آيات من القرآن الكريم

لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ۙ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ
ﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣ ﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻ

الظاهر: تقديره. وابتدعوا رهبانية ابْتَدَعُوها يعنى: وأحدثوها من عند أنفسهم ونذروها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ لم نفرضها نحن عليهم إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللَّهِ استثناء منقطع، أى:
ولكنهم ابتدعوها ابتغاء رضوان الله فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها كما يجب على الناذر رعاية نذره، لأنه عهد مع الله لا يحل نكثه فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا يريد: أهل الرحمة والرأفة الذين اتبعوا عيسى وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ الذين لم يحافظوا على نذرهم. ويجوز أن تكون الرهبانية معطوفة على ما قبلها، وابتدعوها: صفة لها في محل النصب، أى: وجعلنا في قلوبهم رأفة ورحمة ورهبانية مبتدعة من عندهم، بمعنى: وقفناهم للتراحم بينهم ولابتداع الرهبانية واستحداثها، ما كتبناها عليهم إلا ليبتغوا بها رضوان الله ويستحقوا بها الثواب، على أنه كتبها عليهم وألزمها إياهم ليتخلصوا من الفتن ويبتغوا بذلك رضا الله وثوابه، فما رعوها جميعا حق رعايتها، ولكن بعضهم، فآتينا المؤمنين المراعين منهم للرهبانية أجرهم، وكثير منهم فاسقون. وهم الذين لم يرعوها.
[سورة الحديد (٥٧) : آية ٢٨]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٨)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا يجوز أن يكون خطابا للذين آمنوا من أهل الكتاب والذين آمنوا «١»
من غيرهم، فإن كان خطابا لمؤمنى أهل الكتاب. فالمعنى: يا أيها الذين آمنوا بموسى وعيسى آمنوا بمحمد يُؤْتِكُمْ الله كِفْلَيْنِ أى نصيبين مِنْ رَحْمَتِهِ لإيمانكم بمحمد وإيمانكم بمن قبله وَيَجْعَلْ لَكُمْ يوم القيامة نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وهو النور المذكور في قوله يَسْعى نُورُهُمْ. وَيَغْفِرْ لَكُمْ ما أسلفتم من الكفر والمعاصي.
[سورة الحديد (٥٧) : آية ٢٩]
لِئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلاَّ يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٢٩)

(١). قوله «والذين آمنوا» لعله والذين آمنوا. (ع)

صفحة رقم 482

لِئَلَّا يَعْلَمَ ليعلم أَهْلُ الْكِتابِ الذين لم يسلموا، ولا مزيدة أَلَّا يَقْدِرُونَ أن مخففة من الثقيلة، أصله: أنه لا يقدرون، يعنى: أنّ الشأن لا يقدرون عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ أى: لا ينالون شيئا مما ذكر من فضله من الكفلين: والنور والمغفرة، لأنهم لم يؤمنوا برسول الله، فلم ينفعهم إيمانهم بمن قبله، ولم يكسبهم فضلا قط. وإن كان خطابا لغيرهم، فالمعنى:
اتقوا الله واثبتوا على إيمانكم برسول الله يؤتكم ما وعد من آمن من أهل الكتاب من الكفلين في قوله أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ ولا ينقصكم من مثل أجرهم، لأنكم مثلهم في الإيمانين لا تفرقون بين أحد من رسله. روى أنّ رسول الله ﷺ بعث جعفرا رضى الله عنه في سبعين راكبا إلى النجاشي يدعوه، فقدم جعفر عليه فدعاه فاستجاب له، فقال ناس ممن آمن من أهل مملكته وهم أربعون رجلا. ائذن لنا في الوفادة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأذن لهم فقدموا مع جعفر وقد تهيأ لوقعة أحد، فلما رأوا ما بالمسلمين من خصاصة: استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرجعوا وقدموا بأموال لهم فآسوا بها المسلمين «١»
، فأنزل الله الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ... إلى قوله... وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ فلما سمع من لم يؤمن من أهل الكتاب قوله يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ فخروا على المسلمين وقالوا: أما من آمن بكتابكم وكتابنا فله أجره مرّتين، وأما من لم يؤمن بكتابكم فله أجر كأجركم، فما فضلكم علينا؟ فنزلت. وروى أنّ مؤمنى أهل الكتاب افتخروا على غيرهم من المؤمنين بأنهم يؤتون أجرهم مرّتين، وادعوا الفضل عليهم، فنزلت. وقرئ لكي يعلم. ولكيلا يعلم. وليعلم. ولأن يعلم: بإدغام النون في الياء. ولين يعلم: بقلب الهمزة ياء وإدغام النون في الياء. وعن الحسن: ليلا يعلم، بفتح اللام وسكون الياء. ورواه قطرب بكسر اللام. وقيل في وجهها: حذفت همزة أن، وأدغمت نونها في لام لا، فصار «للا» ثم أبدلت من اللام المدغمة ياء، كقولهم: ديوان، وقيراط. ومن فتح اللام فعلى أن أصل لام الجرّ الفتح، كما أنشد:
أريد لأنسى ذكرها. «٢»..

(١). المعروف أن جعفر إنما قدم بعد أحد بزمان، قدم عند فتح خيبر. [.....]
(٢).
أريد لأنسى ذكرها فكأنما تمثل لي ليلى بكل سبيل
لقبس بن الملوح مجنون ليلى العامرية. وقيل: لكثير صاحب عزة، وكنى عنها بليلى تسترا. وقيل: سرقه كثير من شعر جميل صاحب بثنية. وقوله: لأنسى بفتح لام الجر على الأصل في الحروف المفردة، وتلك: لغة عكل، ويتعين فيها إذا دخلت على فعل منصوب بأن مضمرة كما هنا. وتروى بالكسر على اللغة المشهورة، أى: أريد لنسيان تذكرها، واللام زائدة، لكنها هي التي أشعرت بحذف «إن»، وتمثل: أصله تتمثل، أى تتشكل وتتخيل أمامى ليلى بكل طريق، إما الحسى وإما طريق الذكر، والأول أوجه، بدليل قوله «كأنما» وتمثلها له يوجب تذكرها. وما زائدة بعد كان، كافة لها عن العمل فلذلك دخلت على الفعل.

صفحة رقم 483
الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل
عرض الكتاب
المؤلف
محمود بن عمر بن محمد بن أحمد الخوارزمي الزمخشريّ، جار الله، أبو القاسم
الناشر
دار الكتاب العربي - بيروت
الطبعة
الثالثة - 1407 ه
عدد الأجزاء
4
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية