آيات من القرآن الكريم

۞ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ ۛ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا ۛ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ ۖ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ ۖ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَٰذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا ۚ وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ۚ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ ۚ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ
ﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽ

يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (٤١) سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٤٢) وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (٤٣) إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (٤٤)
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ...) الآية يحتمل وجوهًا:
أحدها: ألا يحزنك كفر من كفر منهم. ليس على النهي عن ذلك؛ ولكن ألا يحمل على نفسه بكفرهم ما يمنعه عن القيام بأمره، كقوله: (فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ)، وكقوله: (لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ)، ونحو ذلك من الآيات مما يشتد به الحزن بكفرهم؛ لشدة رغبته في إسلامهم.
ويحتمل قوله - تعالى -: (لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ) أي: لا يحزنك تمرد هَؤُلَاءِ وتكذيبهم إياك؛ فإن اللَّه ناصرك ومظفرك ويظفر لك عليهم.
ويحتمل: لا يحزنك صنيع هَؤُلَاءِ الكفرة وسوء عملهم؛ فإنك لا تؤاخذ بصنيعهم؛ كقوله: (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ)، وكقوله - تعالى -: (لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ).
وفي قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ) دلالة تفضيل رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - على غيره من الأنبياء والرسل؛ لأنه - عَزَّ وَجَلَّ - في جميع ما خاطب رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قال: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ)، و (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ) ولم يُخَاطَبْ باسمه، وسائر الأنبياء - عليهم السلام - إنما خاطبهم باسمائهم: (يا موسَى)، و (يا إبَراهِيمُ)، و (يَا نُوحُ)، وجميع من خاطب منهم أو ذكر إنما ذُكِرَ بأسمائهم.

صفحة رقم 519

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ)
قال: قالوا: (آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ)، ولم يقل: آمنوا بأفواههم؛ ليعلم أن القول به ليس هو من شرط الإيمان؛ إنما الإيمان هو تصديق القلب، لكن يعبر به اللسان عن قلبه؛ ألا ترى أنه قال: (وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ)، والإيمان: هو التصديق في اللغة؛ لأن ضده التكذيب؛ فيجب أن يكون ضد التكذيب: التصديق. والتصديق يكون بالقلب؛ حيث قال - عز وجل -: (وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ)، لكن اللسان يعبر عن ضميره، فهو ترجمان القلب فيما بين الخلق؛ فهذا يدل أيضا على أن الإيمان ليس هو المعرفة؛ لأن الإيمان لو كان معرفة لكان يجب أن يكون ضده جهلا؛ فلما كان ضد الإيمان تكذيبا وجب أن يكون ضد التكذيب: التصديق، والتصديق والإيمان في اللغة سواء؛ ولأن المعرفة قد تقع في القلب على غير اكتساب فعل وإنَّمَا والتصديق لا يكون إلا باكتساب ترك مضادته وهو التكذيب؛ لذلك قلنا: إن الإيمان ليس هو المعرفة، ولكنه تصديق.
ثم اختلف في هَؤُلَاءِ: قَالَ بَعْضُهُمْ: هم المنافقون الذين كانوا يظهرون الإيمان باللسان، وقلوبهم كافرة.
وقال آخرون: هم اليهود والمنافقون (الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ)، وهو قول ابن عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
(وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ)
هذا يدل أن قوله - تعالى -: (مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ) في المنافقين.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ)
يحتمل: سماعون إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - خبره، (سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ) خبره بالكذب، ومعناه - واللَّه أعلم -: أنهم كانوا يستمعون إلى رسول اللَّه - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - خبره، وما يقول لهم، ثم يأتون الذين لم يأتوا رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فيخبرونهم خلاف خبره وغير ما سمعوا منه.
وقيل: إن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - كان يقول: إن في التوراة كذا من الأحكام والشرائع؛ فإذا سمع هَؤُلَاءِ منه ذلك أتوا أُولَئِكَ الذين لم يأتوا رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فيقولون: إنه كاذب، وليس

صفحة رقم 520

في التوراة ما يقول هو، ونحو ذا.
وقيل: إنهم كانوا طلائع الكفرة وعيونًا لهم، فإذا أتى لهم منهم خبر يخبرون ضعفة أصحاب رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - خلاف ما أتاهم؛ نحو قولهم: (إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ)، كانوا يخشونهم؛ لئلا يغزوهم، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ)
يحتمل التحريف وجهين:
يحتمل: تبديل الكتابة من الأصل؛ كقوله - تعالى -: (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ)، ويحتمل تغيير المعنى في العبارة على غير تبديل الكتاب، يغيرون على السفلة، والذين لا يعرفون غير ما فهموا منه.
وقوله: (يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا)
يعنون بـ " هذا ": ما حرفوه وغيروه.
(فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا)
عن ابن عَبَّاسٍ - رضي اللَّه عنه - قال: نزلت الآية في رجل وامرأة من اليهود زنيا، وكان حكم اللَّه في التوراة في الزنا: الرجم، وكانوا يرجمون الوضيع منهم إذا زنا، ولا يرجمون الشريف - وكانا في شرف وموضع، وكانا قد أحصنا، فكرهت اليهود رجمهما، وفي كتابهم الرجم، وكانوا أرادوا أن يرتفع الرجم من بينهم، وأن يكون حدهم الجلد؛ فذلك قوله - تعالى -: (إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا) - يعنون: الجلد - (فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا)، فكتبوا بذلك إلى رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وسألوا عن ذلك، فقالوا: يا مُحَمَّد، أخبرنا عن الزاني والزانية إذا أحصنا: ما حَدُّهُمَا؟ وهل تجد فيهما الرجم فيما أنزل اللَّه - تعالى - عليك؛ فقال لهم رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " وَهَلْ تَرضَونَ بِقَضَائِي فِي ذَلِكَ؟ " قالوا: نعم؛ فنزل

صفحة رقم 521

جبريل - عليه السلام - بالرجم، وقال له: إن أبوا أن يأخذوا به، فاسألهم عن رجل منهم يقال له: " ابن صوريا " - وصفه له - فاجعله بينك وبينهم، فقال لهم رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " نَعَمْ، أَجِدُ فِيمَا أَنْزلَ اللهُ عَلَيَّ: أَن الزانِيَةَ وَالزانِي إِذَا أُحْصِنَا وَفَجَرَا؛ فَإِنَّ عَلَيهِمَا الرجْمَ "، فنفروا عن ذلك؛ فقال لهم رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " أَتَعْرِفُونَ رَجُلاً شَابًّا صِفَتُهُ كَذَا، يُقَالُ لَهُ: ابنُ صُوريا؟ " قالوا: نعم، قال: " فَأَيُّ رَجُلٍ هُوَ فِيكُم؟ " قالوا: هو أعلم يهودي على وجه الأرض بما أنزل اللَّه على موسى، قال: " فَأَرْسِلُوا إِلَيهِ " ففعلوا؛ فأتاهم ابن صوريا، فقال له رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " أَنْتَ ابْنُ صُوريا؟ " قال: نعم، قال: " وَأَنْتَ أَعْلَمُ اليَهُودِ؟ "، قال: كذلك يزعمون، قال: " اجْعَلُوهُ بَيّنِي وَبَينَكُم " قالوا: نعم، رضينا به إذا رضيت، قال: فقال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " فَإِني أَنْشُدُكَ باللَّه الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَا هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ التَوْرَاةَ عَلَى مُوسَى: هَلْ تَجِدُونَ فِي كِتَابِكُمُ الَّذِي أَتَاكم بِهِ مُوسَى فِي التوْرَاةِ: الرجْمَ عَلَى مَنْ أُحْصِنَ؟ "، قال ابن صوريا: نعم والذي ذكرتني، ولولا خشية أن تحرقني النار إن كذبت أو غيرت ما اعترفت لك.
ففي هذا وجوه من الدلائل:
أحدها: أنه سألهم عما كتموا من الأحكام والحقوق التي بينهم وبين اللَّه تعالى؛ ليظهر خيانتهم وكذبهم فيما كتموا من نعت رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وصفته؛ ليعلموا أنه إنما عوف ذلك باللَّه، وفيه إثبات رسالته.
والثاني: أنهم طلبوا منه الرخصة والتخفيف في الحد؛ لأنهم عرفوا أنه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، لكنهم كابروا في الإنكار بعدما عرفوا أنه رسول اللَّه حقًّا.
وفيه دلالة جواز شهادة بعضهم على بعض؛ لأنه قبل شهادة ابن صوريا عليهم حيث شهد بالرجم.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: قوله: (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا

صفحة رقم 522

فَخُذُوهُ...) الآية: إنها نزلت في قتيل قتل عمدًا بين قبيلتين: بني قريظة، والنضير، وكان القتيل من بني قريظة، وكان بنو النضير إذا قتلوا من بني قريظة لم يعطوهم القود، ولكن يعطونهم الدية، وإذا قتل بنو قريظة من بني النضير لم يرضوا إلا بالقود؛ يتعززون عليهم، فقدم رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - المدينة فأرادوا أن يرفعوا أمرهم إلى رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -؛ ليحكم بينهم، فقال رجل من المنافقين: إن قتيلكم قتل عمدًا، وأنا أخشى عليكم القود، فإن كان مُحَمَّد أمركم بالدية وقبل منكم فأعطوه، وإلا فكونوا على حذر، فأخبر اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بما قالوا؛ فقال: (يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ) يعني: الدية، (وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا).
فلا ندري فيم كانت القصة، وفيه من الدلائل ما ذكرنا من إثبات الرسالة والنبوة، والله أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ)
قيل: من يرد اللَّه عذابه وإهلاكه؛ فلن يملك أحد دفع ذلك العذاب عنه.
وقيل: الفتنة: المحنة، أي: من يرد اللَّه أن يمتحن بالرجم أو القتل؛ فلن يملك له أحد دفع ذلك عنه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ) قالت المعتزلة: قوله: (لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ) تأويله يحتمل وجهين:
يحتمل: (لَمْ يُرِدِ اللَّهُ). أي: لم يطهر اللَّه قلوبهم.
والثاني: (أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ) بالشرك والكفر، وذلك بعيد؛ لأنه كيف يطهر بالكفر، وبالكفر يتنجس؟!.
لكن الوجه عندنا في قوله - تعالى -: (أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ) أي: لم يرد اللَّه أن يطهر قلوبهم؛ إذ علم منهم أنهم يختارون ما اختاروا، ويريدون ما

صفحة رقم 523
تأويلات أهل السنة
عرض الكتاب
المؤلف
محمد بن محمد بن محمود، أبو منصور الماتريدي
تحقيق
مجدي محمد باسلوم
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت، لبنان
سنة النشر
1426
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية