
قوله تعالى: ﴿هُوَ أَعْلَمُ مَن يَضِلُّ﴾ : في «أعلم» هذه قولان أحدهما: أنها ليست للتفضيل بل بمعنى اسم فاعل في قوته كأنه قيل: إن ربك هو يعلم. قال الواحدي: «ولا يجوز ذلك لأنه لا يطابِقُ ﴿وَهُوَ أَعْلَمُ بالمهتدين﴾. والثاني: أنها على بابها من التفضيل. ثم اختلف هؤلاء في محلِّ» مَنْ «: فقال بعض البصريين: هو جرٌّ بحرفٍ مقدَّرٌ حُذِف وبقي عملُه لقوة الدلالة عليه بقوله ﴿وَهُوَ أَعْلَمُ بالمهتدين﴾ وهذا ليس بشيء لأنه لا يُحْذَفُ الجارُّ ويبقى أثرُه إلا في مواضعَ تقدَّمَ التنبيهُ عليها، وما وَرَدَ بخلافها فضرورةٌ كقوله:
٢٠٤٤ -............... | أشارت كليبٍ بالأكف الأصابعُ |
٢٠٤٥ -................... | حتى تبذَّخ فارتقى الأعلامِ |
٢٠٤٦ - تمرُّون الديار ولم تعوجوا | ................... |

منصوبةٌ بفعل مقدَّر يدل عليه أفعل، قاله الفارسي، وعليه خَرَّج قول الشاعر:
٢٠٤٧ - أكَرَّ وأَحْمَى للحقيقةِ منهمُ | وأَضْرَبَ منا بالسيوف القوانِسا |
أمَّا مَنْ قرأ بضمِّه: «يُضِلّ» وهو الحسن وأحمد بن أبي سريج فقال أبو البقاء: «يجوز أن تكون» مَنْ «في موضع جر بإضافة» أفعل «إليها. قال:» صفحة رقم 127

إمَّا على معنى هو أعلم المضلين أي: مَنْ يجد الضلال، وهو مَنْ أضللته أي: وجدته ضالاًّ مثل أَحْمَدْتُه أي: وجدتُه محموداً أو بمعنى أنه يضلُّ عن الهدى «. قلت: ولا حاجة إلى ارتكاب مثل هذا في مثل هذه الأماكن الحرجة، وكان قد عَبَّر قبل ذلك بعبارات استعظمْتُ النطق بها فضربت عنها إلى أمثلةٍ من قولي.
والذي تُحْمَلُ عليه هذه القراءة ما تقدَّم من المختار وهو النصب بمضمر. وفاعل «يُضِلّ» على هذه القراءة ضمير يعود على الله تعالى على معنى يجده ضالاً أو يخلُق فيه الضلال، لا يُسأل عما يَفعل. ويجوز أن يكون ضمير «مَنْ» أي: أعلم مَنْ يضلُّ الناس. والمفعول محذوف. وأمَّا على القراءة الشهيرة فالفاعل ضمير «مَنْ» فقط. و «مَنْ» يجوز أن تكون موصولةً وهو الظاهر، وأن تكون نكرةً موصوفة، ذكره أبو البقاء.