آيات من القرآن الكريم

۞ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ۖ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ
ﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔ

ومن المؤولين من أوّل جملة أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ بمعنى طائفة مؤمنة مسلمة.
وقالوا إنها تعني الذين آمنوا برسالة النبي ﷺ من اليهود والنصارى. ومنهم من أولها بمعنى معتدلة في موقفها غير مغالية في عدائها ومناوئتها وانحرافها «١». وكلا التأويلين وجيه غير أن هناك بعض آيات فيها استثناء وفيها تنويه بالمؤمنين منهم على سبيل الاستدراك مثل آيات سورة آل عمران [١١٣- ١١٥] والنساء [٤٦] و [١٦٢] والمائدة [١٣] مما قد يرجح الرأي الأول على الثاني. والله أعلم.
[سورة المائدة (٥) : آية ٦٧]
يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (٦٧)

. تعليق على الآية يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وما روي في صددها وخاصة ما رواه الشيعة من سبب نزولها. وحقيقة هدفها ومداها
عبارة الآية واضحة. وفيها أمر للنبي ﷺ بوجوب تبليغ ما أنزله الله إليه.
وإيذان له بأن أي تقصير أو إهمال في ذلك يجعله غير مبلّغ لرسالة الله. وعليه أن لا يخشى في ذلك أحدا فإن الله حاميه وعاصمه من الناس. والكافرون الذين يمكن أن يأتيه أذى أو صدّ منهم لن يوفقهم الله ولن يهديهم فيما يريدون ويقصدون.
ولقد تعددت الروايات في سبب ومناسبة نزول هذه الآية والمقصود منها.
فقال الطبري إنها في صدد اليهود والنصارى الذين ذكروا في الآيات السابقة حيث أمره الله أن يستمر في تبليغهم ما أنزل الله ولا يبالي بمواقفهم المناوئة. وروى مع ذلك عن مجاهد أن الشطر الأول نزل لحدته فلما نزل قال إنما أنا واحد كيف أصنع فتجتمع عليّ الناس فنزل الشطر الثاني. وإلى هذا فقد روى عن ابن جريج أن
(١) انظر الطبري والبغوي وابن كثير والخازن. ومنهم من أورد القولين. [.....]

صفحة رقم 180

المقصود بها تطمينه من قريش الذين كان يهابهم. وروي عن محمد بن كعب القرظي أن جملة وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ نزلت في مناسبة مجيء أعرابي إلى النبي ﷺ وهو وحده في ظل شجرة فاخترط سيفه ثم قال من يمنعك مني؟ قال:
الله، فرعدت يد الأعرابي وسقط السيف منه وضرب رأسه بالشجرة حتى انتثر دماغه فأنزل الله الجملة. وروى ابن كثير عن عكرمة عن ابن عباس قال «كان رسول الله ﷺ يحرس فكان أبو طالب يرسل إليه كل يوم رجالا من بني هاشم يحرسونه حتى نزلت عليه هذه الآية فأراد عمّه أن يرسل معه من يحرسه فقال: إن الله قد عصمني من الجنّ والإنس». وروى البغوي عن الحسن أن الله لما بعث رسوله ضاق ذرعا وعرف أن من الناس من يكذّبه فأنزل الله الآية. وقال البغوي بعد هذه الرواية وقيل إنها نزلت في عتب اليهود حيث دعاهم النبي ﷺ فاستهزأوا به وقالوا تريد أن نتخذك حنانا كما اتخذت النصارى عيسى فسكت عنهم فنزلت.
وقيل إنها نزلت في قضية الرجم والزنا اليهودية. وقيل إنها نزلت في مسألة زواج النبي ﷺ بزينب بنت جحش. وقيل في الجهاد حيث كرهه المنافقون وكان النبي يمسك أحيانا عن الحثّ عليه فأنزل الله الآية. وهناك روايات يرويها الشيعة سنوردها ونعلّق عليها فيما بعد. ونعلق على الأقوال والروايات السابقة فنقول إنه لم يرد شيء منها في الصحاح. والنفس لا تطمئن إلى معظمها التي يقتضي بعضها أن تكون الآية نزلت متفرقة في مناسبات مختلفة. ويقتضي بعضها أن تكون نزلت في مكة. والتكلف والتلفيق ظاهران فيها. وإذا كان بعض الآيات المكية احتوى إشارة إلى ما كان يعتري النبي ﷺ من أسى وضيق بتكذيب الناس ومناوأتهم له فهذه الحالة لم تعد قائمة في العهد المدني الذي قويت فيه الدعوة وكثر المسلمون وتبدل حالهم من الضعف إلى القوة. ولم ترو رواية ما بأن الآية مكية. وهذا فضلا عن أن ما أشارت إليه الآيات المكية من أسى النبي ﷺ وضيقه لم يكن خوفا من الناس يحمله على عدم تبليغ ما أنزل إليه. ولقد أنزل الله عليه في مكة آيات كثيرة فيها إنذارات قارعة وحملات قاصمة ونعوت لاذعة فكان يتلوها علنا دون ما خوف من زعماء قريش وأغنيائهم الأقوياء وجماهير الناس الذين رضخوا لتحريضهم

صفحة رقم 181

ووقفوا من الدعوة موقف الانقباض. فالقول إن الآية نزلت في أول التبليغ لأنه ضاق ذرعا بمن كان يكذبه من الناس لا يصحّ تاريخا ولا موضوعا. ومسألة قضية اليهود في الزنا والرجم ومسألة نكاح زينب بنت جحش ليس لهما محل في هذا المقام.
وما سبق الآية ولحقها يسوغان الجزم بأنها جزء من موضوع السياق المتصل بالنهي عن تولي أهل الكتاب ولومهم لأنهم لم يقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل الله على رسوله محمد ﷺ الشامل لهم. وهذا يجعل قول الطبري الذي أوردناه في مطلع الروايات والأقوال هو الأوجه المتسق مع السياق والفحوى. وقد عزاه الطبري إلى ابن عباس وقتادة وقال في توضيحه إن الله أمر رسوله بإبلاغ اليهود والنصارى الذين قصّ قصتهم وذكر انحرافهم ونهى عن موالاتهم ما أنزله عليه دون أن يشعر نفسه حذرا منهم أن يصيبه مكروه ولا جزع من كثرة عددهم وقلة عدد من معه وأن لا يتقي أحدا في ذات الله فإن الله تعالى كافيه كل أحد من خلقه ودافع عنه كل مكروه. وأعلمه أنه إن قصر في إبلاغ شيء مما أنزل عليه فهو في تركه شيئا من ذلك وإن قل فيكون في منزلة من لم يبلغ منه شيئا وهذا توضيح جيد يجلي الآية ومداها جلاء قويا. وقد يحسن أن نذكر في هذا المقام بالآيات الست الأخيرة من سورة الحجر حيث يصح القول إن الموقف الذي استوجب نزول هذه الآيات المكية وشرحناه في سياقها قد تكرر في العهد المدني بالنسبة لأهل الكتاب فاقتضت حكمة الله تنزيل الآية لتثبت النبي وإيذانه بأن الله عاصمه منهم كما آذنه في آيات الحجر أنه عاصمه من المشركين وأن عليه أن يستمر في مهمته وإبلاغ ما أنزل الله عليه دون خشية من أحد كتابيّ وغير كتابيّ. ولعلّ ما روي في سياق الآية من أن النبي أرسل إلى أبي طالب يخبره أن الله عاصمه وكافيه، إن صحّ، قد كان في مناسبة آيات سورة الحجر المكية فالتبس الأمر على الرواة. ومع ذلك فإنه يتبادر لنا أن في الآية تأييدا أقوى لما ذكرناه في سياق تفسير الآيتين [١٥، ١٦] من هذه السورة من احتمال صحة روايات إرسال النبي ﷺ رسلا وكتبا إلى ملوك وأمراء البلاد المتاخمة ودعوتهم إلى الإسلام. وذلك باحتوائها أمرا مؤكدا للنبي ﷺ بتبليغ رسالته لأهل الكتاب دون أن يخشى شيئا وتطمينا بأن الله تعالى حاميه وعاصمه حيث يمكن أن

صفحة رقم 182

يتناسب هذا الأسلوب مع فكرة ونتائج إرسال الرسل والكتب إلى أولئك الملوك والأمراء ودعوتهم. والله تعالى أعلم.
ولقد ورد في فصل التفسير في كتب البخاري ومسلم والترمذي حديثان في سياق تفسير هذه الآية رأينا أن نوردهما بدورنا على هامش تفسيرها. أحدهما رواه البخاري ومسلم والترمذي عن عائشة قالت «من حدّثك أن محمدا كتم شيئا مما أنزل عليه فقد كذب والله يقول يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ» «١» وثانيهما رواه الترمذي عن عائشة أيضا قالت «كان النبي ﷺ يحرس حتى نزلت وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ فأخرج النبي رأسه من القبّة فقال لهم يا أيها الناس انصرفوا فقد عصمني الله» «٢».
وفي الحديث الأول توضيح وتوكيد لمعنى جوهري وأصلي في العصمة النبوية بحيث يجب على كل مسلم أن يؤمن بأن النبي ﷺ قد بلّغ كل ما أنزل إليه من ربّه. وفي الحديث الثاني صورة رائعة لعمق إيمان النبي ﷺ بربّه وبما ينزله عليه. وتطبيق للآية الكريمة.
ولقد روى مسلم وأبو داود عن جابر بن عبد الله أن النبي ﷺ خطب خطبة طويلة في حجة الوداع التي مات بعدها بنحو ثمانين ليلة فقال فيما قال «قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلّوا. كتاب الله. وأنتم تسألون عني. فما أنتم قائلون. قالوا نشهد أنك قد بلّغت وأدّيت ونصحت فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس اللهمّ اشهد. ثلاث مرات» «٣» حيث ينطوي في هذا كذلك عمق إيمان النبي ﷺ برسالته ومسؤوليته عنها تجاه الله عزّ وجل وحرصه على استشهاد جمهور المسلمين في موقف حافل جامع على أنه قد بلّغ رسالة ربه.

(١) التاج ج ٤ ص ٩٢.
(٢) المصدر نفسه.
(٣) من خطبة حجة الوداع انظرها في التاج ج ٢ ص ١٤٠- ١٤٥. ولقد أورد ابن هشام خطبة حجة الوداع وفيها زيادة بعد جملة (كتاب الله) وهي (سنّة نبيه) انظر ج ٤ ص ٢٧٢ وما بعدها.

صفحة رقم 183

روايات الشيعة في صدد الآية يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ... والتعليق عليها
نأتي الآن إلى روايات الشيعة في صدد هذه الآية التي يعلّقون عليها أهمية عظيمة تشابه لما يعلقونه على الآيتين [٥٤ و ٥٥] من هذه السورة في تثبيت إمامة عليّ رضي الله عنه بعد النبي ﷺ كنصّ قرآني أيضا. فقد روى الطبرسي المفسر الشيعي عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس وعن جابر بن عبد الله أن الله أمر رسوله بتنصيب علي رضي الله عنه إماما بعده، فتخوّف أن يقول الناس إنه حابى ابن عمه فأنزل الله الآية فأعلن النبي بعد نزولها في غدير خمّ ولاية علي، وفي رواية أنه أخذ بيد عليّ فقال من كنت مولاه فعليّ مولاه. اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. وروى نفس المفسر عن إمامي الشيعة أبي جعفر وأبي عبد الله مثل ذلك.
وروى المفسر الشيعي الكاشي حديثا عن النبي بدون عزو وراو وسند «أن رسول الله قال مبينا سبب نزول الآية إن جبريل هبط إليّ ثلاث مرات يأمرني بأمر ربي بأن أقوم فأعلم كل أبيض وأسود أن علي بن أبي طالب أخي ووصيي وخليفتي والإمام من بعدي الذي محله منّي محلّ هارون من موسى إلّا أنه لا نبيّ بعدي وهو وليكم بعد الله ورسوله وقد أنزل الله عليّ بذلك آية أخرى في ذلك وهي إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ (٥٥). فسألت جبريل أن يستغفر لي عن تبليغ ذلك إليكم أيها الناس لعلمي بقلة المتقين وكثرة المنافقين وإوغال الآثمين وحيل المستهترين بالإسلام. الذين يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم والذين آذوني فسمّوني أذنا ولو شئت أن أسميهم بأسمائهم لسميت وأن أومئ إليهم بأعيانهم لأومأت فأنزل الله عليّ يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك في عليّ وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس «١». وفي كتب تفسير

(١) انظر هذا الحديث في الجزء ٢ ص ١٦٩ من كتاب التفسير والمفسرون للذهبي.

صفحة رقم 184

المفسرين روايات وأحاديث أخرى من هذا الباب فاكتفينا بما أوردناه ونقول تعليقا على ذلك، إن سياق الآية السابق واللاحق والتي هي منسجمة معها أشدّ الانسجام يدلّ دلالة نعتقد أنها حاسمة على أنها نزلت آمرة النبي بتبليغ ما أنزل الله إليه إلى أهل الكتاب دون خشية وحذر وأنها نزلت في وقت كان اليهود في المدينة على شيء من الوجود القوي بحيث يمكن أن نقول إن روايات الشيعة مقحمة على الآية وسياقها إقحاما عجيبا فضلا عن نصوص بعضها العجيبة التي تبرز عليها الصنعة بروزا قويا شأن الروايات التي يسوقونها أوردناها في سياق الآيتين [٥٤ و ٥٥] من هذه السورة. والغاية منها ظاهرة وهي زعم كون خلافة عليّ بعد النبيّ مؤيدة بنصوص قرآنية ونبوية وزعم مخالفة الجمهور الأعظم من المهاجرين والأنصار للقرآن والنبي وتحريفهم القرآن بإسقاط اسم عليّ من الآية حاشاهم ثم حاشاهم ولا يجوز لمسلم عاقل أن يخالجه شك في أن النبي لو أمر بإعلان إمامة عليّ لأعلنها دون أي تردد. ولو وصّى بخلافته لعبد حبشي وليس لعلي بن أبي طالب الهاشمي القرشي الصحابي الجليل المجاهد العظيم والعالم الواسع العلم لتقبل أصحابه وبخاصة كبارهم وبالأخصّ أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم ذلك بكل خضوع وتسليم ولنفذوا وصيته بدون أي تردد. لأن المسألة في ذلك الوقت ليست مسألة حكم وسياسة وإنما هي مسألة إيمان ودين. وكان أصحاب رسول الله وبخاصة السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان والذين سجّل الله في القرآن رضاءه عنهم كانوا مستغرقين في دين الله ورسوله ورسالته وأوامره وسنته والقرآن يأمرهم بأخذ ما آتاهم النبي والانتهاء عمّا نهاهم عنه ويقول من أطاع الرسول فقد أطاع الله. والجمهور الأعظم من أصحاب رسول الله ومنهم علي بن أبي طالب بايعوا أبا بكر ثم بايعوا عمر من بعده ثم بايعوا عثمان من بعده. وعلى فرض المحال لو حدثت نفوس بعض أصحاب رسول الله بعدم تنفيذ وصية النبي لو كانت صحيحة لحاربهم جمهور أصحاب رسول الله. ولما كان يصحّ فرض تراجع عليّ عنها لأنه يكون في ذلك خالف وصية رسول الله ولحارب دونها ولوجد من المسلمين جمهورا عظيما يحاربون

صفحة رقم 185

معه. وهو يعد أقوى عصبة من أبي بكر وعمر رضي الله عنهم أجمعين.
وقد يكون في كتب الحديث المعتبرة أحاديث فيها شيء خاص بالنسبة لعلي رضي الله عنه. من ذلك مثلا حديث رواه الترمذي جاء فيه «من كنت مولاه فعليّ مولاه» «١» وليس بين هذا الحديث والآية أية صلة. ولا يفيد الدلالة التي يريد الشيعة استخراجها حتى وليس في الزيادة التي زادوها عليه هذه الدلالة. ومن ذلك حديث رواه الترمذي قد يكون فيه تفسير أو توضيح للحديث السابق. جاء فيه «بعث رسول الله ﷺ جيشا وأمّر عليهم عليا فمضى في السرية فأصاب جارية فأنكروا عليه وتعاقد أربعة منهم على أن يخبروا رسول الله إذا رجعوا. فلما قدموا سلّموا على النبي ﷺ ثم قام أحد الأربعة فقال يا رسول الله ألم تر إلى علي صنع كذا وكذا.
فأعرض عنه ثم قام الثاني فقال مثل مقالته فأعرض عنه ثم قام الثالث فقال مثلهما فأعرض عنه ثم قام الرابع فقال مثل ما قالوا فأقبل رسول الله ﷺ والغضب يعرف في وجهه فقال ما تريدون من علي وكرّرها ثلاثا ثم قال إن عليا مني وأنا منه وهو وليّ كلّ مؤمن بعدي»
«٢» حيث يمكن أن يستفاد من هذا الحديث إن صح أنه في معرض الدفاع عن علي رضي الله عنه وبيان علوّ منزلته عنده وحسب. ولعل الحديث الأول صدر أيضا في هذا الموقف فرواه أحدهم لحدته. ومن ذلك حديث يرويه مسلم والترمذي عن زيد بن أرقم صدر عن النبي ﷺ على ماء خمّ بين مكة والمدينة جاء فيه «إن رسول الله ﷺ قام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر ثم قال أما بعد ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب وأنا تارك فيكم ثقلين أوّلهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به فحثّ على كتاب الله ورغّب فيه ثم قال وأهل بيتي أذكّركم الله في أهل بيتي. أذكّركم الله في أهل بيتي.
أذكّركم الله في أهل بيتي»
«٣» وفرق كبير بين هذه الصيغة التي يروي الشيعة صيغة أخرى عن النبي يوم غدير خمّ وما يروونه وأوردناه قبل. وليس لها صلة بالآية التي

(١) التاج ج ٣ ص ٢٩٦.
(٢) المصدر نفسه.
(٣) المصدر نفسه ص ٣١٠.

صفحة رقم 186
التفسير الحديث
عرض الكتاب
المؤلف
محمد عزة بن عبد الهادي دروزة
الناشر
دار إحياء الكتب العربية - القاهرة
سنة النشر
1383
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية