آيات من القرآن الكريم

لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ۙ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ
ﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣ ﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻ

[سورة الحديد (٥٧) : آية ٢٨]

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٨)
اعْلَمْ أَنَّهُ لَمَّا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُولَى: فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَيْ مِنْ قوم عيسى: أَجْرَهُمْ [الحديد:
٢٧] قال في هذه الآية: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا وَالْمُرَادُ بِهِ أُولَئِكَ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَتَّقُوا اللَّه وَيُؤْمِنُوا بِمُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ثُمَّ قَالَ: يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ أَيْ نَصِيبَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ لِإِيمَانِكُمْ أَوَّلًا بِعِيسَى، وَثَانِيًا بِمُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ [الْقَصَصِ: ٥٤] عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ نَزَلَ فِي قَوْمٍ جَاءُوا مِنَ الْيَمَنِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَى الرَّسُولِ وَأَسْلَمُوا فَجَعَلَ اللَّه لهم أجرين، وهاهنا سُؤَالَانِ:
السُّؤَالُ الْأَوَّلُ: مَا الْكِفْلُ فِي اللُّغَةِ؟ الْجَوَابُ: قَالَ الْمُؤَرِّجُ: الْكِفْلُ النَّصِيبُ بِلُغَةِ هُذَيْلٍ وَقَالَ غَيْرُهُ بَلْ هَذِهِ لُغَةُ الْحَبَشَةِ، وَقَالَ الْمُفَضَّلُ بْنُ مَسْلَمَةَ: الْكِفْلُ كِسَاءٌ يُدِيرُهُ الرَّاكِبُ حول السنام حتى يتمكن من العقود عَلَى الْبَعِيرِ.
السُّؤَالُ الثَّانِي: أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا آتَاهُمْ كِفْلَيْنِ وَأَعْطَى الْمُؤْمِنِينَ كِفْلًا وَاحِدًا كَانَ حَالُهُمْ أَعْظَمَ وَالْجَوَابُ:
رُوِيَ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ افْتَخَرُوا بِهَذَا السَّبَبِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ،
وَهُوَ ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ لَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ النَّصِيبُ الْوَاحِدُ أَزْيَدَ قَدْرًا مِنَ النَّصِيبَيْنِ، فَإِنَّ الْمَالَ إِذَا قُسِّمَ بِنِصْفَيْنِ كَانَ الْكِفْلُ الْوَاحِدُ نِصْفًا، وَإِذَا قسم بمائة قسم كان الكفل الواحد جزء مِنْ مِائَةِ جُزْءٍ، فَالنَّصِيبُ الْوَاحِدُ مِنَ الْقِسْمَةِ الْأُولَى أَزْيَدُ مِنْ عِشْرِينَ نَصِيبًا مِنَ الْقِسْمَةِ الثانية، فكذا هاهنا، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَيْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَهُوَ النُّورُ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ يَسْعى نُورُهُمْ [الْحَدِيدِ: ١٢] وَيَغْفِرْ لَكُمْ مَا أَسْلَفْتُمْ مِنَ الْمَعَاصِي وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ.
[سورة الحديد (٥٧) : آية ٢٩]
لِئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلاَّ يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٢٩)
فِيهِ مَسْأَلَتَانِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَالَ الْوَاحِدِيُّ هذه الآية مُشْكِلَةٌ وَلَيْسَ لِلْمُفَسِّرِينَ فِيهَا كَلَامٌ وَاضِحٌ فِي كَيْفِيَّةِ اتِّصَالِ هَذِهِ الْآيَةِ بِمَا قَبْلَهَا.
وَاعْلَمْ أن أكثر المفسرين على أن (لا) هاهنا صِلَةٌ زَائِدَةٌ، وَالتَّقْدِيرُ: لِيَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ، وَقَالَ أَبُو مُسْلِمٍ الْأَصْفَهَانِيُّ وَجَمْعٌ آخَرُونَ: هَذِهِ الْكَلِمَةُ ليس بِزَائِدَةٍ، وَنَحْنُ نُفَسِّرُ الْآيَةَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ بِعَوْنِ اللَّه تَعَالَى وَتَوْفِيقِهِ.
أَمَّا الْقَوْلُ الْمَشْهُورُ: وَهُوَ أَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ زَائِدَةٌ، فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا بد هاهنا مِنْ تَقْدِيمِ مُقَدِّمَةٍ وَهِيَ: أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ وَهُمْ بَنُو إِسْرَائِيلَ كَانُوا يَقُولُونَ: الْوَحْيُ وَالرِّسَالَةُ فِينَا، وَالْكِتَابُ وَالشَّرْعُ لَيْسَ إِلَّا لَنَا، واللَّه تَعَالَى خَصَّنَا بِهَذِهِ الْفَضِيلَةِ الْعَظِيمَةِ مِنْ بَيْنِ جَمِيعِ الْعَالَمِينَ، إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: إِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَمَرَ أَهْلَ الْكِتَابِ بِالْإِيمَانِ بِمُحَمَّدٍ عليه الصلاة والسلام وعدهم/ بِالْأَجْرِ الْعَظِيمِ عَلَى ذَلِكَ الْإِيمَانِ أَتْبَعَهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَالْغَرَضُ مِنْهَا أَنْ يُزِيلَ عَنْ قَلْبِهِمُ اعْتِقَادَهُمْ بِأَنَّ النُّبُوَّةَ مُخْتَصَّةٌ بِهِمْ وَغَيْرُ حَاصِلَةٍ إِلَّا فِي قَوْمِهِمْ، فَقَالَ: إِنَّمَا بَالَغْنَا فِي هَذَا الْبَيَانِ، وَأَطْنَبْنَا فِي الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ لِيَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى تَخْصِيصِ فَضْلِ اللَّه بِقَوْمٍ مُعَيَّنِينَ، وَلَا يُمْكِنُهُمْ حَصْرُ الرسالة

صفحة رقم 475

وَالنُّبُوَّةِ فِي قَوْمٍ مَخْصُوصِينَ، وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّه يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ أَصْلًا أَمَّا الْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ أَنَّ لَفْظَةَ (لَا) غَيْرُ زَائِدَةٍ، فَاعْلَمْ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ: أَلَّا يَقْدِرُونَ عَائِدٌ إِلَى الرَّسُولِ وَأَصْحَابِهِ، وَالتَّقْدِيرُ: لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنَّ النَّبِيَّ وَالْمُؤْمِنِينَ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّه، وَأَنَّهُمْ إِذَا لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ فَقَدْ عَلِمُوا أَنَّهُمْ يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ أَيْ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّه، فَيَصِيرُ التَّقْدِيرُ: إِنَّا فَعَلْنَا كَذَا وَكَذَا لِئَلَّا يَعْتَقِدَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنَّهُمْ يَقْدِرُونَ عَلَى حَصْرِ فَضْلِ اللَّه وَإِحْسَانِهِ فِي أَقْوَامٍ مُعَيَّنِينَ، وَلِيَعْتَقِدُوا أَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّه، وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ لَيْسَ فِيهِ إِلَّا أَنَّا أَضْمَرْنَا فِيهِ زِيَادَةً، فَقُلْنَا فِي قَوْلِهِ: وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ تَقْدِيرُ وَلِيَعْتَقِدُوا أَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ وَأَمَّا الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: فَقَدِ افْتَقَرْنَا فِيهِ إِلَى حَذْفِ شَيْءٍ مُوجَدٍ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْإِضْمَارَ أَوْلَى مِنَ الْحَذْفِ، لِأَنَّ الْكَلَامَ إِذَا افْتَقَرَ إِلَى الْإِضْمَارِ لَمْ يُوهِمْ ظَاهِرُهُ بَاطِلًا أَصْلًا، أَمَّا إِذَا افْتَقَرَ إِلَى الْحَذْفِ كَانَ ظَاهِرُهُ مُوهِمًا لِلْبَاطِلِ، فَعَلِمْنَا أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ أَوْلَى واللَّه أَعْلَمُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ قُرِئَ: (لِكَيْ يَعْلَمَ)، وَ (لِكَيْلَا يَعْلَمَ)، وَ (لِيَعْلَمَ)، وَ (لِأَنْ يَعْلَمَ)، بِإِدْغَامِ النُّونِ فِي الْيَاءِ، وَحَكَى ابْنُ جِنِّي فِي «الْمُحْتَسَبِ» عَنْ قُطْرُبٍ: أَنَّهُ رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ: (لِيلَا)، بِكَسْرِ اللَّامِ وَسُكُونِ الْيَاءِ، وَحَكَى ابْنُ مُجَاهِدٍ عَنْهُ لَيْلَا بِفَتْحِ اللَّامِ وَجَزْمِ الْيَاءِ مِنْ غَيْرِ هَمْزٍ، قَالَ ابْنُ جِنِّي: وَمَا ذَكَرَ قُطْرُبٌ أَقْرَبُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْهَمْزَةَ إِذَا حُذِفَتْ بَقِيَ لنلا فيجب إدغام النون فِي اللَّامِ فَيَصِيرُ لِلَّا فَتَجْتَمِعُ اللَّامَاتُ فَتَجْعَلُ الْوُسْطَى لِسُكُونِهَا وَانْكِسَارِ مَا قَبْلَهَا يَاءً فَيَصِيرُ لِيلَا، وَأَمَّا رِوَايَةُ ابْنِ مُجَاهِدٍ عَنْهُ، فَالْوَجْهُ فِيهِ أَنَّ لَامَ الْجَرِّ إِذَا أَضَفْتَهُ إِلَى الْمُضْمَرِ فَتَحْتَهُ تَقُولُ لَهُ: فَمِنْهُمْ مَنْ قَاسَ الْمُظْهَرَ عَلَيْهِ، حَكَى أَبُو عُبَيْدَةَ أَنَّ بَعْضَهُمْ قَرَأَ: وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ [إِبْرَاهِيمَ: ٤٦].
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ أَيْ فِي مِلْكِهِ وَتَصَرُّفِهِ وَالْيَدُ مِثْلُ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ لِأَنَّهُ قَادِرٌ مُخْتَارٌ يَفْعَلُ بِحَسَبِ الِاخْتِيَارِ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ وَالْعَظِيمُ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ إِحْسَانُهُ عَظِيمًا، وَالْمُرَادُ تَعْظِيمُ حَالِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نُبُوَّتِهِ وَشَرْعِهِ وَكِتَابِهِ، واللَّه أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ، وَالْحَمْدُ للَّه رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَصَلَّى اللَّه عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وصحبه وسلم.

صفحة رقم 476
مفاتيح الغيب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن عمر (خطيب الري) بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية