
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الزمرسورة الزمر مكية إلا ثلاث آيات نزلن بالمدينة في وحشي قاتل حمزة إذ المدينة، فكان النبي - ﷺ - لا يطيق أن ينظر إليه فتوهم أن الله، - عز وجل - لم يقبل إيمانه، الله تعالى فيه: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ) إلى آخر الثلاث الآيات.
قوله تعالى: ﴿تَنزِيلُ الكتاب مِنَ الله﴾ - إلى قوله - ﴿بِذَاتِ الصدور﴾. صفحة رقم 6293

" تنزيل " رفع بالابتداء، والخبر " من الله ".
ويجوز أن يكون خبر ابتداء محذوف، أي هذا تنزيل الكتاب.
وأجاز الكسائي والفراء نصبه على أنه مفعول به، أي: اقرؤوا تنزيل واتبعوا كتاب الله تنزيل. وعلى الإغراء مثل: ﴿كتاب الله عَلَيْكُمْ﴾ [النساء: ٢٤]، أي الزموا كتاب الله.
والمعنى: الكتاب الذي أنزله الله على محمد ﷺ هو: من الله العزيز في انتقامه، الحكيم في تدبيره.
ثم قال تعالى: ﴿إِنَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ الكتاب بالحق﴾، أي: أنزلنا إليك القرآن بالعدل.
روى ابن جبير عن ابن عباس أنه قال: فصل القرآن من الذكر، يعني اللوح المحفوظ. قال: فوضع في بيت العزة في سما الدنيا، فجعل جبريل ينزله على النبي ﷺ تنزيلاً.
قال سفيان: خمس آيات ونحوها، ولذلك قال تعالى:

﴿فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النجوم﴾ [الواقعة: ٧٥] (يعني نجوم) القرآن.
قال أبو قلابة: نزل القرآن لأربع وعشرين ليلة من شهر رمضان، والتوراة / لست، والإنجيل لاثنتي عشرة.
ثم قال: ﴿فاعبد الله مُخْلِصاً لَّهُ الدين﴾ أي: فاخشع لله بالطاعة وأخلص له العبادة ولا ترائي بها غير الله.
روي أنه يؤتى بالرجل يوم اليامة للحساب وفي صحيفته أمثال الجبال من الحسنات، فيقول رب العزة تبارك وتعالى: أَصَلَيْتَ يوم كذا وكذا ليقال: صلى فلان! أنا الله لا إله إلا أنا لي الدين الخالص.
أتصدقت يوم كذا وكذا ليُقال تصدق فلان! أنا الله لا إله إلا أنا لي الدين الخالص. فما يزال يمحو بعد شيء حتى تبقى صحيفته ما فيها شيء فيقول ملكاه:

يا فلان: الغير الله كنت تعمل؟.
قال السدي: الدين هنا التوحيد.
وروى أبو هريرة " أن رجلاً قال: يا رسول الله، إني أتصدق بالشيء، وأصنع الشيء الذي أريد به وجه الله وثناء الناس (!) فقال النبي: " وَالذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لاَ يَقْبَلُ الله تَعَالى شَيْئاً شُورِك فِيه، ثُمَّ تلا رسول الله ﷺ: ﴿ أَلاَ لِلَّهِ الدين الخالص﴾ ".
قال قتادة: إلا لله الدين الخالص: شهادة إلا إله إلا الله.
ثم قال: ﴿والذين اتخذوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ﴾، أي: من دون الله آلهة يتولونهم ويعبدونهم من دون الله يقولون: ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى الله زلفى﴾ أي: قُرْبَة شفاعتهم لنا.
وفي قراءة أبيِّ: " ما نعبدكم ". وفي قراءة ابن مسعود: " قالوا ما نعبدهم ".

قال مجاهد: قريش تقوله للأوثان. قال قتادة: قالت قريش: ما نعبدهم إلا ليشفعوا لنا عند الله، وهو قول ابن زيد.
ثم قال: ﴿إِنَّ الله يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾، أي: يفصل بينهم فيما اختلفوا فيه من عبادة الأوثان.
ثم قال: ﴿إِنَّ الله لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ﴾، أي: لا يهدي إلى الحق من هو مفتر على الله الكذب كافر لنعمته.
ثم قال: ﴿لَّوْ أَرَادَ الله أَن يَتَّخِذَ وَلَداً﴾، أي لو أراد الله اتخاذ ولد - ولا ينبغي له ذلك - لاختار من خلقه ما يشاء.
﴿سُبْحَانَهُ﴾، أي: تنزيهاً له أن يكون له ولد.
﴿هُوَ الله الواحد﴾، أي: المنفرد بالألوهية، لا شريك له في ملكه. ﴿القهار﴾ لخلقه بقدرته.
ثم قال تعالى: ﴿خَلَقَ السماوات والأرض بالحق﴾، أي ابتدع ذلك بالعدل.
﴿يُكَوِّرُ الليل عَلَى النهار وَيُكَوِّرُ النهار عَلَى الليل﴾ قال ابن عباس: يحمل هذا على هذا (وهذا على هذا).
وقال قتادة: يغشي هذا على هذا.

وقال السدي: يذهب هذا بهذا وهذا بهذا، هو قول ابن زيد.
وقال أبو عبيدة: هو مثل: ﴿يُولِجُ الليل فِي النهار وَيُولِجُ النهار فِي الليل﴾ [الحج: ٦١].
وأصل التكوير في اللغة: اللف والجمع.
ثم قال تعالى ذكره: ﴿وَسَخَّرَ الشمس والقمر﴾، أي: سخر ذلك لعباده ليعلموا عدد السنين والحساب، ويتصرفوا في النهار لمعايشهم ومصالح أمورهم، ويسكنون في الليل.
ثم قال: ﴿كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى﴾ إلى قيام الساعة فتكور الشمس وتنكدر النجوم.
وقيل: المعنى: إن لكل واحد منازل لا يعدوها في جريه ولا يقصر دونها.
ثم قال تعالى: ﴿أَلا هُوَ العزيز الغفار﴾: أي: ألا إن الله الذي فعل هذه الأفعال وأنعم على خلقه بهذه النعم هو العزيز في انتقامه مما عاداه، الغفار لذنوب التائبين من عباده.
ثم قال تعالى: ﴿خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا﴾، أي: من آدم عليه السلام وخلق حواء من ضلعه.

وإنما ذكر الخلق قبل حواء وهي قبلهم في الخلق، لأن العرب ربما أخبرت عن رجل بفعلين. فترد الأول منهما على المعنى " بثم " إذا كان من خبر المتكلم يقال: قد بلني ما كان منك اليوم ثم بما كان منك أمس أعجب.
وقيل معناه: " ما روي عن النبي ﷺ إن الله جل ذكره لما خلق آدم مسح ظهره وأخرج كل نسمة هي كائنة إلى يوم القيامة ثم أسكنه بعد ذلك الجنة، (فخلق بعد ذلك) حواء من ضلع من أضلاعه ".
وقيل المعنى: خلقكم من نفس وحدها ثم جعل منها زوجها. ثم قال

تعالى: ﴿وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ الأنعام ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ﴾ وهي المفسرة في سورة الأنعام: الإبل والضأن والمعز والبقر كل زوجين ذكر وأنثى.
وإنما أخبر عنها بالنزول، لأنها إنما نشأت وتكونت بالنبات، والنبات إنما نشأ وتكوّن بالمطر، فالمطر هو المُنْزَلُ، فأخبر عما اندرج وتكوّن منه بالإنزال. وهذا من التدريج وله نظائر كثيرة، ومنه قوله: ﴿يابنيءَادَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً﴾
[الأعراف: ٢٦] فاللباس لم ينزل لكنه تكوّن عما نبت بالمطر الذي هو مُنْزَلٌ، فسمي ما تكوَن عن المطر: منزل.
ثم قال ﴿يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِّن بَعْدِ خَلْقٍ﴾، / أي: يبتدئ خلقكم في بطون أمهاتكم نطفه ثم علقة ثم مضغة ثم عظاماً، ثم يكسو العظام لحماً ثم ينشئه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين، هذا قول جماعة المفسرين إى ابن زيد فإنه قال: معناه: يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقاً من بعد الخلق الأول في الأصلاب.
وقوله: ﴿فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاَثٍ﴾، يعني به ظُلْمَةُ البطن وظلمة الرحم وظلمة

المَشِيمَةِ، هذا قول جميع المفسرين إلا أبا عبيدة فإنه قال: هي ظلمة الصلب ثم ظلمة الرحم ثم ظلمة البطن.
ثم قال: ﴿ذلكم الله رَبُّكُمْ﴾ ذا: إشارة إلى اسم الله جلّ ذكره، والكاف والميم للمخاطبة.
والمعنى: الذي فعل هذه الأشياء الله ربكم لا الأوثان التي تعبدونها لا تضر ولا تنفع.
﴿لَهُ الملك لا إله إِلاَّ هُوَ﴾، أي: لا ينبغي أن يكون معبوداً سواه، له ملك كل شيء.
﴿فأنى تُصْرَفُونَ﴾، أي: كيف تُصْرَف عقولكم عن هذا ومن أين تعدلون عن الحق بعد هذا البيان.
ثم قال تعالى: ﴿إِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنكُمْ﴾.
قال ابن عباس: هو خاص (عنى به الكفار الذين) لم يرد الله أن