
الظُّنُونِ الكاذبة) (١). قال ابن عباس (٢): (﴿يَخْرُصُونَ﴾ يكذبون ما أحله الله ولا أنزله (٣) في كتابه)، وقال عطاء عنه: (يريد: يفترون) (٤).
١١٧ - قوله تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ قال بعض الناس: (أعلم هاهنا بمعنى: يعلم)، ولا يجوز ذلك؛ لأنه يطابق (٥) ﴿وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ وقال بعض البصريين: (موضع (من) نصب على حذف الباء؛ لأنه قد قال في موضع: ﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ [ضِلَّ] (٦)﴾ [النحل: ١٢٥] بالباء وحذفت هاهنا) (٧).
(٢) "تنوير المقباس" ٢/ ٥٥، وأخرج ابن حسنون في "اللغات" ص ٤٢، ٤٤، و"الوزان" ص ٧، بسند جيد عن ابن عباس قال: (يخرصون يعني: يكذبون) اهـ.
(٣) كذا العبارة في الأصول: ولعل الصواب: (ما أحله الله وأنزله في كتابه).
(٤) لم أقف عليه. وانظر: "مجاز القرآن" ١/ ٢٠٦، و"غريب القرآن" لليزيدي ص ١٤٢، و"تفسير غريب القرآن" ص ١٦٩، و"تفسير المشكل" ص ٧٩.
(٥) ذكره الطبري في "تفسيره" ٨/ ١٠ - ١١، ورده بنحو ما ذكر الواحدي، وذكره السمين في "الدر" ٥/ ١٢٦، عن الواحدي وقال: (على هذا أعلم ليست للتفضيل، بل بمعنى: اسم الفاعل في قوته، كأنه قيل: إن ربك هو يعلم) اهـ.
(٦) جاء في الأصول: (يضل) بالياء، وهو خطأ واضح.
(٧) هذا قول الأخفش في "معانيه" ٣/ ٢٨٢، وذكره الطبري في "تفسيره" ٨/ ١٠، وانظر: "المحتسب" ١/ ٢٢٩، و"المشكل" ١/ ٢٦٧، وفيه قال: (ولا يحسن تقدير حذف حرف الجر، لأنه من ضرورات الشعر). اهـ. وانظر: "تفسير القرطبي" ٧/ ٧٢.

وقال الزجاج: (موضع (من) رفع الابتداء ولفظها لفظ الاستفهام. المعنى: إن ربك هو أعلم أي الناس يضلُّ عن سبيله، قال: وهذا مثل قوله: ﴿لِنَعْلَمَ أَيُّ (١) الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى﴾ [الكهف: ١٢] (٢). وهذا قول المبرد (٣) والكسائي والفراء، قال الفراء: (إذا كانت من بعد العلم والنظر والدراية، مثل: نظرت وعلمت ودريت، كانت في مذهب أي، فإن كان بعدها فعل له رفعتها به، وإن كان بعدها فعل يقع عليها نصبتها، كقولك: ما أدري من قام، ترفع من بقام) (٤)، يريد: أن من ترفع بالابتداء، وقام خبره، كذلك (من) ابتداء و (يضلّ) خبره في الآية، وتقول: ما أدري من ضربت، تنصب (٥) (من) بـ (ضربت)؛ لأن بعدها [فعل] (٦) يقع عليها، وقال أبو علي الفارسي: (من) معمول فعلٍ مضمر دل عليه (أعلم)، ولا يجوز أن يكون معمول (أعلم)؛ لأن المعاني لا تعمل في المعمول به، ومثل هذا في أنه لا يكون إلا محمولًا على فعل ما أنشده أبو زيد (٧):
(٢) "معاني الزجاج" ٢/ ٢٨٦، وهو اختيار الطبري في "تفسيره" ٨/ ١٠، والنحاس في "إعراب القرآن" ١/ ٥٧٧، والأزهري في "معاني القرآن" ١/ ٣٨١، ومكي في "المشكل" ١/ ٢٦٦، والكرماني في "غرائب التفسير" ١/ ٣٨٢، وضعف هذا القول أبو حيان في "البحر" ٤/ ٢١٠.
(٣) ذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ١٠٥، والرازي في "تفسيره" ١٣/ ١٦٤، وأبو حيان في "البحر" ٤/ ٢١٠، والسمين في "الدر" ٥/ ١٢٧، عن المبرد والكسائي.
(٤) "معاني الفراء" ١/ ٣٥٢.
(٥) هذا المثال من كلام الفراء في "معانيه" ١/ ٣٥٢.
(٦) في (ش): (فعلًا).
(٧) أبو زيد البصري سعيد بن أوس الأنصاري تقدمت ترجمته.