آيات من القرآن الكريم

۞ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ۖ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ
ﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔ

وقال قتادة: لأعطتهم الأرض نباتها، والسماء بركتها، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ).
قيل فيه بوجهين:
قيل: (أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ) من أسلم منهم.
وقيل: منهم أمة مقتصدة على كتاب اللَّه لم يحرفوه، ولا غيروه، ولا كتموا شيئًا، ولا سعوا في الأرض بالفساد على ما عمل أكثرهم من التحريف والتغيير، واللَّه أعلم.
* * *
قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (٦٧) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (٦٨) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٩) لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ (٧٠) وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (٧١)
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ)
هذا - واللَّه أعلم - وذلك أن أهل الكفر كانوا على طبقات ثلاث:
منهم من يقول: (لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ)، وقولهم: (لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ).
ومنهم من كان يخوفه ويمكر به، ليقتلوه؛ كقوله: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ...) الآية.
ومنهم من كان يعرض عليه النساء والأموال؛ ليترك ذلك، وألا يدعوهم إلى دينه الذي

صفحة رقم 556

هو عليه. كانوا على الوجوه التي ذكرنا؛ فأمر اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - أن يقوم على تبليغ رسالته، وألا يمنعه ما يخشى من مكرهم وكيدهم على قتله؛ لأن المرء قد بمتنع عن القيام بما عليه إذا خشي هلاكه أو لطلب مودة وصلة. أو يمتنع عن القيام بما عليه إذا كُذبَ في القول، ولحقه أذى لذلك؛ فأمر اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - نبيه بتبليغ ما أنزل إليه، وإن خشي على نفسه الهلاك أو التكذيب في القول، والأذى وترك طلب الموالاة، أي: لا يمنعك شيء من ذلك عن تبليغ ما أنزل إليك.
أو أن يكون الأمر بتبليغ الرسالة في حادث الوقت: أن بلغ ما أنزل إليك في حادث الوقت؛ كما بلغت في الماضي من الوقت.
أو أن يكون الأمر بتبليغ ما أنزل إليه أمرًا بتبليغ البيان، أي: بلغ ما أنزل إليك من البيان كما بلغت تنزيلا؛ وهو كقوله - تعالى -: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ) أخبر - عَزَّ وَجَلَّ - أنه إنما أرسل الرسل على لسان قومهم؛ ليبينوا لهم؛ فعلى ذلك هذا، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ).
أي: وإن لم تبلغ ما أنزل إليك؛ لما تخشى من الهلاك والمكر بك - كان كأن لم تبلغ الرسالة رأسًا. لم يعذر نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - في ترك تبليغ الرسالة إليهم، وإن خاف على نفسه الهلاك، ليس كمن أكره على الكفر أبيح له أن يتكلم بكلام الكفر، بعد أن يكون قلبه مطمئنا بالإيمان إذا خاف الهلاك على نفسه.
ولم يبح له ترك تبليغ الرسالة وإن خشي على نفسه الهلاك؛ ذلك - واللَّه أعلم - أن تبليغ الرسالة تعلق باللسان دون القلب، والإيمان تعلقه بالقلب دون اللسان؛ فإذا أكره على الكفر أبيح له التكلم به بعد أن يكون القلب على حاله مطمئنا بالإيمان. وأما الرسالة: فلا سبيل له أن يبلغها إلا باللسان؛ لذلك لم يبح له تركها وإن خاف الهلاك؛ وهذا يدل لقولنا في المكره بالطلاق والعتاق أنه إذا تكلم به عمل؛ لتعلقهما باللسان دون القلب؛ فالإكراه لا يمنع نفاذ ما تعلق باللسان دون القلب كالرسالة التي ذكرنا، واللَّه أعلم.
ويحتمل قوله - تعالى -: (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ)، أي: لم تبلغ الرسالة في حادث الوقت كأن

صفحة رقم 557
تأويلات أهل السنة
عرض الكتاب
المؤلف
محمد بن محمد بن محمود، أبو منصور الماتريدي
تحقيق
مجدي محمد باسلوم
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت، لبنان
سنة النشر
1426
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية