آيات من القرآن الكريم

لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَىٰ مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ سُبْحَانَهُ ۖ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ
ﭴﭵﭶﭷﭸﭹ ﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄ ﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨ ﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜ

- ١ - تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ
- ٢ - إِنَّآ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ
- ٣ - أَلاَ لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بينهم فيما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ
- ٤ - لَّوْ أَرَادَ اللَّهُ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ
يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّ تَنْزِيلَ هَذَا الْكِتَابِ وَهُوَ (الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ) مِنْ عِنْدِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فَهُوَ الْحَقُّ الذِي لَا مِرْيَةَ فِيهِ وَلَا شَكَّ كَمَا قال عزَّ وجلَّ: ﴿وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ العالمين﴾، وقال تعالى: ﴿تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾، وقال ها هنا ﴿تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ﴾ أَيِ الْمَنِيعِ الْجَنَابِ ﴿الْحَكِيمِ﴾ أَيْ فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَشَرْعِهِ وَقَدَرِهِ، ﴿إِنَّآ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ﴾ أَيْ فَاعْبُدِ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَادْعُ الْخَلْقَ إِلَى ذَلِكَ، وَأَعْلِمْهُمْ أَنَّهُ لَا تَصْلُحُ الْعِبَادَةُ إِلَّا لله وحده، ولهذا قال تعالى: ﴿أَلاَ لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ﴾ أَيْ لَا يُقْبَلُ مِنَ الْعَمَلِ إِلَّا مَا أَخْلَصَ فِيهِ الْعَامِلُ لِلَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَقَالَ قَتَادَةُ: ﴿أَلاَ لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ﴾: شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، ثُمَّ أخبر عزَّ وجلَّ عَنْ عُبَّادِ الْأَصْنَامِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾ أَيْ إِنَّمَا يَحْمِلُهُمْ عَلَى عِبَادَتِهِمْ لَهُمْ أَنَّهُمْ عَمَدُوا إِلَى أَصْنَامٍ، اتَّخَذُوهَا عَلَى صُوَرِ الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ فِي زَعْمِهِمْ، فَعَبَدُوا تِلْكَ الصُّوَرَ تنزيلاًَ لِذَلِكَ مَنْزِلَةَ عِبَادَتِهِمُ الْمَلَائِكَةَ، لِيَشْفَعُوا لَهُمْ عِنْدَ الله تعالى، فَأَمَّا الْمَعَادُ فَكَانُوا جَاحِدِينَ لَهُ كَافِرِينَ بِهِ، قال قتادة والسدي: ﴿إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾ أَيْ لِيَشْفَعُوا لَنَا وَيُقَرِّبُونَا عِنْدَهُ مَنْزِلَةً، وَلِهَذَا كَانُوا يَقُولُونَ في تلبيتهم

صفحة رقم 211

إِذَا حَجُّوا فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ: «لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ إِلَّا شَرِيكًا هُوَ لَكَ تَمْلِكُهُ وَمَا مَلَكَ» وَهَذِهِ الشُّبْهَةُ هِيَ الَّتِي اعْتَمَدَهَا الْمُشْرِكُونَ فِي قَدِيمِ الدَّهْرِ وَحَدِيثِهِ، وَجَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ بِرَدِّهَا وَالنَّهْيِ عَنْهَا، وَالدَّعْوَةِ إِلَى إِفْرَادِ الْعِبَادَةِ لِلَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ هَذَا شَيْءٌ اخْتَرَعَهُ الْمُشْرِكُونَ مِّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ، لَمْ يَأْذَنِ اللَّهُ فِيهِ، وَلَا رَضِيَ بِهِ، بَلْ أَبْغَضَهُ وَنَهَى عَنْهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فاعبدون﴾، وأخبر أن الملائكة التي في السماوات، كلهم عبد خاضعون لله، لا يشفعون عند إِلَّا بِإِذْنِهِ لِمَنِ ارْتَضَى، وَلَيْسُوا عِنْدَهُ كَالْأُمَرَاءِ عند ملوكهم، يشفعون عندهم بغير إذنهم ﴿فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلَّهِ الأمثال﴾ تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
وقوله عزَّ وجلَّ: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُم﴾ أَيْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴿فيما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ أَيْ سَيَفْصِلُ بَيْنَ الْخَلَائِقِ يوم معادهم، ويجزي كل عامل بعمله، ﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ﴾ أَيْ لَا يُرْشِدُ إِلَى الْهِدَايَةِ، مَنْ قصده الكذب والافتراء على الله تعالى، وقلبه كافر بِآيَاتِهِ وَحُجَجِهِ وَبَرَاهِينِهِ؛ ثُمَّ بيَّن تَعَالَى أَنَّهُ لَا وَلَدَ لَهُ كَمَا يَزْعُمُهُ جَهَلَةُ الْمُشْرِكِينَ فِي الْمَلَائِكَةِ، وَالْمُعَانِدُونَ مَنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فِي العزير وعيسى، فقال تبارك وتعالى: ﴿لَّوْ أَرَادَ اللَّهُ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ﴾ أَيْ لَكَانَ الْأَمْرُ عَلَى خِلَافِ مَا يَزْعُمُونَ، وَهَذَا شَرْطٌ لَا يَلْزَمُ وُقُوعُهُ وَلَا جَوَازُهُ بَلْ هُوَ مُحَالٌ، وَإِنَّمَا قَصَدَ تَجْهِيلَهُمْ فِيمَا ادَّعَوْهُ وَزَعَمُوهُ كَمَا قال عزَّ وجلَّ: ﴿لَوْ أَرَدْنَآ أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً لاَّتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّآ إِن كنا فاعلين﴾، فهذا مِنْ بَابِ الشَّرْطِ، وَيَجُوزُ تَعْلِيقُ الشَّرْطِ عَلَى المستحيل لمقصد المتكلم، وقوله تعالى: ﴿سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾ أَيْ تَعَالَى وَتَنَزَّهَ وَتَقَدَّسَ، عَنْ أَنْ
يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ، فإنه الواحد الأحد الفرد الصمد، الذي قهر الأشياء، فدانت له وذلت وخضعت، تبارك وتعالى عما يقول الظالمون والجاحدون علواً كبيراً.

صفحة رقم 212
مختصر تفسير ابن كثير
عرض الكتاب
المؤلف
محمد علي بن الشيخ جميل الصابوني الحلبي
عدد الأجزاء
1