١٥١ - قال الله تعالى: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٦٧)
* سَبَبُ النُّزُولِ:
١ - أخرج أحمد والترمذي عن ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: مر يهودي برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو جالس، قال: كيف تقول يا أبا القاسم يوم يجعل الله السماء على ذِه وأشار بالسبابة، والأرض على ذِه، والجبال على ذِه، وسائر الخلق على ذِه؟ كل ذلك يشير بأصابعه، قال: فأنزل الله - عزَّ وجلَّ - (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ).
٢ - أخرج أحمد والنَّسَائِي عن عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: جاء رجل إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من أهل الكتاب، فقال: يا أبا القاسم، أَبَلَغَك أن الله - عَزَّ وَجَلَّ - يحمل الخلائق على إصبع، والسماوات على إصبع، والأرضين على إصبع والشجر على إصبع، والثرى على إصبع؟ فضحك النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى بدت نواجذه، فأنزل الله - عزَّ وجلَّ -: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ).
وفي لفظ: ثم قرأ: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ... ).
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول الآية الكريمة. وقد ذكر جمع من المفسرين هذه الأحاديث لكن منهم من اقتصر على سياقها كالطبري والبغوي والقرطبي وابن كثير ولم يتعقبها بشيء.
ومنهم من بيّن أن الأحاديث ليست سبباً لنزول الآية كابن عطية وابن عاشور.
قال ابن عطية: (فرسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تمثل بالآية وقد كانت نزلت) اهـ.
وقال ابن عاشور: (ومعنى قوله: ثم قرأ هذه الآية، نزلت قبل ذلك لأنها مما نزل بمكة، والحبر من أحبار يهود المدينة... ثم ذكر كلامًا حتى قال: وفي بعض روايات الحديث فنزل قوله تعالى: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ) وهو وهم من بعض رواته وكيف وهذه مكية وقصة الحبر مدنية).
وعندي - والله أعلم - أن الآية لم تنزل بسبب تلك القصة لسببين:
الأول: أن السورة كلها مكية عند جمهور العلماء، والحدث مع اليهود في المدينة وبناءً عليه فلا يمكن أن تكون القصة سبباً لها.
الثاني: أنه قد تبين من طرق الأحاديث أن التصريح بالنزول شاذ غير محفوظ وأن المحفوظ من ذلك الذي تتابعت عليه الروايات ثم قرأ: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ) فالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - استدل بالآية على قدرة اللَّه التي أشار إليها الحبر، والله أعلم.
* النتيجة:
أن الآية نزلت ابتداءً وليس بسبب القصة المذكورة لأن السورة كلها مكية والقصة مدنية، ومع هذا فإن التصريح بالنزول ليس محفوظاً بل هو شاذ واللَّه أعلم.
* * * * *