
كذبوا رسلهم كما كذبك قومك. وإنما كذبهم الله لأنهم قالوا ذلك على وجه السخرية لا على وجه التحقيق كما قال المنافقون: نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ الله فكذبهم الله في مقالتهم، لأنهم قالوا على وجه السخرية.
ثم قال: حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا يعني: الأمم الخالية أتاهم عذابنا فهذا تهديد لهم ليعتبروا.
ثم قال: قُلْ يا محمد لهم قل: هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ يعني: بيان من الله فَتُخْرِجُوهُ لَنا فبينوه لنا بتحريم هذه الأشياء التي كانوا يحرمونها، ثم بيّن الله أنهم قالوا ذلك بغير حجة وبيان فقال: إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ يعني: ما تقولون إلا بالظن من غير يقين وعلم وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ يعني: قل لهم ما أنتم إلا تكذبون على الله.
قوله تعالى: قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ يعني: الحجة الوثيقة وهو محمد عليه السلام والقرآن. فبيّن لهم ما أحلّ لهم وما حرم عليهم فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ يعني: لو شاء لوفَّقكم لدينه، وأكرمكم بالهدى لو كنتم أهلاً للإسلام، ولكن لم يوفقهم لأنهم لم يجاهدوا فِى الله حَقَّ جهاده قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هذا عليكم فَإِنْ شَهِدُوا على تحريمه فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ فأخبر الله أنهم لو شهدوا، كانت شهادتهم باطلة، ولا يجوز قبول شهادتهم، لأنهم يقولون بأهوائهم.
ثم قال: وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا يعني: بمحمد ﷺ وبالقرآن وَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يعني: البعث وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ يعني يشركون بالله.
ثم قال تعالى:
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ١٥١ الى ١٥٣]
قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (١٥١) وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذَا قُرْبى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (١٥٢) وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٥٣)

قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ يعني: قل لمالك بن عوف وأصحابه الذين يحرمون الأشياء على أنفسهم، وقالوا ما قالوا أبيّن لكم ما حرم الله عليكم وما أمركم به أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً يقال: معناه أتل ما حرم ربكم عليكم، فقد تم الكلام.
ثم قال: وأمركم أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً يقول: نهاكم عن عقوق الوالدين، وأمركم ببرهم، ويقال: معناه حرم عليكم ألا تشركوا به شيئاً. ويقال: معناه حرم عليكم الشرك. وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً يعني: أمركم بالإحسان إلى الوالدين وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ يعني: من خشية الفقر نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ زنى السر والعلانية وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ يعني: إلا بالقصاص أو بالرجم أو بترك الإسلام، فإنّ القتل بهذه الأشياء من الحقوق ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ يقول: أمركم به في القرآن لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ أمر الله بما حرمه في هذه الآيات. وروي عن عبد الله بن قيس عن ابن عباس قال: هذه الآيات المحكمات: قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ إلى ثلاث آيات وقال الربيع بن خثيم لرجل: هل لك في صحيفة عليها خاتم محمد صلى الله عليه وسلم؟ ثم قرأ هذه الآيات قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ ويقال: هذه الآيات هن أم الكتاب، وهن إمام في التوراة والإنجيل والزبور والفرقان ولا يجوز أن يرد عليها النسخ.
ثم قال: وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ
يقول: لا تأكلوا مال اليتيم ولا تباشروه إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
يعني: إلا بالقيام عليه لإصلاح ماله حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ
يعني: احفظوا ماله حتى يبلغ رشده. قال مقاتل: يعني ثماني عشرة سنة. وقال الكلبي: الأشُدُّ ما بين ثماني عشرة إلى ثلاثين سنة. ويقال: حتى يبلغ مبلغ الرجل. ويقال: بلوغ الأشد ما بين ثماني عشرة إلى أربعين سنة.
ثم قال: وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ
يعني: أتموا الكيل والميزان عند البيع والشراء بِالْقِسْطِ
يعني: بالعدل لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها
يعني: إلا جهدها في العدل يعني: إذا اجتهد الإنسان في الكيل والوزن، فلو وقعت فيه زيادة قليلة أو نقصان، فإنه لا يؤاخذ به إذا اجتهد جهده وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا
يعني: اصدقوا وقولوا الحق وَلَوْ كانَ ذَا قُرْبى
يعني وإن كان الحق على ذي قرابة، فقولوا الحق، ولا تمنعوا الحق وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا
يقول: أتموا العهود التي بينكم وبين الله. والعهد الذي بينكم وبين الناس. ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ
يقول: أمركم به في الكتاب لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ
يعني: تتعظون فتمتنعون عما حرم الله عليكم. قرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص تَذَكَّرُونَ
بتخفيف الذال. وقرأ الباقون بالتشديد. لأن أصله تتذكرون. فأدغم إحدى التاءين في الذال.
قوله تعالى: وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً قرأ حمزة والكسائي وإن هذا بكسر الألف على معنى الابتداء. وقرأ الباقون بالنصب على معنى البناء. وقرأ ابن عامر وَأَنَّ هذا بجزم