
فاذا قامت القيامة ففى أي دار أكون انا فضحك النبي ﷺ وقال (إذا حفظت عينيك عن اثنين عن النظر الى المحرمات والنظر الى الحلق بعين الاحتقار وحفظت قلبك عن اثنين عن الغل والحسد وحفظت لسانك عن اثنين عن الكذب والغيبة تكون معى فى الجنة)
تفسير سورة النساء
وهى مائة وخمس اوست او سبع وسبعون آية
بسم الله الرحمن الرحيم يا أَيُّهَا النَّاسُ خطاب عام يتناول الموجودين فى زمان الخطاب ومن بعدهم دون المنقرضين بدليل انهم ما كانوا متعبدين بشر عنا فلو كان عاما لجميع بنى آدم لزم ان يتعبدوا بشر عنا وهو محال اتَّقُوا رَبَّكُمُ فى حفظ ما بينكم من الحقوق وما يجب وصله ومراعاته ولا تضيعوه ولا تقطعوا ما أمرتم بوصله الَّذِي خَلَقَكُمْ اى قدر خلقكم حالا بعد حال على اختلاف صوركم وألوانكم مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ اى من اصل واحد وهو نفس آدم أبيكم وعقب الاتقاء بمنة الخلق كيلا يتقى الا الخالق وبين اتحاد الأب فان فى قطع التزاحم حضا على التراحم وَخَلَقَ مِنْها اى من تلك النفس يعنى من بعضها زَوْجَها امكم حواء بالمد من ضلع من أضلاعه اليسرى- روى- ان الله تعالى لما خلق آدم عليه السلام واسكنه الجنة القى عليه النوم فبينما هو بين النائم واليقظان خلق حواء من قصيراه فلما انتبه وجدها عنده فمال إليها وألفها لأنها كانت مخلوقة من جزء من اجزائه وأخرت حواء فى الذكر وان كانت مقدمة فى الخلق لان الواو لا ترتيب فيها وَبَثَّ اى فرق ونشر مِنْهُما من تلك النفس وزوجها المخلوقة بطريق التوالد والتناسل رِجالًا كَثِيراً تذكيره للحمل على الجمع والعدد وَنِساءً اى بنين وبنات كثيرة. واكتفى بوصف الرجال بالكثرة عن وصف النساء بها إذ الحكمة تقتضى ان يكون اكثر. وترتيب الأمر بالتقوى على هذه القصة لان المراد به تمهيد للامر بالتقوى فيما يتصل بحقوق اهل منزله وبنى جنسه على ما دلت عليه الآيات التي بعدها فكأنه قيل اتقوا ربكم الذي وصل بينكم حيث جعلكم صنوانا متفرعة من ارومة واحدة فيما يجب لبعضكم على بعض من حقوق المواصلة التي بينكم فحافظوا عليها ولا تغفلوا عنها وَاتَّقُوا اللَّهَ اى لا تقطعوا فى الدين والنسب اغصانا تتشعب من جرثومة واحدة الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ فيما بينكم حيث يقول بعضكم لبعض اسألك بالله وَالْأَرْحامَ اى يسأل بعضكم بعضا بالله فيقول بالله وبالرحم وانا شدك الله والرحم افعل كذا على سبيل الاستعطاف وجرت عادة العرب على ان أحدهم إذا استعطف غيره يقرن الرحم فى السؤال والمناشدة بالله ويستعطف به. فقوله والأرحام بالنصب عطف على محل الجار والمجرور كقولك مررت بزيد وعمرا أو على الله اى اتقوا الله واتقوا الأرحام فصلوها ولا تقطعوها وقد نبه سبحانه إذ قرن الأرحام باسمه على ان صلتها بمكان منه وعنه ﷺ (الرحم معلقة بالعرش تقول من وصلني وصله الله ومن قطعنى قطعه الله) وقال ﷺ (ما من عمل حسنة اسرع

ثوابا من صلة الرحم وما من عمل سيئة اسرع عقوبة من البغي) فينبغى للعباد مراعاة الحقوق لان الكل أخ لاب وأم هما آدم وحواء سيما المؤمنين لان فيهم قرابة الايمان والدين وكذا الحال فى قرابة الطين إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً الرقيب هو المراقب الذي يحفظ عليك جميع افعالك اى حافظا مطلعا على جميع ما يصدر عنكم من الافعال والأقوال وعلى ما فى ضمائركم من النيات مريدا لمجازاتكم بذلك فبين الله تعالى انه يعلم السر وأخفى وانه إذا كان كذلك فيجب ان يكون المرء حذرا خائفا فيما يأتى ويذر. واعلم ان التقوى هى العمدة وهى سبب الكرامة العظمى فى الدنيا والعقبى- حكى- انه كان بالبصرة رجل معروف بالمسكى لانه كان يفوح منه رائحة المسك فسئل عنه فقال كنت من احسن الناس وجها وكان لى حياء فقيل لأبى لو أجلسته فى السوق لا نبسط مع الناس فاجلسنى فى حانوت بزاز فجازت عجوز وطلبت متاعا فاخرجت لها ما طلبت فقالت لو توجهت معى لثمنه فمضيت معها حتى أدخلتني فى قصر عظيم فيه قبة عظيمة فاذا فيها جارية على سرير عليه فرش مذهبة فجذبتنى الى صدرها فقلت الله الله فقالت لا بأس فقلت انى حازق فدخلت الخلاء وتغوطت ومسحت به وجهى وبدني فقيل انه مجنون فخلصت ورأيت الليلة رجلا قال لى اين أنت من يوسف بن يعقوب ثم قال أتعرفني قلت لا قال انا جبريل ثم مسح بيده على وجهى وبدني فمن ذلك الوقت يفوح المسك على من رائحة جبريل عليه السلام وذلك ببركة التقوى. والتقوى فى عرف الشرع وقاية النفس عما يضرها فى الآخرة وهى على مراتب. الاولى التوقي
عن العذاب المخلد بالتبري من الشرك وعليه قوله تعالى وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى. والثانية التجنب عن كل اثم وهو المتعارف باسم التقوى وهو المعنى بقوله تعالى وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا. والثالثة التنزه عن جميع ما يشغله وهو التقوى الحقيقي المطلوب بقوله تعالى اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ ومن هذا القبيل ما حكى عن ذى النون المصري انه لما جاء اليه بعض الوزراء وطلب الهمة واظهر الخشية من السلطان قال له لو خشيت انا من الله كما تخشى أنت من السلطان لكنت من جملة الصديقين
گر نبودى اميد راحت ورنج | پاى درويش بر فلك بودى |
ور وزير از خدا بترسيدى | همچنان كز ملك ملك بودى |

فخير المال ما كان متاع البلاغ ولا ينبغى للمرء ان يسرف فى المال الذي يبلغه الى الآخرة والجنة والقربة
چودخلت نيست خرج آهسته تر كن | كه ملاحان همى گويند سرودى |
اگر باران بكوهستان نبارد | بسالى دجله گردد خشك رودى |
درخت اندر خزانها بر فشاند | زمستان لاجرم بى برگ ماند |
دريغست بأسفله گفت از علوم | كه ضايع شود تخم در شوره بوم |

وليس فيه اباحة القليل وتحريم الإسراف بل هو بيان انه إسراف وَبِداراً اى مبادرين ومسارعين الى إنفاقها مخافة أَنْ يَكْبَرُوا فتفرطون فى إنفاقها وتقولون ننفق كما نشتهى قبل ان تكبر اليتامى رشدا فينتزعوها من أيدينا ويلزمنا تسليمها إليهم وَمَنْ كانَ غَنِيًّا من الأولياء والأوصياء فَلْيَسْتَعْفِفْ فليتنزه عن أكلها وليمتنع وليقنع بما آتاه الله من الغنى والرزق إشفاقا على اليتيم وابقاء على ماله واستعفف ابلغ من عف كأنه يطلب زيادة العفة وَمَنْ كانَ من الأولياء والأوصياء فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ
اى بما عرف فى الشرع بقدر حاجته الضرورية واجرة سعيه وخدمته وفيه ما يدل على ان للوصى حقا لقيامه عليها فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ بعد ما راعيتم الشرائط المذكورة فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ بانهم تسلموها وقبضوها وبرئت منها ذممكم لما ان ذلك ابلغ من التهمة وانفى للخصومة وادخل فى الامانة وبراءة الساحة وان لم يكن واجبا عند أصحابنا فان الوصي مصدق فى الدفع مع اليمين وقال مالك والشافعي لا يصدق فى دعواه الا بالبينة وَكَفى بِاللَّهِ الباء صلة حَسِيباً محاسبا وحافظ الأعمال خلقه فلا تخالفوا ما أمرتم به ولا تجاوزوا ما حدّ لكم واعلموا ان اللائق للعاقل ان يحترز عن حق الغير خصوصا اليتيم فانه يجره الى نار الجحيم فأكل حقه من الكبائر ومن ابتلى بحق من حقوق العباد فعليه بالاستحلال
قبل الانتقال الى دار السؤال قال رسول الله ﷺ (من كانت عنده مظلمة لاخيه او شىء فليتحلله منه اليوم من قبل ان لا يكون دينار ولا درهم ان كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمة وان لم يكن له حسنات أخذ من سيآت صاحبه فحمل عليه ومن اجتمعت عليه مظالم وقد تاب عنها وعسر عليه استحلال ارباب المظالم فليكثر من حسناته ليوم القصاص وليسرّ ببعض الحسنات بينه وبين الله بكمال الإخلاص حيث لا يطلع عليه الا الله فعساه يقربه ذلك الى الله فينال به لطفه الذي ادخره لارباب الايمان فى دفع مظالم العباد عنهم بإرضائه إياهم).
قال العلماء إذا زنى بامرأة ولها زوج فما لم يجعل ذلك الرجل فى حل لا يغفر له لان خصمه الآدمي فاذا تاب وجعله فى حل فان يغفر له ويكتفى بحل منه ولا يذكر الزنى ولكن يقول كل حق لك على فاجعلنى فى حل منه ومن كل خصومة بينى وبينك وهذا صلح بالمعلوم على المجهول وذلك جائز كرامة لهذه الامة لان الأمم السالفة ما لم يذكروا الذنب لا يغفر لهم وكذا غصب اموال عباد الله وأكلها وضربهم وشتمهم وقتلهم كلها من الحقوق التي يلزم فيها إرضاء الخصماء والتوبة والمبادرة الى الأعمال الصالحة والافعال الحسنة فاذا لم يتب العبد من أمثال هذه ولم يرض خصماءه كان خاسرا خاليا عن العمل عند العرض الأكبر
نماند ستمكار بد روزگار | بماند برو لعنت پايدار |
چنان زى كه ذكرت بتحسين كند | چومردى نه بر گور نفرين كنند |
نبايد برسم بد آيين نهاد | كه گويند لعنت بر ان كين نهاد |