
وقوله: (لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ) إشارة إلى أنهم هم الرعاع أتباع.
قوله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٠٥)
قيل لا يضّركم ولا يَضِيركم من ضَارَه يُضِيَره يَضُورُه
وجُعِل جواباً.
ولا يضُّركم الأجود أن يكون رفعاً لا جواباً وإن جاز أن
يكون في موضع الجزم على الجواب على معنى أنكم إن أصلحتم أنفسكم، ولم يتحروا ما فيه فسادكم وإفساد غيركم، لم يضركم فلا يكونا كمن قبلهم

ليحملوا أثقالهم وأثقالاً مع أثقالهم، وقوله: (لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ)
وليس في الآية حثٌّ على ترك النهي عن المنكر كما نقله قوم، فقد تقدم حث الله على ذلك في آيات كثيرة نحو قوله:
(وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ).
وقال حاكياً عن لقمان: (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (١٧).
ومدح القائلين بذلك فقال: (الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ).
وقال عليه الصلاة والسلام: ((من رأى منكم منكراً واستطاع أن يغيره بيده
فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه)،
ويدلك على

ذلك أنه قال: (لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ).
ومن الاهتداء إنكار المنكر.
وقال أبو بكر - رضي الله عنه -: (إني أراكم تتناولون هذه الآية:
(عَلَيكُم أَنفُسَكُم) وقد عهدنا رسول الله - ﷺ - علمنا هذا على هذه الأمور وهو يقول: إن الناس إذا تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عمهم الله بعقابه)، وما بينكم وبين أن يعمهم بعقابه إلا أن تناولوا هذه الآية على غير تأويلها، وإنما المعنى لا تعتدوا بآبائكم واحفظوا أنفسكم أن تزِّل كما زلَّ غيركم، وإذا اهتديتم فليس عليكم من ضلال من خالفكم شيء. كقوله: (لَّيسَ عَلَيكَ هُدَاهُم)،

وقوله: (وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ).
قيل: وفيها حثٌّ على أن نظر الإنسان لنفسه أن يهذب نفسه
قبل أن يهذب غيره، وأن يعتبر حال نفسه قبل اعتبار حال غيره.
وعلى هذا: (قُوَاْ أَنفُسَكُم وَأَهلِيكُم نَارًا).
فأمر أن يبدأ بنفسه.
وقيل: إن ذاك إشارة إلى ترك النهي باليد واللسان، حيث يعلم أنه لا يغني ولا يجدي كما ورد في الخبر (إذا رأيتم هوى متبعا وإعجاب المرء بنفسه فعليكم أنفسكم).

وقيل: عنى من يضل من أهل الكتاب إذا التزموا الجزية، فيقول دعوهم وشأنهم
ولا يضركم منهم شيء، وقيل: إن ذلك إشارة إلى وقت مخصوص.
فقد روي عن رسول الله - ﷺ -:
(ترك النهي إذا قدم كنيسة دمشق فجعل مسجداً، وإذا رأت الكاسيات العارية).
قيل: هذا كان في زمن الوليد بن عبد الملك، فهو الذي هدم الكنيسة وضمها إلى المسجد.