آيات من القرآن الكريم

وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۚ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪ

ونَصَرْتُموهم، وقرأ عاصمٌ «١» الجَحْدَرِيُّ: «وَعَزَرْتُمُوهُمْ» - خفيفة الزاي- حيثُ وقع، وقرأ في «سورة الفتحِ» :«وتَعْزُرُوهُ» - بفتح التاء، وسكونِ العينِ، وضمِّ الزاي-، وسَواءُ السَّبِيلِ:
وَسَطُه، وسائرُ ما في الآية بَيِّن، واللَّه المستعان.
وقوله تعالى: فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً... الاية: أيْ:
فبنقضِهِمْ، والقَسْوَةُ: غَلِظ القَلْب، ونُبُوُّهُ عن الرِّقَّة والمَوْعِظَة، وصَلاَبَتُهُ حتى لا ينفعلَ لخَيْرٍ.
وقوله تعالى: وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ: نصٌّ على سوءِ فِعْلِهِمْ بأنفسهم، أي: قد كان لهم حظٌّ عظيمٌ فيما ذُكِّروا به، فَنَسُوه، وتركُوه، ثم أخبر تعالى نبيَّه- عليه السلام- أنه لا يَزَالُ في مستأْنَفِ الزَّمان يطَّلع على خائِنَةٍ منهم، وغائلةٍ، وأمورٍ فاسدةٍ.
قالت فرقة: خَائِنَة: مصدرٌ، والمعنى: على خِيَانَةٍ، وقال آخرون: معناه: على فرْقَةٍ خائِنَةٍ، فهي اسمُ فاعلٍ صفةٌ لمؤنَّث.
وقوله تعالى: فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ: منسوخٌ بما في «براءة»، وباقي الآية بيِّن.
[سورة المائدة (٥) : آية ١٤]
وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ (١٤)
وقوله تعالى: وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى: «مِنْ» : متعلِّقة ب أَخَذْنا، التقديرُ:
وأخذْنَا مِنَ الذين قالُوا: إنَّا نصارى ميثاقَهُمْ، ويحتملُ أنْ تكون معطوفةً على خائِنَةٍ مِنْهُمْ، والأولُ أرجَحُ، وعلَّق قولهم: «نصارى» بقولهم ودعواهم مِنْ حيث هو اسمٌ شرعيٌّ يقتضي نَصْرَ دينِ اللَّه، وسَمَّوْا به أنفُسَهُمْ دُون استحقاق.
وقوله سبحانه: فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ: أي: أثبتْنَاها بيْنَهم وألْصَقْنَاها، والإغْرَاءُ:
مأخوذ من الغِرَاءِ الذي يُلْصَقُ به، وقال البُخَارِيُّ: الإغراءُ: التسليط. انتهى.
والضمير في بَيْنَهُمُ يحتملُ أنْ يعود على اليَهُودِ، والنصارى لأنَّ العداوةَ بَيْنهم موجودةٌ مستمرَّةٌ، ويحتملُ أن يعود على النصارى فقطْ لأنها أُمَّة متقاتِلَةٌ بينها الفِتَنُ إلى يَوْم القيامة، ثم توعَّدهم بعذابِ الآخرة إذْ صُنْعهم كُفْرٌ يوجب الخُلُود في النار.

(١) ورويت عن عمر بن الخطاب كما في الشواذ (ص ٣٨)، وينظر: «المحتسب» (١/ ٢٠٨)، و «المحرر الوجيز» (٢/ ١٦٨)، و «البحر المحيط» (٣/ ٤٦٠)، و «الدر المصون» (٢/ ٥٠٠).

صفحة رقم 363

واعلَمْ (رحمك اللَّه) أنه قَدْ جاءَتْ آثارٌ صحيحةٌ في ذَمِّ الشحناءِ والتباغُضِ والهِجْرَانِ لغَيْر موجِبٍ شرعيٍّ، ففي «صحيح مُسْلِمٍ»، عن أبي هريرة أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «تُفْتَحُ أَبْوَابُ الجَنَّةِ يَوْمَ الاِثْنَيْنَ وَيَوْمَ الخَمِيسِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئاً إلاَّ رَجُلاً كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيه شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: انظروا هَذَيْنِ حتى يَصْطَلِحَا، انظروا هَذَيْنِ حتى يَصْطَلِحَا»، وفي روايةٍ: «تُعْرَضُ الأَعْمَالُ فِي كُلِّ خَمِيسٍ واثنين، فَيَغْفِرُ اللَّهُ فِي ذلك اليوم/ لكلّ امرئ لاَ يُشْرِكُ باللَّهِ شَيْئاً... » الحديث «١». انتهى.
وروى ابن المبارك في «رقائقه» بسنده، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، قال: «لاَ يَحِلُّ لامْرِىءٍ مُسْلِمٍ أَنْ يُهَاجِرَ مُسْلِماً فَوْقَ ثَلاَثِ لَيَالٍ، فَإنَّهُمَا نَاكِبَانِ عَنِ الْحَقِّ مَا دَامَا على صِرَامِهِمَا، فَأَوَّلُهُمَا فَيْئاً يَكُونُ سَبْقُهُ بِالفَيْءِ كَفَّارَةً لَهُ، وَإنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَقْبَلْ، وَرَدَّ عَلَيْهِ سَلاَمَهُ، رَدَّتْ عَلَيْهِ المَلاَئِكَةُ، وَرَدَّتْ عَلَى الآخَرِ الشَّيَاطِينُ، وإذَا مَاتَا على صِرَامِهِمَا، لَمْ يَدْخُلاَ الجَنَّةَ»، أُرَاهُ قَالَ: أَبَداً «٢». انتهى، وسنده جيِّد، ونصَّه قال ابن المبارك: أخبرنا شعبةُ عَنْ يزيدَ الرِّشْكِ «٣»، عن مُعَاذَةَ العَدَوِيَّةِ «٤»، قَالَتْ: سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ عامر «٥» يقول: سمعت

(١) أخرجه مالك في «الموطأ» (٢/ ٩٠٨- ٩٠٩)، كتاب «حسن الخلق»، باب ما جاء في المهاجرة، حديث (١٧) ومسلم (٤/ ١٩٨٦) كتاب «البر والصلة»، باب النهي عن الشحناء والتهاجر، حديث (٣٥/ ٢٥٦٥) من حديث أبي هريرة.
(٢) أخرجه ابن المبارك في «الزهد» (ص ٢٧١) رقم (٧٨٤) والبخاري في «الأدب المفرد» (٤٠٢)، وأحمد (٤/ ٢٠)، وابن حبان (٥٦٦٤) من طريق يزيد الرشك، عن معاذة العدوية، عن هشام بن عامر به.
وذكره الهيثمي في «المجمع» (٨/ ٦٩) وقال: رواه أحمد، وأبو يعلى، ورجال أحمد رجال الصحيح.
(٣) يزيد بن أبي يزيد الضّبعي بضم المعجمة مولاهم أبو الأزهر البصري الذارع القسّام الرّشك بكسر المهملة وإسكان المعجمة. عن: مطرّف بن الشّخّير. وعنه: شعبة، ومعمر. وثقه أبو حاتم. قال ابن منجويه:
مات سنة ثلاثين ومائة. له في (البخاري) فرد حديث.
ينظر: «الخلاصة» (٣/ ١٧٩).
(٤) معاذة بنت عبد الله العدويّة أم الصّهباء البصرية العابدة، عن علي وعائشة، وعنها أبو قلابة ويزيد الرّشك وأيوب وعاصم الأحول وطائفة، قال ابن معين: ثقة حجة، قال الذهبي: بلغني أنها كانت تحيي الليل، وتقول: عجبت لعين تنام وقد علمت طول الرقاد في القبور، قال ابن الجوزي: توفيت سنة ثلاث وثمانين.
ينظر: «الخلاصة» (٣/ ٣٩٣)، «تهذيب الكمال» (٣/ ١٦٩٨)، «الكاشف» (٣/ ٤٨١)، «أعلام النساء» (٥/ ٦٠)، «سير الأعلام» (٤/ ٥٠٨).
(٥) هشام بن عامر بن أمية بن الحسحاس بمهملات ابن مالك. عن عامر بن غنم بن عدي بن النّجّار الأنصاري النّجّاري، صحابي نزل البصرة، له أحاديث، انفرد له مسلم بحديث. وعنه ابنه سعد ومعاذة العدوية. -

صفحة رقم 364
الجواهر الحسان في تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي
تحقيق
عادل أحمد عبد الموجود
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1418
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية