
وقيل: في المحجورين من أموالهم، ومَعْرُوفاً: قيل: معناه: ادعوا لهم، وقيل:
معناه: عِدُوهُمْ وَعْداً حَسَناً، أي: إنْ رَشَدتُّمْ، دَفَعْنا لكُمْ أموالكم، ومعنى اللفظة: كُلُّ كلام تعرفه النفُوسُ، وتأنس إليه، ويقتضيه الشّرع.
[سورة النساء (٤) : الآيات ٦ الى ٧]
وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً (٦) لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (٧)
وقوله: وَابْتَلُوا الْيَتامى... الآية: الابتلاء: الاختبار، وبَلَغُوا النِّكاحَ: معناه:
بَلَغُوا مَبْلَغَ الرجَالِ بِحُلُمٍ أوْ حَيْضٍ، / أوْ غَيْرِ ذلك، ومعناه: جَرِّبوا عقولهم، وقرائحهم، وتصرّفهم، وآنَسْتُمْ: معناه: عَلِمْتُمْ، وشَعَرْتُمْ، وخَبَرْتُمْ، ومالكٌ (رحمه اللَّه) يرى الشّرطين البلوغ «١»...
والقسم الثاني: ثلاثة أنواع:
الأول: خروج المني منهما في اليقظة أو النوم، ويدل لذلك قول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «رفع القلم عن ثلاث عن النّائم حتّى يستيقظ، وعن المجنون حتّى يفيق، وعن الصّبيّ حتّى يحتلم» وقول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لمعاذ: «خذ من كلّ حالم دينارا»، وقول الله تعالى: وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ [النور: ٥٩] الآية.
الثاني: نبات شعر العانة على فرج الذكر والأنثى. وخالف في ذلك أبو حنيفة (رضي الله عنه) فلم يره علامة للبلوغ مستندا إلى أن شعر العانة شعر نبت على الجسم كغيره من الشعور، فلا يصلح علامة على البلوغ كغيره.
أمّا الجمهور، فإنه استند إلى ما ورد من أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لما حكم سعد بن معاذ في بني قريظة، وحكم سعد بأن تقتل مقاتلهم وتسبى ذراريهم، أمر عليه الصلاة والسلام بأن يكشف عن مؤتزرهم، فمن أنبت فهو من المقاتلة، ومن لم ينبت فهو من الذراري، وفي ذلك يقول عطية القرظي: عرضت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم قريظة، فشكوا فيّ، فأمر النبيّ (عليه السلام) أن ينظر هل أنبت بعد، فنظروا إليّ فلم يجدوني أنبت بعد، فألحقوني بالذرية.
فأنت ترى أن الرسول (عليه الصلاة والسلام) جعل الإنبات فارقا بين المقاتلة والذرية، فكان علامة على البلوغ إذ لا يقتل إلّا من بلغ. وكذلك ثبت أن عمر (رضي الله عنه) كتب إلى بعض عمّاله ألّا تأخذ الجزية إلا ممن جرت عليه المواسي. ويعني بذلك من نبتت عانته فدل ذلك على أن نبات شعر العانة علامة على البلوغ لأن الجزية لا تؤخذ إلّا ممن بلغ. وأيضا فقد ورد أن غلاما من الأنصار شبب بامرأة-[.....]

والرُّشد «١» المختَبَرَ «٢»، وحينئذٍ يدفع المال.
قال ع»
: والبلوغُ لم تَسُقْهُ الآيةُ سِيَاقَ الشَّرْط، ولكنَّها حالةُ الغالِبِ على بني آدم أنْ تَلْتَئِمَ عقولُهم فيها، فهو الوقْتُ الذي لا يُعْتَبَرُ شَرْط الرُّشْد إلاَّ فيه، فقال: إذا بلغ ذلك الوقْتَ، فلينظُرْ إلى الشرط، وهو الرُّشْد حينئذٍ وفصاحةُ الكلامِ تدُلُّ على ذلك لأنَّ التوقيتَ بالبلوغِ جاء ب «إذَا»، والمشروطُ جاء ب «إنْ» التي هي قاعدةُ حروفِ الشرطِ، «وإذا» ليستْ بحَرْفِ شرطٍ إلاَّ في ضرورة «٤» الشِّعْر، قال ابنُ عَبَّاس: الرُّشْد في العقلِ
ينظر: «نظام الحجر» لشيخنا: سليمان رمضان عثمان.
(١) أمّا الرشد، فقال كثير من العلماء: إنه الصلاح في المال وحسن التصرف فيه وتثميره وتنميته.
وذهب الشافعي وجماعة إلى أن المراد به الصلاح في المال والدين.
أما طرق معرفته، فتختلف باختلاف أحوال المختبر نفسه، فهي في الذكور الذين يخالطون الناس في الأسواق وغيرها، تختلف عنها في الإناث اللاتي لا يخالطن الناس في الأسواق. والأمر في معرفة الرشد ليس من السهولة بالدرجة التي تظن، فالذين يخالطون الناس في الأسواق يختبرون بدخول الأسواق ومخالطة من فيها حتى يشاهدون ما يجري بين الناس من بيع أو شراء، فينكرون على المغبون، ويغبطون الرابح، وبذلك تحصل لهم الخبرة، ويثبت لهم الرشد.
والذين لا يختلطون بالناس في الأسواق ممّن يسمّون بالطبقة العليا يدفع إليهم نفقة قليل من الزمن ليرى كيف ينفقونها ويتصرفون فيها، فإن أحسنوا النظر في تصرفها، فقد استبان رشدهم، وثبت استقامة نظرهم، وإلا فهم على السفه وعدم الرشد.
أمّا الإناث فيختبرن بدفع قليل من المال لشراء ما يلزم للبيت من حاجيات الطهي وما إلى ذلك من كل ما يختص به النساء، عادة، فإن تبين من صنيعهن حسن التصرف واستقامة النظر، فقد تحقق رشدهن.
ينظر: «نظام الحجر» لشيخنا سليمان رمضان عثمان.
(٢) لم يختلف العلماء في أن الصبي إذا بلغ رشيدا زال الحجر عنه، ووجب دفع ماله إليه، وإنما اختلفوا في وقت اختباره ومعرفة متى يحسن التصرف.
فقال أبو حنيفة والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين عنه: إن الاختبار قبل البلوغ والمعنى: وبعد التمييز.
وذهب مالك إلى أن الاختبار بعد البلوغ.
ينظر: «نظام الحجر» لشيخنا سليمان رمضان عثمان.
(٣) ينظر: «المحرر الوجيز» (٢/ ١٠).
(٤) ظاهر عبارة بعضهم أنّ «إذا» ليست بشرطية، قال: «وإذا ليست بشرطية لحصول ما بعدها، وأجاز سيبويه أن يجازى بها في الشعر، وقال: «فعلوا ذلك مضطرين»، وإنما جوزي بها لأنها تحتاج إلى جواب، -

وتدبيرِ المَالِ لا غَيْرُ «١» وهو قولُ ابنِ القَاسِمِ في مَذْهَبنا.
وقال الحَسَنُ، وقَتَادة: الرُّشْد في العَقْلِ والدينِ «٢» وهو روايةٌ أيضًا عن مالك.
وقوله تعالى: وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا: نهي منه سبحانَه للأوصياء عَنْ أَكْل أموالِ اليتامى بغَيْر الواجبِ المُبَاح لهم، والإسْرَافُ: الإفراط في الفَعْل، والسَّرَف:
الخَطَأُ في مواضع الإنفاق، وبِدَاراً: معناه: مُبَادَرَةً كِبَرِّهم، أيْ أنَّ الوصِيَّ يستغنمُ مالَ مَحْجُورِهِ، وأَنْ يَكْبَرُوا: نَصْبٌ ب «بِدَار»، ويجوز أنْ يكونَ التقديرُ مخافةَ أنْ يَكْبَرُوا.
وقوله تعالى: وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ، يقال: عَفَّ الرجُلُ عَنِ الشَّيْء، واستعف، إلا أَمْسَكَ، فَأُمِرَ الغنيُّ بالإمساك عَنْ مالِ اليتيمِ وأبَاحَ اللَّه للوصيِّ الفقيرِ أنْ يأكُلَ مِنْ مالِ يتيمه بالمَعْروف.
واختلف العلماءُ في حَدِّ المعروف، فقال ابنُ عَبَّاس وغيره: إنما يأكل الوصيُّ بالمعروف إذا شَرِبَ مِنَ اللَّبَنَ، وأَكَلَ مِنَ التَّمْر بما يهنأ الجَرْبَاء، ويلطُّ الحَوْض، ويُجِدُّ التمْر، وما أشبهه «٣»، قُلْتُ: يقال للقَطِرَانِ: الهَنا في لغة العرب كذا رأيته مَنْصُوصاً عليه.
قال الشيخ: «وكلامه يدل على أنها تكون ظرفا مجردا ليس فيها معنى الشرط، وهو مخالف للنحويين فإنهم كالمجمعين على أنها ظرف فيها معنى الشرط غالبا، وإن وجد في عبارة بعضهم ما ينفي كونها أداة شرط، فإنما يعني أنها لا يجزم بها لا أنها لا تكون شرطا». وقدّر بعضهم مضافا قال: «تقديره: بلغوا حدّ النكاح أو وقته، والظاهر أنه لا يحتاج إليه إذ المعنى: صلحوا للنكاح. والفاء في قوله: فَإِنْ آنَسْتُمْ جواب «إذا»، وفي قوله: فَادْفَعُوا جواب «إن».
ينظر: «الدر المصون» (٢/ ٣١٢).
(١) أخرجه الطبري (٣/ ٥٩٤) برقم (٨٥٨٥)، وذكره ابن عطية في «المحرر الوجيز» (٢/ ١١)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٢/ ٢١٤)، وعزاه لابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي. وذكره في (٢/ ٢١٥)، وعزاه لعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم.
(٢) أخرجه الطبري (٣/ ٥٩٤) برقم (٨٥٨٣) عن قتادة، وبرقم (٨٥٨٤) عن الحسن.
وذكره ابن عطية في «المحرر الوجيز» (٢/ ١١)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٢/ ٢١٥)، وعزاه لابن جرير، وابن المنذر، والبيهقي عن الحسن.
(٣) ذكره ابن عطية في «المحرر الوجيز» (٢/ ١١)، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢/ ٢١٦)، وعزاه إلى عبد بن حميد، والبيهقي من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس. وفي (٢/ ١١)، وعزاه لمالك، وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، والنحاس في «ناسخه» عن القاسم بن محمد عن ابن عباس.