آيات من القرآن الكريم

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا ۚ وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا ۚ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا ۘ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ
ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿ

[سورة المائدة (٥) : آية ٢]

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (٢)
قوله تعالى: لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ في سبب نزولها قولان.
(٣٩٤) أحدهما: أن شريح بن ضبيعة أتى المدينة، فدخل على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: إِلام تدعو؟
فقال: «إِلى شهادة أن لا إِله إِلا الله، وأنِّي رسولُ الله»، فقال: إِن لي أُمراء خلفي أرجع إِليهم أشاورهم، ثم خرج، فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لقد دخل بوجه كافر وخرج بعقبي غادر، وما الرجل بمسلم»، فمر شريح بسرح لأهل المدينة، فاستاقه، فلما كان عام الحُديبية، خرج شريح إِلى مكة معتمراً، ومعه تجارة، فأراد أهل السّرح أن يغيروا عليه كما أغار عليهم، فاستأذنوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فنزلت هذه الآية، رواه أبو صالح عن ابن عباس. وقال السّدّي: اسمه الحطم بن هند البكري. قال: ولما ساق السَّرح جعل يرتجز:
قدْ لَفَّها الليل بسوّاقٍ حُطَم ليس براعي إِبل ولا غنم
ولا بجزّارٍ على ظَهْرِ وضم باتوا نيَاما وابنُ هندٍ لم ينم
بات يُقاسِيهَا غلامٌ كالزَّلَمْ خَدلَّجُ الساقين ممسوحُ القدم «١»
(٣٩٥) والثاني: أن ناساً من المشركين جاءوا يؤمون البيت يوم الفتح مهلّين بعمرة، فقال المسلمون: لا ندع هؤلاء بل نغير عليهم، فنزل قوله تعالى وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ.
قال ابن قتيبة: وشعائِر الله: ما جعله الله علماً لطاعته. وفي المراد بها هنا سبعة أقوال «٢» :
أحدها: أنها مناسك الحج، رواه الضّحّاك عن ابن عباس. وقال الفرّاء: كان عامّة العرب لا يرون الصّفا
أخرجه الطبري ١٠٩٦١ عن السدي، وهذا مرسل، وكرره ١٠٩٦٢ عن عكرمة وعن ابن جريج ونسبه الواحدي ٣٧٩ لابن عباس بدون سند، فلعل هذه المراسيل المتقدمة تتأيد بمجموعها، والله أعلم. انظر «أحكام القرآن» ٦١٠ بتخريجنا.
ضعيف. أخرجه الطبري ١٠٩٦٣ عن عبد الرحمن بن زيد مرسلا.
__________
(١) الرجز في «الأغاني» ١٤/ ٤٤ و «حماسة أبي تمام» ١/ ٣٥٤ وقد اختلفوا في نسبة هذا الشعر اختلافا كثيرا، ونسبه في: «الحماسة» لرشيد بن رميض العنزي، ونسب أيضا للأغلب العجلي، وللأخنس بن شهاب، ولجابر بن حني التغلبي ولعل الحطم أنشده مدحا لنفسه فيما فعل وقبل هذا الرجز:
هذا أوان الشدّ فاشتدي زيم والسّرح: المال السائم. وفي «اللسان» : الوضم: كل شيء يوضع عليه اللحم من خشب أو بارية يوقى به من الأرض. وقد ذكره في «اللسان» ونسبه إلى رشيد بن رميض العنزي. وقيل أبو زغبة الخزرجي. والزلم: القدح كان أهل الجاهلية يستقسمون بها. وخدلّج الساقين: عظيمهما.
(٢) قال الإمام الطبري رحمه الله في «تفسيره» ٤/ ٣٩٣: وأولى التأويلات بقوله: لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ، قول عطاء: من توجيهه معنى ذلك إلى: لا تحلوا حرمات الله ولا تضيعوا فرائضه. [.....]

صفحة رقم 507

والمروة من الشعائر، ولا يطوفون بينهما، فقال الله تعالى: لا تستحلوا ترك ذلك. والثاني: أنها ما حرم الله تعالى في حال الإحرام، رواه العوفي عن ابن عباس. والثالث: دين الله كله، قاله الحسن. والرابع:
حدود الله، قاله عكرمة وعطاء. والخامس: حَرمُ الله، قاله السدي. والسادس: الهدايا المشعرة لبيت الله الحرام، قاله أبو عبيدة والزجاج. والسابع: أنها أعلام الحرم، نهاهم أن يتجاوزوها غير محرمين إِذا أرادوا دخول مكة، ذكره الماوردي، والقاضي أبو يعلى.
قوله تعالى: وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ قال ابن عباس: لا تُحِلُّوا القتال فيه. وفي المراد بالشهر الحرام ثلاثة أقوال: أحدها: أنه ذو القَعدة، قاله عكرمة، وقتادة. والثاني: أن المراد به الأشهر الحرم. قال مقاتل: كان جنادة بن عوف يقوم في سوق عكاظ كلَّ سنة فيقول: ألا إِني قد أحللت كذا، وحرّمت كذا. والثالث: أنه رجب، ذكره ابن جرير الطبري. والهدي: كل ما أهدي إِلى بيت الله تعالى من شيءٍ.
وفي الْقَلائِدَ قولان: أحدهما: أنها المقلَّدات مِن الهدي، رواه العوفي عن ابن عباس. والثاني: أنها ما كان المشركون يقلدون به إِبلهم وأنفسهم في الجاهلية، ليأمنوا به عدوّهم، لأن الحرب كانت قائمة بين العرب إِلا في الأشهر الحُرُم، فمن لقوة مقلِّداً نفسه، أو بعيره، أو مشعراً بُدُنَهُ أو سائِقاً هدياً لم يُتعرض له. قال ابن عباس: كانَ مَن أراد أن يسافر في غير الأشهر الحُرُم، قلد بعيره من الشعر والوبر، فيأمَن حيثُ ذهب.
(٣٩٦) وروى مالك بن مِغوَل عن عطاء قال: كانوا يتقلدون من لحاء شجر الحرم، فيأمنون به إِذا خرجوا من الحرم، فنزلت هذه الآية.
وقال قتادة: كان الرجل في الجاهلية إِذا خرج من بيته يريد الحج تقلّد من السَّمُرِ، فلم يَعرِض له أحد، وإِذا رجع تقلَّد قلادة شعر، فلم يعرض له أحد. وقال الفراء: كان أهل مكة يُقلّدون بلحاء الشجر، وسائر العرب يُقلّدون بالوبر والشعر. وفي معنى الكلام ثلاثة أقوال «١» : أحدها: لا تستحلّوا المقلَّدات من الهدي. والثاني: لا تستحلوا أصحاب القلائد. والثالث: أن هذا نهيٌ للمؤمنين أن ينزعوا شيئاً من شجر الحرم، فيتقلّدوه كما كان المشركون يفعلون في جاهليتهم، رواه عبد الملك عن عطاء، وبه قال مطرف، والربيع بن أنس.
قوله تعالى: وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ «الآمّ» : القاصد، و «البيت الحرام» : الكعبة، والفضل:
الربح في التجارة، والرضوان من الله يطلبونه في حجّهم على زعمهم. ومثله قوله تعالى: وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي «٢»، وقيل: ابتغاء الفضل عام، وابتغاء الرضوان للمؤمنين خاصّة.

أخرجه الطبري ١٠٩٥٤ عن عطاء مرسلا، وكرره ١٠٩٥٣ من مرسل قتادة.
__________
(١) قال الإمام الطبري رحمه الله في «تفسيره» ٤/ ٣٩٦: والذي هو أولى بتأويل قوله: وَلَا الْقَلائِدَ إذ كانت معطوفة على أول الكلام ولم يكن في الكلام ما يدل على انقطاعها عن أوله، ولا أنه عنى بها النهي عن التقليد أو اتخاذ القلائد من شيء، أن يكون معناه: ولا تحلّوا القلائد. ونهي من الله عز وجل عن استحلال حرمة المقلّد، هديا كان ذلك أو إنسانا، دون حرمة القلادة. وإن الله عز ذكره، إنما دلّ بتحريمه حرمة القلادة على ما ذكرنا من حرمة المقلّد.
(٢) سورة طه: ٩٧.

صفحة رقم 508

قوله تعالى: وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا لفظُه لفظُ الأمر، ومعناه الإِباحة، نظيره فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ «١» وهو يدلُ على إِحرامٍ متقدّم.
قوله تعالى: وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ وروى الوليد عن يعقوب «يجرمنْكم» بسكون النون، وتخفيفها. قال ابن عباس: لا يحملنّكم، قال غيره: لا يدخلنكم في الجُرم، كما تقول: آثمتُه أي: أدخلته في الإثم، وقال ابن قتيبة: لا يكسبنكم يقال: فلان جارمُ أهله، أي: كاسُبهم، وكذلك جريمتهم. وقال الهُذلي:
ووصف عقاباً:

جريمةَ ناهضٍ في رأس نِيْقٍ تَرَى لِعظَامِ ما جَمَعَتْ صَليبا «٢»
والناهض: فرخها، يقول: هي تكسب له، وتأتيه بقوته. و «الشنآن» البغض، يقال: شنئته أشنؤه:
إِذا أبغضته. وقال ابن الأنباري: «الشنآن» : البغض، و «الشنآن» بتسكين النون: البغيض. واختلف القراء في نون الشنآن، فقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي: بتحريكها، وأسكنها ابن عامر، وروى حفص عن عاصم تحريكها، وأبو بكر عنه تسكينها، وكذلك اختُلف عن نافع. قال أبو علي:
«الشَّنآن»، قد جاء وصفاً، وقد جاء اسماً، فمن حرّك، فلأنه مصدر، والمصدر يكثر على فَعَلان، نحو النَّزَوان، ومن سكَّن. قال: هو مصدر، وقد جاء المصدر على فَعْلان، تقول: لويته دينَه لَيَّانًا، فالمعنى في القراءتين واحد، وإِن اختلف اللفظان.
واختلفوا في قوله تعالى: أَنْ صَدُّوكُمْ فقرأ ابن كثير، وأبو عمرو بالكسر، وقرأ الباقون بالفتح، فمن فتح جعل الصّد ماضياً، فيكون المعنى من أجل أن صدوكم، ومن كسرها، جعلها للشرط، فيكون الصّد مترقَّباً. قال أبو الحسن الأخفش: وقد يكون الفعل ماضيا مع الكسر، كقوله تعالى: إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ «٣» وقد كانت السرقة عندهم قد وقعت، وأنشد أبو علي الفارسي:
إِذا ما انْتَسَبْنَا لَمْ تَلِدْني لئيمةٌ وَلَمْ تَجِدي من أن تُقِرِّي بها بُدّا
فانتفاء الولادة أمر ماض وقد جعله جزاء، والجزاء إِنما يكون بالمستقبل فيكون المعنى إِن ننتسب لا تجدني مولود لئيمة.
قال ابن جرير: وقراءة مَن فتح الألف أبيَن، لأن هذه السورة نزلت بعد الحديبية، وقد كان الصدّ تقدّم. فعلى هذا في معنى الكلام قولان: أحدهما: ولا يحملنكم بغض أهل مكة أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا فيه، فتقاتلوهم، وتأخذوا أموالهم إِذا دخلتموه، رواه أبو صالح عن ابن عباس. والثاني: لا يحملنكم بغض أهل مكة، وصدّهم إِياكم أن تعتدوا بإتيان ما لا يحل لكم من الغارة على المعتمرين من المشركين، على ما سبق في نزول الآية.
قوله تعالى: وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى قال الفراء: لِيُعِن بعضكم بعضاً. قال ابن عباس: البرّ ما
(١) سورة الجمعة: ١٠.
(٢) الصليب: الودك. وقد تقدم وقال ابن فارس: يقال جرم وأجرم ولا جرم بمنزلة قولك لا بد ولا محالة وأصلها من جرم أي اكتسب. انظر «تفسير القرطبي» ٦/ ٤٤.
(٣) سورة يوسف: ٧٧.

صفحة رقم 509
زاد المسير في علم التفسير
عرض الكتاب
المؤلف
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي
تحقيق
عبد الرزاق المهدي
الناشر
دار الكتاب العربي - بيروت
سنة النشر
1422
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية