آيات من القرآن الكريم

وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۚ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪ

يرمونهم بالنبل والحجارة، ولما اشتد عليهم الحصار، ورأوا أن لا سبيل لهم إلى المقاومة، رضوا بالخروج سالمين، وعلموا أن وعد ابن أبيّ كان هو الغدر والخيانة بعينها، وقد كان النبي - ﷺ - قادرًا حينئذ على استئصالهم والقضاء عليهم، ولكنه اختار العفو والإحسان، واختار إبعادهم عن المدينة على أن يخرجوا منها، وليس معهم إلا أولادهم وما حملت الإبل إلا السلاح، ورحلوا إلى خيبر، وهذه الآية نزلت بعد هذا كله، لأنها من آخر ما نزل، ولم يعاقب اليهود بعدها على خيانة ولا غدر، ولكنه أوصى بإجلائهم عن جزيرة العرب.
١٤ - ﴿وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ﴾ وعهدهم وكتبنا عليهم في الإنجيل اتباع محمَّد - ﷺ -، وبيان صفته، وأن لا يعبدوا إلا الله ولا يشركوا به شيئًا، كما أخدنا الميثاق على بني إسرائيل اليهود، وإنما قال (١) تعالى: ﴿وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى﴾. ولم يقل من النصارى؛ لأنهم الذين ابتدعوا هذا الاسم وسموا به أنفسهم ادعاء لنصر دين الله؛ حيث قالوا لعيسى: نحن أنصار الله، لا أن الله تعالى سماهم به ﴿فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ﴾؛ أي: تركوا نصيبًا عظيمًا مما أمروا به في الإنجيل، وهو الإيمان بمحمد - ﷺ -، وخص هذا (٢) الواحد بالذكر مع أنهم تركوا أكثر ما أمرهم الله تعالى به؛ لأن هذا هو المعظم والمهم ﴿فَأَغْرَيْنَا﴾؛ أي: ألقينا وأوقعنا ﴿بَيْنَهُمُ﴾؛ أي: بين فرق النصارى، النسطورية، واليعقوبية، والملكانية، كل فرقة منهم تعادي الأخرى، وقيل: الضمير يعود إلى اليهود والنصارى؛ أي: أوقعنا بين اليهود والنصارى، قاله مجاهد وقتادة والسدي، فإنهم أعداء يلعن بعضهم بعضًا ويكفر بعضهم بعضًا. ﴿الْعَدَاوَةَ﴾ بالقتل والأسر ﴿وَالْبَغْضَاءَ﴾؛ أي: البغض في القلب ﴿إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾؛ لأن نسيان حظ عظيم من كتابهم كان سببًا في تفرقهم في الدين، واتباع أهوائهم، وتبع هذا أن وقعت بينهم العداوة والبغضاء بمقتضى سننه تعالى في هذه الحياة.

(١) الخازن.
(٢) البحر المحيط.

صفحة رقم 175
حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
محمد الأمين بن عبد الله بن يوسف بن حسن الأرمي العلوي الهرري الشافعي
راجعه
هاشم محمد علي مهدي
الناشر
دار طوق النجاة، بيروت - لبنان
سنة النشر
1421
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية