آيات من القرآن الكريم

۞ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ ۛ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا ۛ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ ۖ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ ۖ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَٰذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا ۚ وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ۚ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ ۚ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ
ﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽ

قَالَ مُقَيِّدُهُ - عَفَا اللَّهُ عَنْهُ -: التَّحْقِيقُ فِي مَعْنَى الْوَسِيلَةِ هُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ عَامَّةَ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَنَّهَا التَّقَرُّبُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالْإِخْلَاصِ لَهُ فِي الْعِبَادَةِ، عَلَى وَفْقِ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَفْسِيرُ ابْنِ عَبَّاسٍ دَاخِلٌ فِي هَذَا ; لِأَنَّ دُعَاءَ اللَّهِ وَالِابْتِهَالَ إِلَيْهِ فِي طَلَبِ الْحَوَائِجِ مِنْ أَعْظَمِ أَنْوَاعِ عِبَادَتِهِ الَّتِي هِيَ الْوَسِيلَةُ إِلَى نَيْلِ رِضَاهُ وَرَحْمَتِهِ.
وَبِهَذَا التَّحْقِيقِ تَعْلَمُ أَنَّ مَا يَزْعُمُهُ كَثِيرٌ مِنْ مَلَاحِدَةِ أَتْبَاعِ الْجُهَّالِ الْمُدَّعِينَ لِلتَّصَوُّفِ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَسِيلَةِ فِي الْآيَةِ الشَّيْخُ الَّذِي يَكُونُ لَهُ وَاسِطَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ، أَنَّهُ تَخَبُّطٌ فِي الْجَهْلِ وَالْعَمَى وَضَلَالٌ مُبِينٌ وَتَلَاعُبٌ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَاتِّخَاذُ الْوَسَائِطِ مَنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ أَصُولِ كُفْرِ الْكَفَّارِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ عَنْهُمْ: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [٣٩ ٣]، وَقَوْلِهِ: وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [١٠ ١٨]، فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الطَّرِيقَ الْمُوَصِّلَةَ إِلَى رِضَى اللَّهِ وَجَنَّتِهِ وَرَحْمَتِهِ هِيَ اتِّبَاعُ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْ حَادَ عَنْ ذَلِكَ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ، لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ الْآيَةَ [٤ ١٢٣].
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْوَسِيلَةَ فِي بَيْتِ عَنْتَرَةَ مَعْنَاهَا التَّقَرُّبُ أَيْضًا إِلَى الْمَحْبُوبِ ; لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ لِنَيْلِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ، وَلِذَا أَنْشَدَ بَيْتَ عَنْتَرَةَ الْمَذْكُورَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَالْقُرْطُبِيُّ وَغَيْرُهُمَا لِهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَا، وَجَمْعُ الْوَسِيلَةِ: الْوَسَائِلُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ: [الطَّوِيلُ]

إِذَا غَفَلَ الْوَاشُونَ عُدْنَا لِوَصْلِنَا وَعَادَ التَّصَافِي بَيْنَنَا وَالْوَسَائِلُ
وَهَذَا الَّذِي فَسَّرْنَا بِهِ الْوَسِيلَةَ هُنَا هُوَ مَعْنَاهَا أَيْضًا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ الْآيَةَ [١٧ ٥٧]، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْوَسِيلَةِ أَيْضًا الْمَنْزِلَةَ الَّتِي فِي الْجَنَّةِ الَّتِي أَمَرَنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نَسْأَلَ لَهُ اللَّهَ أَنْ يُعْطِيَهُ إِيَّاهَا، نَرْجُو اللَّهَ أَنْ يُعْطِيَهُ إِيَّاهَا ; لِأَنَّهَا لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ، وَهُوَ يَرْجُو أَنْ يَكُونَ هُوَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا، فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ إِجْمَالٌ ; لِأَنَّ الْمُشَارَ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ هَذَا، مُفَسِّرٌ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ: فَخُذُوهُ، وَقَوْلُهُ: لَمْ تُؤْتَوْهُ، لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ فِي الْآيَةِ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَشَارَ لَهُ هُنَا، وَذَكَرَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ.

صفحة رقم 403
أضواء البيان
عرض الكتاب
المؤلف
محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي
سنة النشر
1415
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية