آيات من القرآن الكريم

لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَىٰ مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ سُبْحَانَهُ ۖ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ
ﭴﭵﭶﭷﭸﭹ ﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄ ﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨ ﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜ

مصدر القرآن والأمر بالعبادة الخالصة لله تعالى
[سورة الزمر (٣٩) : الآيات ١ الى ٤]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (١) إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (٢) أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ (٣) لَوْ أَرادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ سُبْحانَهُ هُوَ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (٤)
الإعراب:
تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ تَنْزِيلُ: مبتدأ، ومِنَ اللَّهِ: خبره، ويجوز كونه خبر مبتدأ محذوف، تقديره: هذا تنزيل. وقرئ تَنْزِيلُ بالنصب، على إضمار فعل نحو اقرأ أو الزم.
وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ.. وَالَّذِينَ: مبتدأ، وخبره محذوف، تقديره:
يقولون: ما نعبدهم، ويجوز جعل الخبر: إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ. ويكون «يقولون» المحذوف حال في ضمير اتَّخَذُوا تقديره: والذين اتخذوا من دونه أولياء قائلين: ما نعبدهم. وجملة ما نَعْبُدُهُمْ في موضع نصب ب «يقولون» المقدر، لأن الجمل تقع بعد القول محكية في موضع نصب.
المفردات اللغوية:
الْكِتابِ القرآن الْعَزِيزِ القوي في ملكه الْحَكِيمِ في صنعه، يضع الأشياء في موضعها المناسب إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ يا محمد الْكِتابَ بِالْحَقِّ بالحق متعلق ب أَنْزَلْنا أي ملتبسا بالحق، قائما عليه، أو بسبب إثبات الحق وإظهاره وتفصيله فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ ممحضا له الدين، خاليا من الشرك والرياء، أي موحدا الله.

صفحة رقم 241

أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ أي لله وحده الدين صافيا نقيا، لا يستحقه غيره، لأنه المنفرد بصفات الألوهية والاطلاع على الأسرار والضمائر. وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ أي المتخذون من دون الله نصراء وهم كفار مكة الذين اتخذوا الأصنام آلهة. ما نَعْبُدُهُمْ يقولون: ما نعبدهم.
زُلْفى قربى، مصدر بمعنى التقريب. إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ وبين المسلمين. فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ من أمر الدين، فيدخل المؤمنين الجنة، والكافرين النار.
لا يَهْدِي لا يوفق للاهتداء إلى الحق. مَنْ هُوَ كاذِبٌ في نسبة الولد إليه.
كَفَّارٌ شديد الكفر بعبادته غير الله.
لَوْ أَرادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً كما قال المشركون: اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً. لَاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ لاختار من خلقه ما يشاء غير ما قالوا: إن الملائكة بنات الله، وعزيز ابن الله، والمسيح ابن الله. سُبْحانَهُ تنزيها له عن اتخاذ الولد. الْقَهَّارُ القاهر كل شيء من خلقه.
سبب النزول: نزول الآية (٣) :
وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا: أخرج جويبر عن ابن عباس في هذه الآية قال:
أنزلت في ثلاثة أحياء: عامر وكنانة وبني سلمة، كانوا يعبدون الأوثان، ويقولون: الملائكة بناته، فقالوا: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى.
التفسير والبيان:
تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ أي هذا الكتاب العظيم وهو القرآن تنزيل من الله تعالى، العزيز الذي لا يغلب ولا يعجزه شيء، الحكيم في صنعه، يضع الأشياء في مواضعها المناسبة، فهو الحق الذي لا مرية فيه ولا شك، كما قال عز وجل: وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ، نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ، عَلى قَلْبِكَ، لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ، بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ [الشعراء ٢٦/ ١٩٢- ١٩٥] وقال تبارك وتعالى: وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ، لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ، تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فصلت ٤١/ ٤١- ٤٢].

صفحة رقم 242

إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ أي إنا أنزلنا إليك يا محمد القرآن مقترنا بالحق، أي إن كل ما فيه حق، من إثبات التوحيد والنبوة والمعاد وأنواع التكاليف الشرعية، ولم ننزله باطلا لغير شيء.
فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ فاعبد الله وحده لا شريك له وادع الخلق إلى ذلك، وأعلمهم أنه لا نصلح العبادة إلا لله وحده، وأنه ليس له شريك ولا عديل ولا نديد. والإخلاص: أن يقصد العبد بعمله وجه الله سبحانه، ولا يقصد شيئا آخر. والدين: العبادة والطاعة، ورأسها توحيد الله، واعتقاد أنه لا شريك له. ولهذا قال تعالى مؤكدا هذا المعنى:
أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ أي ألا لله العبادة والطاعة الخالصة من شوائب الشرك والرياء وغيره. وأما ما سواه من الدين فليس بدين الله الخالص الذي أمر به، فإن الله لا يقبل من العمل إلا ما أخلص فيه العامل لله وحده لا شريك له.
وقوله: أَلا لِلَّهِ يفيد الحصر، أي أن يثبت الحكم في المذكور، وينتفي عن غيره.
وإذا كان رأس العبادة الإخلاص لله، فطريق المشركين مذموم، كما قال تعالى:
وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ، ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى أي وأما المشركون الذين والوا غير الله تعالى، وهي الأصنام التي عبدوها من دونه، فيقولون: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله تقريبا، ويشفعوا لنا عنده في حوائجنا.
وهؤلاء عاقبتهم وخيمة كما قال تعالى مهددا لهم:
إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ أي إن الله يحكم بين أهل الأديان

صفحة رقم 243

يوم القيامة، ويفصل في خلافاتهم، ويجزي كل عامل بعمله، فيدخل المخلصين الموحدين الجنة، ويدخل المشركين النار.
إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ أي إن الله لا يرشد لدينه، ولا يوفق للاهتداء إلى الحق، من هو كاذب مفتر على الله، في زعمه أن لله ولدا، وأن الآلهة تشفع له وتقربه إلى الله، مغال في كفره باتخاذ الأصنام آلهة، وجعلها شركاء لله، من غير دليل عقلي ولا نقلي مقبول.
ثم رد الله تعالى على زعمهم اتخاذ الله ولدا، فقال:
لَوْ أَرادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لَاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ أي لو شاء الله اتخاذ ولد، وهو لا يحتاج لذلك، لاختار من جملة خلقه ما يشاء أن يختاره، ولكان الأمر على خلاف ما يزعمون، فيختار أكمل الأولاد وهم الأبناء، لا البنات كما زعموا، إذ لا موجود سواه إلا وهو مخلوق له، ولا يصح أن يكون المخلوق ولدا للخالق، فلم يبق إلا أن يختار ما يريد هو، لا ما يزعمون.
ثم نزّه الله تعالى نفسه عن اتخاذ الولد، فقال:
سُبْحانَهُ هُوَ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ أي تنزه الله وتقدس عن أن يكون له ولد، فإنه الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي يفتقر إليه كل شيء، وهو الغني عما سواه، قهر الأشياء فدانت له وخضعت وذلت، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا.
فقه الحياة أو الأحكام:
أرشدت الآيات إلى الأحكام التالية:
١- إن القرآن العظيم تنزيل من رب العالمين، وكل ما فيه من إثبات التوحيد والنبوة والمعاد وأنواع التكاليف حق لا مرية فيه، وصدق يجب العمل

صفحة رقم 244

به. والدليل على نزوله من عند الله: أن الفصحاء عجزوا عن معارضته، ولو لم يكن معجزا، لأنه كلام الله الموحى به إلى رسوله ص، لما عجزوا عن معارضته.
٢- العبادة والطاعة لا تكون إلا لله وحده، فلله الدين الخالص الذي لا يشوبه شيء.
روى أبو هريرة رضي الله عنه: أن رجلا قال: يا رسول الله، إني أتصدق بالشيء، وأصنع الشيء، أريد به وجه الله، وثناء الناس، فقال رسول الله ص: «والذي نفس محمد بيده لا يقبل الله شيئا شورك فيه» ثم تلا رسول الله ص: أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ.
وروى ابن جرير عن أبي هريرة حديثا قدسيا بلفظ: «من عمل عملا أشرك فيه غيري، فهو له كله، وأنا أغنى الشركاء عن الشرك».
٣- قال ابن العربي عن آية: إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ، فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ، أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ: هي دليل على وجوب النية في كل عمل، وأعظمه الوضوء الذي هو شطر الإيمان، خلافا لأبي حنيفة والوليد بن مسلم عن مالك اللذين يقولان: إن الوضوء يكفي من غير نية، وما كان ليكون من الإيمان شطره، ولا ليخرج الخطايا من بين الأظافر والشعر، بغير نية «١».
٤- اعتمد المشركون في عبادتهم الأصنام واتخاذها شفعاء عند الله على وهم لا يعتمد أصلا على أساس مقبول من العقل والنقل، إذ كيف يعقل أن تكون الأصنام والجمادات وسيلة تقرب إلى الله؟ وكذلك لا يعقل أن تكون هذه الأصنام تماثيل الكواكب أو تماثيل الأرواح السماوية، أو تماثيل الأنبياء والصالحين الذين مضوا، ويكون المقصود من عبادتها توجيه تلك العبادات إلى من جعلت تماثيل لها، لأن هذه المخلوقات عاجزة عن جلب الخير لنفسها أو دفع الضر عنها، فكيف تحقق ذلك لغيرها؟!!

(١) أحكام القرآن: ٤/ ١٦٤٤

صفحة رقم 245
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية