
الليلة من الخزائن» والحقيقة في هذا غير بعيدة، لكنه ليس باختزان حاجة ولا قلة قدرة كما هو اختزان البشر. وقال عثمان رضي الله عنه سألت رسول الله ﷺ عن مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فقال: «لا إله إلا الله والله أكبر وسبحان الله والحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله، هو الأول والآخر والظاهر والباطن، يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير».
وقوله: أَفَغَيْرَ منصوب ب أَعْبُدُ، كأنه قال: أفغير الله أعبد فيما تأمروني؟ ويجوز أن يكون نصبه ب تَأْمُرُونِّي على إسقاط أن، تقديره أفغير الله تأمروني أن أعبد.
وقرأت فرقة: «تأمرونني» بنونين، وهذا هو الأصل. وقرأ ابن كثير: «تأمرونّي» بنون مشددة مكسورة وياء مفتوحة. وقرأ ابن عامر: «تأمروني» بياء ساكنة ونون مكسورة خفيفة، وهذا على حذف النون الواحدة وهي الموطئة لياء المتكلم، ولا يجوز حذف النون الأولى وهو لحن لأنها علامة رفع الفعل، وفتح نافع الياء على الحذف فقرأ: «تأمروني» وقرأ الباقون بشد النون وبسكون الياء.
وقوله تعالى: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ الآية، قالت فرقة: في الآية تقديم وتأخير كأنه قال: «لقد أوحي إليك لئن أشركت ليحبطن عملك وإلى الذين من قبلك»، وقالت فرقة: الآية على وجهها، المعنى: «ولقد أوحي إلى كل نبي لئن أشركت ليحبطن عملك». وحبط: معناه: بطل وسقط، وبهذه الآية بطلت أعمال المرتد من صلاته وحجه وغير ذلك.
قوله عز وجل:
[سورة الزمر (٣٩) : الآيات ٦٦ الى ٦٨]
بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (٦٦) وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٦٧) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ (٦٨)
المكتوبة: نصب بقوله: فَاعْبُدْ. وقوله تعالى: وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ معناه: وما عظموا الله حق عظمته ولا وصفوه بصفاته، ولا نفوا عنه ما لا يليق به.
واختلف الناس في المعنى بالضمير في قوله: قَدَرُوا قال ابن عباس: نزل ذلك في كفار قريش الذين كانت هذه الآيات كلها محاورة لهم وردا عليهم. وقالت فرقة: نزلت الآية في قوم من اليهود تكلموا في صفات الله تعالى وجلاله، فألحدوا وجسموا وأتوا كل تخليط، فنزلت الآية فيهم، وفي الحديث الصحيح:
أنه جاء حبر إلى رسول الله ﷺ فجلس إليه، فقال له النبي عليه السلام حدثنا، فقال: إن الله عز وجل إذا كان يوم القيامة جعل السماوات على أصبع والأرضين على أصبع والجبال على أصبع، والماء والشجر على أصبع، وجميع الخلائق على أصبع، ثم يهزهن فيقول: أنا الملك، فضحك رسول الله ﷺ حتى بدت نواجذه تصديقا له، ثم قرأ هذه الآية.

قال القاضي أبو محمد: فرسول الله ﷺ تمثل بالآية، وقد كانت نزلت. وقوله في الحديث: تصديقا له، أي في أنه لم يقل إلا ما رأى في كتب اليهود، ولكن النبي ﷺ أنكر المعنى، لأن التجسيم فيه ظاهر واليهود معروفون باعتقاده، ولا يحسنون حمله على تأويله من أن الأصبع عبارة عن القدرة، أو من أنها أصبع خلق يخلق لذلك، ويعضدها تنكير الأصبع.
وروى سعيد بن المسيب أن سبب نزول الآية أن طائفة من اليهود جاءت إلى رسول الله ﷺ فقالوا يا محمد، هذا الله خلق الأشياء، فمن خلق الله؟ فغضب رسول الله ﷺ وساورهم، ونزلت الآية في ذلك.
وقرأ جمهور الناس: «قدره» بسكون الدال. وقرأ الأعمش: بفتح الدال. وقرأ أبو حيوة والحسن وعيسى بن عمر وأبو نوفل: «وما قدّروا» بشد الدال «حق قدره» بفتح الدال.
وقوله تعالى: وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ معناه: في قبضته. وقال ابن عمر ما معناه: أن الأرض في قبضة اليد الواحدة، وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ باليمين الأخرى، لأنه كلتا يديه يمين، ورواه عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقال ابن عباس: الأرض جميعا قبضته، والسماوات وكل ذلك بيمينه.
وقرأ عيسى بن عمر: «مطويات» بكسر التاء المنونة، والناس على رفعها.
وعلى كل وجه، ف «اليمين» هنا و «القبضة» وكل ما ورد: عبارة عن القدرة والقوة، وما اختلج في الصدور من غير ذلك باطل، وما ذهب إليه القاضي من أنها صفات زائدة على صفات الذات قول ضعيف، وبحسب ما يختلج في النفوس التي لم يحضنها العلم.
قال عز وجل: سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ. أي هو منزه عن جميع الشبه التي لا تليق به. ثم ذكر تعالى النفخ في الصور ليصعق الأحياء من أهل الدنيا والسماء، وفي بعض الأحاديث من طريق أبي هريرة عن النبي ﷺ أن قبل هذه الصعقة الفزع ولم تتضمنها هذه الآية. و: «صعق» في هذه الآية معناه: خر ميتا. و: الصُّورِ القرن، ولا يتصور هنا غير هذا، ومن يقول الصُّورِ جمع صورة، فإنما يتوجه قوله في نفخة البعث.
وقرأ قتادة: «في الصور» بفتح الواو، وهي جمع صورة.
وقوله: إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ قال السدي: استثنى جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت، ثم أماتهم بعد هذه الحال، وروي ذلك عن أنس بن مالك عن النبي ﷺ وقال: استثنى الأنبياء: وقال ابن جبير: استثنى الشهداء.
وقوله: ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى هي نفخة البعث. وروي أن بين النفختين أربعين، لا يدري أبو هريرة سنة أو يوما أو شهرا أو ساعة. وباقي الآية بين.
قوله عز وجل: