آيات من القرآن الكريم

۞ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ ۛ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا ۛ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ ۖ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ ۖ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَٰذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا ۚ وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ۚ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ ۚ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ
ﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽ

﴿يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ومن الذين هادوا سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك يحرفون الكلم من بعد مواضعه يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم سماعون للكذب أكالون للسحت فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ثم يتولون من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون﴾ قوله تعالى: ﴿يَأَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِن الَّذِينَ قَالُواءَامَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ﴾ يعني به المنافقين المظهرين للإِيمان المبطنين للكفر. ﴿وَمِنَ الَّذِينَ هَادُواْ﴾ يعني اليهود. ﴿سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍءَاخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ﴾ ليكذبوا عليك عندهم إذا أتوا من بعدهم، وهذا قول الحسن، والزجاج.

صفحة رقم 38

والثاني: أن معنى قوله: ﴿سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ﴾ أى قائلون للكذب عليك. و ﴿سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍءَاخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ﴾ يعني فى قصة الزاني المحصن من اليهود الذي حكم رسول الله ﷺ فأنكروه، وهذا قول ابن عباس. ﴿يُحرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضَعِهِ﴾ فيه قولان: أحدهما: أنهم إذا سمعوا كلام النبي ﷺ غيروه بالكذب عليه، وهذا قول الحسن. والثاني: هو تغيير حكم الله تعالى في جَلْد الزاني بدلاً من رجمه، وقيل في إسقاط القود عند استحقاقه. ﴿يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُواْ﴾ فيه قولان: أحدهما: أنه يريد بذلك حين زنى رجل منهم بامرأة فأنفذوه إلى النبي ﷺ ليحكم بينهم وقالوا: إن حكم عليكم بالجلد فاقبلوه وإن حكم عليكم بالرجم فلا تقبلوه، فقام النبي ﷺ إلى مدارس توارتهم وفيها أحبارهم يتلون التوراة، فأتى عبد الله بن صوريا، وكان أعور، وهو من أعلمهم فقال له أسألك بالذي أنزل التوراة بطور سيناء على موسى بن عمران هل فى التوراة الرجم؟ فأمسك، فلم يزل به حتى اعترف، فأمر بهما النبي ﷺ فَرُجِمَا، قال عبد الله: وكنت فيمن رجمه وأنه ليقيها الأحجار بنفسه حتى ماتت، ثم إن ابن صوريا أنكر وفيه أنزل الله تعالى هذه الآية وهذا قول ابن عباس، وجابر، وسعيد بن المسيب، والسدي، وابن زيد. والقول الثاني: أن ذلك في قتيل منهم، قال الكلبي: قتلت بنو النضير رجلاً من بني قريظة وكانوا يمتنعون بالاستطالة عليهم من القود بالدية، وإذا قتلت بنو قريظة منهم رجلاً لم يقنعوا إلا بالقود دون الدية، قالوا: إن أفتاكم بالدية فاقبلوه وإن أفتاكم بالقود فردوه، وهذا قول قتادة. ﴿وَمَن يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ﴾ فيه ثلاث تأويلات. أحدها: عذابه، وهذا قول الحسن. والثاني: إضلاله، وهو قول السدي.

صفحة رقم 39

والثالث: فضيحته، وهو قول الزجاج. ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ﴾ فيه قولان: أحدهما: لم يطهرها من الضيق والحرج عقوبة لهم. والثاني: لم يطهرها من الكفر. قوله تعالى: ﴿سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ﴾ فيه أربعة تأويلات. أحدهما: أن السحت الرشوة، وهو مروي عن النبي صلى الله عليه وسلم. والثاني: أنه الرشوة فى الحكم، وهو قول علي. والثالث: هو الاستعجال فى القضية، وهو قول أبي هريرة. والرابع: ما فيه الغارّ من الأثمان المحرمة: كثمن الكلب، والخنزير، والخمر وعسب افحل، وحلوان الكاهن. وأصل السحت الاستئصال، ومنه قوله تعالى: ﴿فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ﴾ أي يستأصلكم، وقال الفرزدق:

(وعض زمان يا ابن مروان لم يدع من المال إلا مسحتاً أو مجلف)
فسمي سحتاً لأنه يسحت الدين والمروءة. ﴿فَإِن جَآؤُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَْعْرِضْ عَنْهُمْ﴾ فيمن أريد بذلك قولان: أحدهما: اليهوديان اللذان زنيا خيّر رسول الله ﷺ أن يحكم بينهما بالرجم أو يدع، وهذا قول الحسن، ومجاهد، والزهري. والثاني: أنها في نفسين من بني قريظة وبني النضير قتل أحدهما صاحبه فخّير رسول الله ﷺ عند احتكامهما إليه بين أن يحكم بالقود أو يدع، وهذا قول قتادة.

صفحة رقم 40

واختلفوا في التخيير في الحكم بينهم، هل هو ثابت أو منسوخ؟ على قولين: أحدهما: أنه ثابت وأن كل حاكم من حكام المسلمين مخير فى الحكم بين أهل الذمة بين أن يحكم أو يدع، وهذا قول الشعبي، وقتادة، وعطاء، وإبراهيم. والقول الثاني: أن ذلك منسوخ، وأن الحكم بينهم واجب على من تحاكموا إليه من حكام المسلمين، وهذا قول ابن عباس، والحسن، ومجاهد، وعمر بن عبد العزيز، وعكرمة، وقد نسخه قوله تعالى: ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ﴾ قوله تعالى: ﴿وَكَيفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ الْتَّورَاةُ فِيهَا حَكْمُ اللَّهِ﴾ فيه قولان: أحدهما: حكم الله بالرجم. والثاني: حكم الله بالقود. ﴿ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ﴾ فيه قولان: أحدهما: بعد حكم الله في التوراة. والثاني: بعد تحكيمك. ﴿وَمَآ أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ﴾ فيه قولان: أحدهما: أي فى تحكيمك أنه من عند الله مع جحودهم نبوتك. والثاني: يعني فى توليهم عن حكم الله غير راضين به. قوله تعالى: ﴿إِنَّآ أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ﴾ يعني بالهدى ادليل. وبالنور البيان. ﴿يَحْكُمْ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا﴾ فيهم قولان: أحدهما: أنهم جماعة أنبياء منهم محمد صلى الله عليه وسلم. والثاني: المراد نبينا محمد ﷺ وحده وإن ذكر بلفظ الجمع.

صفحة رقم 41

وفي الذي يحكم به من التوراة قولان: أحدهما: أنه أراد رجم الزاني المحصن، والقود من القاتل العامد. والقول الثاني: أنه الحكم بجميع ما فيها من غير تخصيص ما لم يرد به نسخ. ثم قال تعالى: ﴿لِلَّذِينَ هَادُوا﴾ يعني على الذين هادوا، وهم اليهود، وفي جواز الحكم بها على غير وجهان: على اختلافهم فى التزامنا شرائع من قبلنا إذا لم يرد به نص ينسخ. ثم قال تعالى: ﴿وَالرَّبَانُّيِونَ والأَحْبَارُ﴾ واحد الأحبار حَبْر بالفتح، قال الفراء، أكثر ما سمعت حِبْر بالكسر، وهو العالم، سُمِّي بذلك اشتقاقاً من التحبير، وهو التحسين لأن العالم يحسن الحسن ويقبح القبيح، ويحتمل أن يكون ذلك لأن العلم فى نفسه حسن. ثم قال تعالى: ﴿بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللَّهِ﴾ فيه قولان: أحدهما: معناه يحكمون بما استحفظوا من كتاب الله. والثاني: معناه والعلماء استحفظوا من كتاب الله. وفي ﴿اسْتُحْفِظُواْ﴾ تأويلان: أحدهما: استودعوا، وهو قول الأخفش. والثاني: العلم بما حفظوا، وهو قول الكلبي. ﴿وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَآءَ﴾ يعني على حكم النبي ﷺ أنه في التوراة. ﴿فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ﴾ فيه قولان: أحدهما: فلا تخشوهم فى كتمان ما أنزلت، وهذا قول السدي. والثاني: في الحكم بما أنزلت. ﴿وَلاَ تَشْتَرُوا بِأَيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً﴾ فيه تأويلان: أحدهما: معناه لا تأخذوا على كتمانها أجراً. والثاني: معناه لا تأخذوا على تعليمها أجراً.

صفحة رقم 42

﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُمْ بِمَآ أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾، ثم قال تعالى: ﴿فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْظَّالِمُونَ﴾، ثم قال تعالى: ﴿فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ وفي اختلاف هذه الآي الثلاث أربعة أقاويل: أحدها: أنها واردة في اليهود دون المسلمين، وهذا قول ابن مسعود، وحذيفة، والبراء، وعكرمة. الثاني: أنها نزلت في أهل الكتاب، وحكمها عام في جميع الناس، وهذا قول الحسن، وإبراهيم. والثالث: أنه أراد بالكافرين أهل الإِسلام، وبالظالمين اليهود، وبالفاسقين النصارى، وهذا قول الشعبي. والرابع: أن من لم يحكم بما أنزل الله جاحداً به، فهو كافر، ومن لم يحكم مقراً به فهو ظالم فاسق، وهذا قول ابن عباس.

صفحة رقم 43
النكت والعيون
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن محمد بن محمد البصري الماوردي الشافعي
تحقيق
السيد بن عبد الرحيم بن عبد المقصود
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت / لبنان
عدد الأجزاء
6
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية