آيات من القرآن الكريم

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ ۖ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ
ﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿ

المعنى:
أيها المسلمون ما جعل الله في الدين الإسلامى من بحيرة، ولا سيّب سائبة، ولا وصل وصيلة، ولا حمى حاميا، أى: ما شرع ذلك ولا أمر به، فما كان يفعله الجاهليون فهو رد عليهم غير مقبول منهم.
ولكن الذين كفروا- إذ يفعلون ما يفعلون- إنما يفترون على الله الكذب، حيث قالوا أمرنا الله بهذا، وقالوا: لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا، ولا حرمنا من دونه من شيء!! قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا؟ إن تتبعون إلا الظن، وما تهوى الأنفس، وقد ثبت في الصحيح كما مر أن أول من سنّ هذا هو عمرو بن لحى بن قمعة بن خندف ولكن أكثرهم لا يعلمون.
وإذا قيل لهم: تعالوا أيها الضالون إلى نور القرآن وإلى هدى الرسول وحكّموا عقولكم وانزعوا عنها غطاء التعامي عن آيات الله قالوا غرورا وجهلا وسفها وحمقا:
حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا فآباؤنا مصدر التشريع الصحيح!! أيتبعونهم ويتركون الدين الصحيح والتشريع القويم، ولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا أبدا ولا يهتدون إلى خير أصلا، ولا غرابة فهم الذين عاشوا في العداوة والبغضاء والحروب والغارات وشرب الخمر ووأد البنات، وعمل الفحش والمنكرات!! وهل كانت هناك جاهلية جهلاء؟ وضلالة عمياء أسوأ من هذا؟
في الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر [سورة المائدة (٥) : آية ١٠٥]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٠٥)
المناسبة:
بعد أن بين الله ضلال أهل الشرك وعنادهم، وتفكيرهم السقيم في اتباع آبائهم، خفف

صفحة رقم 571

الله عن المؤمنين أوزارهم، وأمر بأن يكملوا أنفسهم بالعمل الطيب، ولا عليهم شيء بعد هذا.
المعنى:
يا أيها المؤمنون عليكم أنفسكم، كملوها بالعلم والعمل وأصلحوها بالقرآن والسنن وانظروا فيما يقربها إلى الله حتى تكون في رفقة الأنبياء الشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا، وبعد هذا لا يضركم من ضل إذا اهتديتم.
نعم لا يضركم شيء إذا قمتم بما عليكم من واجبات وأمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكرات، فالله يقول: وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى «١» ثم إلى الله وحده المرجع والمآب وسيجازى كلا على عمله، إن خيرا فخير، وإن شرّا فشر.
روى ابن كثير أن أبا بكر خطب في الناس فقال: «أيها الناس إنكم تقرءون وهذه الآية (عليكم أنفسكم... الآية) وإنكم تضعونها في غير موضعها وإنى سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: إن الناس إذا رأوا المنكر ولم يغيروه يوشك أن يعمهم الله بعقاب»
وفي حديث أبى ثعلبة الخشني قال: «لقد سألت عنها خبيرا (أى: هذه الآية) سألت عنها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر، حتى إذا رأيت شحّا مطاعا، وهوى متبعا، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأى برأيه فعليك بخاصة نفسك ودع عنك العوام فإن من ورائك أياما، الصابر فيهن مثل القابض على الجمر، للعامل فيهن أجر خمسين رجلا يعملون كعملكم».
وفي رواية لابن عمر: إن هذه الآية تأويلها في غير زمن النبوة بل في القرون الآتية بعد، وعن سعيد بن المسيب: إذا أمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر فلا يضركم من ضل إذا اهتديتم.
والخلاصة أن السلف متفقون على أن المسلم يكمل نفسه بالعمل الصالح، ويكمل غيره بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وأن هذا فرض لا يسقط إلا إذا اضمحل الزمان، وفسد الناس فسادا يؤدى إلى إيذاء الواعظ إيذاء يهلكه.
والرأى- والله أعلم- أن الله يخاطب الجماعة في مقام الأمر بالمعروف والنهى عن

(١) سورة الزمر آية ٧.

صفحة رقم 572
التفسير الواضح
عرض الكتاب
المؤلف
محمد محمود حجازي
الناشر
دار الجيل الجديد
سنة النشر
1413
الطبعة
العاشرة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية