
قال البخاري: حدثنا محمد بن يوسف، حدثنا سفيان عن إسماعيل عن الشعبي عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها قالت. مَن حدّثك أن محمداً - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كتم شيئاً مما أنزل عليه فقد كذب، والله يقول (يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربك) الآية.
(صحيح البخاري ٨/١٢٤ ح ٤٦١٢ -ك التفسير- سورة المائدة، ب الآية)، وأخرجه مسلم في (الصحيح ١/١٥٩ ح ١٧٧ مطولاً - ك الإيمان، ب معنى قوله تعالى (ولقد رآه نزلة أخرى)).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته)، يعني إن كتمت آية مما أنزل عليك من ربك، لم تبلغ رسالاتي.
قوله تعالى (والله يعصمك من الناس)
قال مسلم: حدثنا عبد بن حميد، أخبرنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر عن الزهري، عن أبي سلمة، عن جابر. ح وحدثني أبو عمران، محمد بن جعفر بن زياد (واللفظ له). أخبرنا إبراهيم (يعني ابن سعد) عن الزهري، عن سنان بن أبي سنان الدؤلي، عن جابر بن عبد الله قال: غزونا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غزوة قِبل نجد، فأدركنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في واد كثير العضاه، فنزل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تحت شجرة فعلّق سيفه بغصن من أغصانها، قال: وتفرق الناس في الوادي يستظلون بالشجر، قال: فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن رجلاً أتاني وأنا نائم فأخذ السيف فاستيقظتُ وهو قائم على رأسي فلم أشَعر إلا والسيِف صَلتاً في يده، فقال لي: من يمنعك منّي؟ قال: قلتُ: "الله". ثم قال في الثانية: من يمنعك مني؟.
قال: قلت: "الله". قال: " فَشَام السيف، فها هو ذا جالس" ثم لم يعرِض له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
(صحيح مسلم ٤/١٧٨٦ ح ٨٤٣ - ك الفضائل، ب توكله على الله تعالى، وعصمة الله تعالى له من الناس)، وأخرجه البخاري في (الصحيح ٦/٩٦ ح ٢٩١٠ - ك الجهاد، ب من علق سيفه بالشجر).

قال البخاري: حدثنا إسماعيل بن خليل، أخبرنا على بن مسهر، أخبرنا يحيى ابن سعيد، أخبرنا عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سهِرَ، فلما قدم المدينة قال: "ليت رجلا من أصحابي صالحاً يحرسني الليلة". إذ سمعنا صوت سلاح، فقال: "من هذا؟ " فقال: أنا سعد بن أبي وقاص جئت لأحرسك. فنام النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
(الصحيح ٦/٩٥ ح ٢٨٨٥ - ك الجهاد والسير، ب الحراسة في الغزو في سبيل الله)، وأخرجه مسلم (الصحيح ٤/١٨٧٥ ح ٢٤١٠ - ك فضائل الصحابة، ب في فضل سعد بن أبي وقاص).
قال أحمد: ثنا محمد بن جعفر قال: ثنا شعبة قال: سمعت أبا إسرائيل قال: سمعت جعدة قال: سمعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ورأى رجلا سمينا فجعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يومئ إلى بطنه بيده ويقول: "لو كان هذا في غير هذا لكان خيرا لك". قال: وأتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - برجل فقالوا: هذا أراد أن يقتلك فقال له النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لم ترع لم ترع ولو أردت ذلك لم يسلطك الله على".
(المسند ٣/٤٧١)، وأخرجه الطبراني في (الكبير ٢/٣١٩ ح ٢١٨٣) من طريق علي بن الجعد، عن شعبة به مختصراً، قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح، غير أبي إسرائيل الجشمي، وهو ثقة (مجمع الزوائد ٨/٢٢٧). وصحح إسناده الحافظ ابن حجر. (تهذيب التهذيب ٢/٨١).
قال الحافظ ابن حجر: أخرج ابن أبي شيبة من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: كنا إذا نزلنا طلبنا للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعظم شجرة وأظلها، فنزل تحت شجرة فجاء رجل فأخذ سيفه فقال: يا محمد من يمنعك مني؟ قال: "الله". فأنزل الله (والله يعصمك من الناس).
وهذا إسناد حسن (الفتح ٦/٩٨).
قال الترمذي: حدثنا عبد بن حميد، حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا الحارث ابن عبيد عن سعيد الجريري عن عبد الله بن شقيق عن عائشهَ قالت: كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يحرس حتى نزلت هذه الآية (والله يعصمك من الناس) فأخرج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأسه من القبة، فقال لهم: "يا أيها الناس انصرفوا فقد عصمني الله".
حدثنا نصر بن علي حدثنا مسلم بن إبراهيم بهذا الإسناد نحوه.

(السنن ٥/٢٥١ ح ٣٠٤٦ - ك التفسير، ب ومن سورة المائدة) وقال: غريب، وأخرجه الطبري (التفسير ١٠/٤٦٩ ح ١٢٢٧٦) عن المثنى، وابن أبي حاتم (التفسير - سورة المائدة آية ٦٧ - ح ٣٥٧) عن إبراهيم بن مرزوق البصري، والحاكم (المستدرك ٢/٣١٣) من طريق محمد بن عيسى القاضي، كلهم عن مسلم ابن إبراهيم به. قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وقال الحافظ بن حجر: إسناده حسن (فتح الباري ٦/٨٢) وقال الألباني: حسن (صحيح الترمذي ح ٢٤٤٠). وذكر ابن كثير لهذا الحديث شواهد عن أبي سعيد، وعصمة بن مالك وغيرهما (التفسير ٢/١٢٥-١٢٦).
قوله تعالى (قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم وليزيدن كثيراً منهم ما أنزل إليك من ربك طغياناً وكفراً فلا تأس على القوم الكافرين)
قال ابن حجر: وقد روى ابن أبي حاتم أن الآية نزلت في سبب خاص، فأخرج بإسناد حسن من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: جاء مالك بن الصيف وجماعة من الأحبار فقالوا: يا محمد ألست تزعم أنك على ملة إبراهيم وتؤمن بما في التوراة وتشهد أنها حق؟ قال: بلى، ولكنكم كتمتم منها ما أمرتم ببيانه، فأنا أبرأ مما أحدثتموه. قالوا: فإنا نتمسك بما في أيدينا من الهدى والحق ولا نؤمن لك ولا بما جئت به، فأنزل الله هذه الآية.
(الفتح ٨/٢٦٩).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (فلا تأس) قال: فلا تحزن.
قوله تعالى (وحسبوا ألا تكون فتنة فعموا وصموا ثم تاب الله عليهم ثم عموا وصموا كثيراً منهم والله بصير بما يعملون)
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وحسبوا ألا تكون فتنة فعموا وصموا ثم تاب الله عليهم ثم عموا وصموا كثيراً منهم والله بصير بما يعملون) الآية.
ذكر الله تعالى في هذه الآية الكريمة أن بني إسرائيل عموا وصموا مرتين تتخللهما توبة من الله عليهم، وبين تفصيل ذلك في قوله تعالى: (وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين) الآية. فبين جزاء عماهم وصممهم في المرة الأولى بقوله: (فإذا جاء وعد أولاهما، بعثنا عليكم عباداً لنا، أولي بأس