفتح تأخذ الأنبل. انظر: "اللسان" ٧/ ٤٣٣٠ (نبل).
(٦) ما بين المعقوفين ساقط من (أ)، وملحق بالهامش.

صفحة رقم 525

وقوله تعالى: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ﴾ قال ابن عباس: (كانوا يكرهون أن يزنوا علانية فيفعلون ذلك سرًا فنهاهم الله عن الزنا سرًا وعلانية) (١).
وقوله تعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ قال: (إلا بالقود يريد: القصاص) (٢).
وقوله تعالى: ﴿ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ﴾ قال الزجاج: (هذا يدل على أن معنى ﴿وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ محمول على معنى: وصاكم بأن لا تشركوا) (٣).

(١) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٨/ ٨٣، وابن أبي حاتم ٥/ ١٤١٦ بسند جيد، وذكره السيوطي في "الدر" ٣/ ١٠٤، وهذا من باب التمثيل، والآية عامة، وهو اختيار الجمهور، وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما كما في "الدر المنثور" ٣/ ١٠٤، وقال ابن عطية في "تفسيره" ٥/ ٣٩٤: (الآية نهي عام عن جميع أنواع الفواحش وهي المعاصي، وظهر وبطن حالتان تستوفيان أقسام ما جعلت له من الأشياء، وذهب بعضهم إلى تخصيص لا تقوم عليه حجة، بل هو دعوى مجردة) ا. هـ. ملخصًا. وانظر: "تفسير الطبري" ٨/ ٨٣، والرازي ١٣/ ٢٣٣، والقرطبي ٧/ ١٣٣.
(٢) (قال) كذا في "النسخ"، والمراد ابن عباس رضي الله عنهما، كما ذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ١٣٩، وفي "تنوير المقباس" ٢/ ٧٣: (﴿إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ بالعدل يعني: بالقود والرجم والارتداد) ا. هـ، ولعل ما ذكره الواحدي من باب التمثيل لبعض ما أباح الشارع به قتل النفس، فهذه الآية نهي عن قتل النفس المحرمة مؤمنة كانت أو معاهدة إلا بالحق الذي يوجب قتلها، وقد بينته الشريعة ومنها الردة، وقتل النفس، والزنا بعد الإحصان والحرابة، انظر: "تفسير الطبري" ٨/ ٨٤، والبغوي ٣/ ٢٠٣، وابن عطية ٥/ ٣٩٥، والقرطبي ٧/ ١٣٣، وابن كثير ٢/ ٢١١.
(٣) انظر: "معاني الزجاج" ٢/ ٣٠٤، وانظر: "أضواء البيان" ٢/ ٢٧٧ - ٢٧٨، وفيه رجح هذا الوجه.

صفحة رقم 526

قوله تعالى: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [الأنعام: ١٥٢] قال عطاء، عن ابن عباس (يريد: إن كنت له وصيًا فأصلحت في ماله وقمت لله في ضيعته (١) أكلت بالمعروف إن احتجت إليه، وإن كنت غنيًا عنه فعفّ عن أكله، وقد قال في سورة البقرة: ﴿فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ﴾ الآية [البقرة: ٢٢٠]) (٢). وقال الضحاك: (هو أن يبتغي له فيه من فضل الله ولا يأخذ من ربحه شيئًا) (٣).
وقال (٤) مجاهد: (هو التجارة فيه) (٥). قال أبو إسحاق: (﴿الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ حفظ ماله عليه وتثميره بما يوجد السبيل إليه) (٦). وهو قول السدي قال: (التي هي أحسن التثمير له) (٧).

(١) الضَّيْعة، بفتح فسكون: الحرفة، والصناعة، والمال، وسياسة الإبل والغنم. انظر: "اللسان" ٥/ ٢٦٢٤ (ضيع).
(٢) ذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ١٤٠، وفي "تنوير المقباس" ٣/ ٧٣، و"زاد المسير" ٣/ ١٤٩، نحوه عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(٣) أخرجه الطبري ٨/ ٨٤، وابن أبي حاتم ٥/ ١٤١٩، بسند ضعيف، وذكره الثعلبي في "الكشف" ١٨٦ أ، والماوردي في "تفسيره" ٢/ ١٨٧، والبغوي ٣/ ٢٠٤.
(٤) في (أ): (وهو مجاهد هو التجارة فيه)، وفي (ش): (وقال مجاهد هو من التجارة فيه).
(٥) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٨/ ٨٤ بسند جيد، وذكره النحاس في "معانيه" ٢/ ٥١٧، والثعلبي في "تفسيره" ١٨٦ أ، والماوردي ٢/ ١٨٧، والبغوي ٣/ ٢٠٣ - ٣٠٤.
(٦) "معاني الزجاج" ٢/ ٣٠٥، وفيه (بما يوجد إليه السبيل).
(٧) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٨/ ٨٤ بسند جيد، وذكره ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٥/ ١٤١٩، ورجح هذا القول الطبري في "تفسيره" ٨/ ٨٤، والبغوي ٣/ ٢٠٣، وابن عطية ٥/ ٣٩٦، وقال القرطبي في "تفسيره" ٧/ ١٣٤ في تفسير الآية: (أي: بما فيه صلاحه وتثميره، وذلك بحفظ أصوله وتثمير فروعه، وهذا أحسن الأقوال =

صفحة رقم 527

وقوله تعالى: ﴿حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ﴾ قال (١): (حتى محمولة على المعنى أي: احفظوه عليه حتى يبلغ أشده، فإذا بلغ أشده فادفعوا إليه ماله)، وأما معنى الأشد وتفسيره (٢) فقال الليث: (الأشُدُّ: مبلغ الرجل الحُنكة (٣) والمعرفة) (٤)، وقال أبو عبيد (٥): (قال الفراء: الأشُد واحدها شَدٌّ في القياس، ولم أسمع لها بواحد، وأنشد:

قد سادَ وَهْو فَتًى حَتَّى إذا بَلَغَتْ أَشُدُّه وعَلا في الأَمْرِ واجْتَمَعَا) (٦)
وقال أبو الهيثم: (واحدة الأشد: شِدَّة، كما أن واحدة الأَنعُم: نِعْمَة، والشِّدة: القوة والجلادة، والشديد: الرجل القوي، قال: وكأن
= في هذا، فإنه جامع) اهـ.
(١) كذا في "النسخ" والمراد الزجاج حيث جاء النص في "معانيه" ٢/ ٣٠٥.
(٢) انظر: "العين" ٦/ ٢١٣، و"الجمهرة" ١/ ١١١، و"الصحاح" ٢/ ٤٩٣، و"المجمل" ٢/ ٥٠٠، و"المفردات" ص ٤٤٨ (شد).
(٣) في (ش): (الحركة)، وهو تحريف.
(٤) "تهذيب اللغة" ٢/ ١٨٤٣.
(٥) "تهذيب اللغة" ٢/ ١٨٤٣، ولم أقف عليه في "معاني الفراء" بعد طول بحث، وهو في "الغريب المصنف" لأبي عبيد ١/ ٣٧٩، من قوله دون ذكر الفراء، وكذا في "المخصص" ١/ ٤١، وحكى ثعلب في "مجالسه" ٢/ ٥٤٠ عن الفراء قال: (أشده: جمع شَدّ) ا. هـ. وهو في الجميع بفتح الشين، وقال أبو عبيدة في "مجاز القرآن" ٢/ ٩٩: (هو موضع جميع لا واحد له من لفظه، وقال الفراء والكسائي: واحد الأشد: شد. على فُعل وأفعل مثل بحر وأبحر، وأشد مضعف مشدد) ا. هـ. وانظر: ١/ ٣٠٥، ١/ ٣٧٨، و"تفسير الطبري" ٨/ ٨٥.
(٦) الشاهد لعدي بن الرقاع في "الغريب المصنف" ١/ ٣٧٩، و"الأفعال" لأبي عثمان السرقسطي ٢/ ٣٣٢، و"المخصص" ١/ ٤١، وبلا نسبة في: "تهذيب اللغة" ٢/ ١٨٤٣، و"اللسان" ٤/ ٢٢١٥ (شدد)، و"الدر المصون" ٥/ ٢٢١، ولم أقف عليه في "ديوانه" المطبوع.

صفحة رقم 528

الهاء في النعمة والشدة لم تكن في الحرف إذ (١) كانت زائدة وكأن الأصل نِعمٌ وشِدٌ فجمعا على أفعل (٢) كما قالوا: رِجل وأرْجلُ، وقِدح وأقْدُح، وضِرس وأضْرُس).
وحكى ابن الأنباري: (عن بعض أهل اللغة: (٣) أن الأشد اسم واحد، ولا واحد له بمنزلة الآنك (٤) وذكر عن جماعة (٥) من البصريين: أن واحده: شُدّ بضم الشين مثل قولك: هو وُدّى (٦) وهم أَوُدِّى).
قال الأزهري: (وبلوغ الأشد يكون من وقت بلوغ الإنسان مبلغ الرجال وإدراكه إلى أربعين سنة، فبلوغ الأشد [محصور الأول] (٧) محصور النهاية غير محصور ما بين ذلك، قال الله تعالى: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ

(١) في (ش): (إذا كانت).
(٢) انظر: "الكتاب" ٤/ ٢٤٥، وفي "الخصائص" ١/ ٨٦، حكى عن سيبويه (أنه جمع شِدة بالكسر)، وهو قول أبي زيد في "النوادر" ص ٥٤، وانظر: "تفسير المشكل" لمكي ص ١١٢ - ١١٣.
(٣) في "المذكر والمؤنث" لابن الأنباري ١/ ٥٩٧ - ٥٩٨: (قال الفراء: أهل البصرة يزعمون أن الأشد اسم واحد مثل الآنك..)، وقال أبو حيان في "البحر" ٤/ ٢٥٣: (اختار ابن الأنباري في آخرين أنه مفرد لا جمع له وليس بمختار لفقدان أفعل في المفردات وضعًا) ا. هـ.
(٤) يعني: أنه مفرد لا جمع، والآنك: بالمد وضم النون: الرصاص القلعي، أو خالصه، والقزدير. انظر: "تفسير الطبري" ٨/ ٨٥، و"اللسان" ١/ ١٥٤ (أنك).
(٥) في "المذكر والمؤنث" ١/ ٥٩٧، حكاه عن يونس بن حبيب الضبي فقط، وانظر: "تفسير الغريب" لابن قتيبة ص ٢١٥، و"نزهة القلوب" ص ٧٨.
(٦) عند ابن الأنباري في "المذكر والمؤنث" ١/ ٥٩٧: (بمنزلة قولهم: الرجل وُدّ والرجال أُودّ) ا. هـ. وفي "اللسان" ٨/ ٤٧٩٣ (ودد). (الود: الحب يكون في جميع مداخل الخير) ا. هـ.
(٧) لفظ: (محصور الأول) ساقط من (ش).

صفحة رقم 529

أَرْبَعِينَ سَنَةً} [الأحقاف: ١٥] (١)، وفسر بلوغ الأشد في هذه الآية بالاحتلام في قول يحيى (٢) بن يعمر (٣) والسدي (٤).
وقال أبو إسحاق: (وبلوغ أشده أن يونس منه الرشدَ مع أن يكون بالغًا وحينئذ يجب دفع المال إليه) (٥)، وقد ذكرنا هذا الفصل مستقصى في أول سورة النساء.

(١) انظر: "تهذيب اللغة" ٢/ ١٨٤٣، وانظر: "معاني الفراء" ٣/ ٥٢، و"تفسير غريب القرآن" ص ٢٥٤.
(٢) يحيى بن يَعْمَر العَدْواني: أبو سليمان البصري قاضي مرو، إمام تابعي ثقة، فقيه مقرئ، نحوي أديب فصيح عالم باللغة، يقال: إنه أول من نقط المصاحف، مات قبل المائة، وقيل بعدها.
انظر: "معجم الأدباء" ٢٠/ ٤٢، و"سير أعلام النبلاء" ٤/ ٤٤١، و"غاية النهاية" ٢/ ٣٨١، و"تهذيب التهذيب" ٤/ ٤٠١.
(٣) ذكره الثعلبي في "الكشف" ١٨٦ أ، وابن الجوزي في "زاد المسير" ٣/ ١٥٠، وأبو حيان في "البحر" ٤/ ٢٥٢.
(٤) أخرج الطبري في "تفسيره" ٨/ ٥٨، بسند جيد عن السدي قال: (الأشد: ثلاثون سنة، ثم جاء بعدها ﴿حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ﴾) [النساء: ٦]، وذكره ابن الجوزي في "تفسيره" ٣/ ١٥٠، وقال: (فكأنه يشير إلى النسخ) ا. هـ. وعليه يكون المراد: الاحتلام، والله أعلم.
(٥) "معاني الزجاج" ٢/ ٣٠٥، ورجح هذا القول ابن عطية في تفسيره ٥/ ٣٩٧، وقال: (هذا أصح الأقوال وأليقها بهذا الموضع) ا. هـ وقال السمين في "الدر" ٥/ ٢٢١: (المراد ببلوغ الأشد بلوغ الحلم في قول الأكثر؛ لأنه مظنة ذلك) ا. هـ ورجحه ابن الجوزي في "زاد المسير" ٣/ ١٥٠، والظاهر، أن بلوغ الأشد في اليتيم مقيد بالبلوغ مع الرشد وزوال السفه، وأكثر أهل العلم على أن سن البلوغ خمس عشرة سنة. انظر: "تفسير القرطبي" ٧/ ١٣٤ - ١٣٦، وابن كثير ٢/ ٢١٢، والشنقيطي ٢/ ٢٧٩.

صفحة رقم 530

وقوله تعالى: ﴿وَأَوْفُوا الْكَيْلَ﴾ كل شيء بلغ تمام الكمال فقد وفي وتم يقال: درهم وافٍ، وكيل وافٍ، وأوفيته حقه ووفيته إذا تممته (١)، وأوفى الكيل، أي: أتمه ولم ينقص منه شيئًا (٢).
وقوله تعالى: ﴿وَالْمِيزَانَ﴾ أي: وزن الميزان والوزن به؛ لأن المراد إتمام (٣) الوزن لا إتمام الميزان (٤)، كما أنه قال: ﴿وَأَوْفُوا الْكَيْلَ﴾، ولم يقل: المكيال، فهو من باب حذف المضاف (٥).
وقوله تعالى: ﴿بِالْقِسْطِ﴾ أي: بالعدل لا بخس ولا شطط (٦).

(١) لعله: (إذا أتممته) كما في تفسير الرازي ١٣/ ٢٣٤، فقد نقل نص الواحدي بدون نسبه.
(٢) هذا من تهذيب اللغة ٤/ ٣٩٢٤، وانظر: الصحاح ٨/ ٤٨٨٥، و"اللسان" ١٥/ ٣٩٨، و"وَفَى".
(٣) في (ش): (لأن المراد تمام الوزن).
(٤) الميزان: اسم آلة، وأصله مصدر ثم أطلق على الآلة. انظر: "الجمهرة" ٢/ ٨٣٠، و"تهذيب اللغة" ٤/ ٣٨٨٦، و"الصحاح" ٦/ ٢٢١٣، و"المجمل" ٤/ ٩٢٤، و"المفردات" ٨٦٨، و"اللسان" ٨/ ٤٨٢٨ (وزن).
(٥) قال العكبري في "التبيان" ٣٦٤: (والكيل: هاهنا مصدر في معنى المكيل، والميزان كذلك، ويجوز أن يكون فيه حذف مضاف تقديره: مكيل الكيل، وموزون الميزان) ا. هـ، وذكر قول الواحدي والعكبري، السمين في الدر ٥/ ٢٢١ - ٢٢٢، وقال: (ولا حاجة إلى ما ادعاه من وقوع المصدر موقع اسم المفعول، ولا من تقدير المضاف؛ لأن المعنى صحيح بدونهما، وأيضاً فميزان ليس مصدرًا إلا أن يعضد قوله ما قاله الواحدي، والظاهر عدم الاحتياج إلى ذلك، وكأنه لم يعرف أن الكيل يُطلق على نفس المكيال حتى يقول: "ولم يقل المكيال"، والكيل والميزان: هما الآلة التي يكال بها ويوزن، وأصل الكيل المصدر، ثم أطلق على الآلة، والميزان مفعال من الوزن لهذه الآلة..) ا. هـ. ملخصًا.
(٦) انظر: "تفسير الطبري" ٨/ ٨٦، والسمرقندي ١/ ٥٢٤.

صفحة رقم 531

وقوله تعالى: ﴿لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ قال عطاء عن ابن عباس: (يريد: قد علمت ما أحل لك، وحرم عليك، فكما تحب أن يوفيك من تشتري منه، فأوف من تبيع منه) (١)، قال أصحاب المعاني: (أمر الله تعالى المعطي بإيفاء ذي الحق حقه الذي هو له من غير زيادة، وأمر صاحب الحق بأخذ حقه من غير نقصان، فلم يكلف نفسًا إلا ما يسعها ولا يضيق (٢) عنها، فلو كلف المعطي الزيادة لضاقت نفسه عنها، وكذلك لو كلف الآخد الرضى بالنقصان) (٣).
وقوله تعالى: ﴿وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا﴾، قال ابن عباس: (يريد: إذا شهدتم أو تكلمتم فقولوا الحق) (٤)، ﴿وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى﴾ (يريد: (٥) ولدك وقرابتك أو من تحب فقل الحق واشهد به)، وهذا محذوف الاسم (٦)، قال الزجاج: (ولو كان المشهود له وعليه ذا قربى) (٧)، ومثله في المائدة: ﴿لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى﴾ [المائدة: ١٠٦].

(١) لم أقف عليه. وأخرج ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٥/ ١٤٢٠، بسند جيد عن ابن عباس في الآية قال: (هم المؤمنون وسع الله عليهم أمر دينهم فقال: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: ٧٨]) اهـ.
(٢) في (أ): (تضيق) بالتاء.
(٣) هذا قول الطبري في "تفسيره" ٨/ ٨٦، وذكره الثعلبي في الكشف ص ١٨٦/ أ، عن أهل المعاني وهذا يدل على أن الطبري من أهل المعاني عند الثعلبي والواحدي حيث لم أجد هذا المعنى عند أحد من أهل المعاني فيما لدي من مراجع.
(٤) ذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ١٤١.
(٥) كأنه من قول ابن عباس حسب السياق، وفي "تنوير المقباس" ٢/ ٧٤ نحوه.
(٦) أي اسم كان مستتر تقديره: هو، أي: المقول فيه. انظر: "الدر المصون" ٥/ ٢٢٢.
(٧) "معاني الزجاج" ٢/ ٢٠٥، وفيه: (أي: إذا شهدتم أو حكمتم فاعدلوا، ولو كان المشهود عليه أو له ذا قربى) ا. هـ.

صفحة رقم 532

وقوله تعالى: ﴿وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا﴾، ذكرنا معنى الوفاء بالعهد عند قوله: ﴿وَأَوْفُوا بِعَهْدِي﴾ [البقرة: ٤٠].
وقوله تعالى: ﴿ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾، أي: ذلك الذي تقدم من ذكر مال اليتيم، وأن لا يقرب إلا بالتي هي أحسن، وإيفاء الكيل والوزن، واجتناب البخس، والتطفيف فيهما، وتحري الحق على مقدار الطاقة والاجتهاد، وهو معنى قوله: ﴿لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ والقول بالقسط والحق ولو كان المقول فيه ذا قربى، والوفاء بالعهد لينجز (١) ما وعد عليه من قوله: ﴿وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [الفتح: ١٠] هذا كله مما وصى به ليتذكروه (٢)، ويأخذوا به فلا يطرحوه (٣)، وتذكر مطاوع ذكر (٤) تقول: ذكرته فتذكر، كما أن تفاعل مطاوع فاعل، والتذكر يستعمل في أشياء متكررة تتذكر وقتًا بعد وقت، وحالًا بعد حال، كالذي في هذه الآية فإنه أمر بأخذ بعد أخذ، ووقت (٥) بعد وقت. و (تذكرون) إنما هو تتذكرون (٦) مخفف بالإدغام لاجتماع (٧) المتقاربة.

(١) في (أ): (لتنجز) بالتاء.
(٢) في (أ): (لتتذكروه وتأخذوا به).
(٣) في (ش): (فلا يطرحوا)، وفي (أ): (فلا تطرحوه). وما ذكره هو نص كلام أبي علي في "الحجة" ٣/ ٤٢٨.
(٤) في (ش): (ذَكّره).
(٥) في النسخ (ووقتًا) وأصل النص من "الحجة" ٣/ ٤٢٧ - ٤٢٨، وأشار المحقق في الهامش إلى ورود (ووقتًا). في بعض النسخ.
(٦) في (ش): (يذكرون إنما هو يتذكرون)، بالتاء.
(٧) يعني اجتماع المتقارب وهو التاء والذال.

صفحة رقم 533
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية