آيات من القرآن الكريم

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ ۖ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ
ﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿ

وينال به رضاه، فقد ضاهى بعمله عمل عمرو بن لحىّ، لأن الله لا يعبد إلا بما شرعه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، فلا عبادة ولا تحريم إلا بنص، وليس لأحد أن يزيد أو ينقص برأى ولا قياس.
(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قالُوا حَسْبُنا ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا) أي وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله فى القرآن من الأحكام المؤيدة بالحجج والبراهين، وإلى الرسول المبلغ لها والمبين لمجملها فاتبعوه فيها، أجابوا من يدعونهم إلى ذلك حسبنا ما وجدنا آباءنا يعملون به، ونحن لهم تبع وهم لنا أئمة وقادة. فرد الله عليهم قولهم:
(أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ؟) أي أيكفيهم ذلك ولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا من الشرائع ولا يهتدون سبيلا إلى المصالح، سواء أكانت دينية أم دنيوية، ولا يعرف ما يكفى الأفراد والأمم إلا بالعلم الصحيح الذي يميز به بين الحق والباطل، فأولئك قوم أميون يتخبطون فى ظلمات من الوثنية وخرافات من معتقدات الجاهلية، فمن وأد للبنات إلى سلب ونهب وإغارات من بعضهم على بعض، ومن قتال تشتجر فيه الرماح، إلى عداوة وبغضاء تملأ السهول والبطاح، ومن ظلم لليتامى والنساء إلى تفنن فى الشعوذة وضروب السحر والكهانة.
ونحو الآية قوله تعالى: «وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ؟».
[سورة المائدة (٥) : آية ١٠٥]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٠٥)
المعنى الجملي
بعد أن نعى سبحانه على المشركين ما هم عليه من جهل وعناد، وطغيان وفساد، وأنهم لم ينتفعوا بإعذار ولا إنذار، بل بقوا مصرّين على جهلهم، سادرين فى ضلالهم

صفحة رقم 45

أمر المؤمنين بأن يهتموا بإصلاح أنفسهم بالعلم النافع والعمل الصالح، وأبان لهم أنهم إذا أصلحوا أنفسهم، وقاموا بما أوجب الله عليهم من علم وعمل وتعليم وإرشاد فلا يضيرهم بعد ذلك ضلال من ضل وحاد عن الصراط السوي، وسار سادرا فى غلواء الجهل والتقليد، وتنكب عن جادة الحق.
الإيضاح
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) أي احفظوا أنفسكم من المعاصي، وانظروا فيما يقرّبها من ربها، ويخلّصها من عقابه، ولا يضرّكم ضلال غيركم إذا أنتم اهتديتم «وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى».
(إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) أي إليه وحده رجوعكم ورجوع من ضل عما اهتديتم إليه فينبئكم عند الحساب بما كنتم تعملون فى الدنيا ويجزيكم به.
روى ابن كثير «أن أبا بكر قام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس إنكم تقرءون هذه الآية (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ) وإنكم تضعونها على غير موضعها، وإنى سمعت رسول الله ﷺ يقول: إن الناس إذا رأوا المنكر ولم يغيروه يوشك أن يعمهم الله بعقاب».
وروى الترمذي عن أبي أمية الشيباني قال: «أتيت أبا ثعلبة الخشني فقلت ما تصنع فى هذه الآية؟ قال أيّة آية؟ قلت قول الله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) قال أما والله لقد سألت عنها خبيرا، سألت عنها رسول الله ﷺ فقال: بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحّا مطاعا، وهوى متّبعا، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كل ذى رأى برأيه فعليك بخاصة نفسك ودع عنك العوامّ، فإن من ورائكم أياما الصابر فيهن مثل القابض على الجمر، للعامل فيهن أجر خمسين رجلا يعملون كعملكم».

صفحة رقم 46
تفسير المراغي
عرض الكتاب
المؤلف
أحمد بن مصطفى المراغي
الناشر
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر
الطبعة
الأولى، 1365 ه - 1946 م
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية