
وقوله: ذَا الْأَيْدِ [١٧] يريد: ذا القوّة.
وقوله: وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً [١٩] ذكروا أَنَّهُ كَانَ إِذَا سَبَّح أجابته الجبال بالتسبيح، واجتمعت إِلَيْهِ الطير فسبحت. فذلك حشرها ولو كانت: والطير محشورة بالرفع لَمَّا لَمْ يظهر الفعل مَعَها كَانَ صوابًا.
تكون مثل قوله (خَتَمَ «١» اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ) وقال الشاعر:
ورأيتم لمجاشعٍ نَعَمًا | وبني أبيه جَامل رُغُب |
وقوله: وَشَدَدْنا مُلْكَهُ [٢٠] اجتمعت القراء عَلَى تَخفيفها ولو قَرَأ قارئ (وَشَدَّدنا) بالتشديد كَانَ وجهًا حسنًا. ومعنى التشديد أن محرابه كَانَ يحرسه ثلاثة وثلاثون ألفًا.
وقوله: وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ [٢٠].
قَالَ الفراء: حَدَّثَنِي عَمْرو بن أبي المقدام عَن الحكم بن عتيبَة عَن مُجاهد فِي قوله (وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ) قَالَ: الشهود والأيمان. وقال بعضُ المفسرين: فصْل الخطاب أمّا بعد.
وقوله: إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ [٢١] إذ دخلوا [٢٢] قد يُجاء بإذ مرّتين، (وَقَد) «٢» يكون معناهما كالواحد كقولك: ضَربتك إذ دخلت عَليّ إذ اجترأت، فيكون الدخول هو الاجتراء. ويكون أن تجعل أحدهما «٣» عَلَى مذهب لِمَا، فكأنه قَالَ: إذ تسَوَّرُوا المحراب لَمَّا دخلوا. وإن شئت جعلت لِمَا فِي الأول. فإذا كانت لَمّا أولًا وآخرًا فهي بعد صاحبتها كما تَقُولُ: أعطيته لمَّا سألني. فالسؤال قبل الإعطاء فِي تقدّمه وتأخّره.
وقوله: (خَصْمانِ) رفعته بإضمار (نحن خصمان) والعرب تضمر للمتكلّم والمكلّم المخاطب ما يرفع
(٢) ش، ب: «فقد».
(٣) ا: «إحداهما» وكلاهما جائز باعتبار اللفظ أو الكلمة.

فِعْله. ولا يَكادونَ يفعلونَ ذَلِكَ بغير المخاطب أو المتكلم. من ذَلِكَ أن تَقُولَ للرجل: أذاهب، أو أنْ يقول المتكلم: واصلكم إن شاء الله ومحسن إليكم. وَذَلِكَ أن المتكلم والمكلَّم حاضِران، فتعرف معنى أسمائهما إِذَا تركت. وأكثره فِي الاستفهام يقولون: أجادّ، أمنطلق. وقد يكون فى غير الاستفهام.
فقوله (خَصْمانِ) من ذَلِكَ. وقال الشاعر:
وَقولًا إِذَا جاوزتما أرض عَامِرٍ | وجاوزتما الحيَّيْنِ نَهْدًا وَخَثْعما |
نَزيعانِ من جَرْم بن زَبَّان إنهم | أبوا أن يميروا فِي الهزاهز مِحجَما |
تَقُولُ ابنَة الْكَعبيّ يوم لقيتُها | أمُنْطلق فِي الجيش أم متثاقِلُ |
مُحسنَة فِهيلي.
قَالَ الفراء: جاء ضيف إلى امرأة ومَعه جِرابُ دقيق، فأقبلت تأخذ من جرابه لنفسها، فلمّا أقبل أخذت من جِرابها إلى جرابه. فقال: ما تصنعين؟ قالت: أزيدك من دقيقي. قَالَ: محسنة فهيلي. أي أَلْقِي. وجاء فِي الآثار: مَن أعانَ عَلَى قتل مؤمنٍ بشَطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوبًا «١» بَيْنَ عينيه:
يائس من رحمة الله. وكلّ هَذَا بضمير ما أنباتك بِهِ.
ولو جاء فِي الكتاب: خصْمَين بغى بعضُنَا لكان صَوَابًا بضمير أتيناكَ خصمين، جئناكَ خَصْمين فلا تَخفنا. ومثله قول الشاعر:
وقالت ألا يا اسمع نِعظك بخُطَّةٍ | فقلت سَميعًا فانطقى وأصيبى |

وقوله (وَلا تُشْطِطْ) يقول: ولا تَجُر: وقد يقول بعضُ العرب: شططتَ عليّ فِي السَّوم، وأكثر الكلام أشططت. فلو قرأ قارئ (وَلَا تَشْطِطْ) كأنه يذهب به إلى معنى التباعد و (تَشْطُطْ) أيضًا. العرب تَقُولُ: شطَّت الدار فهي تَشِطّ وتَشُطّ.
وقوله (وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ) إلى قَصْدِ الصراط. وهذا مِمَّا تدخل فِيهِ (إلى) وتخرج منه.
قَالَ الله (اهْدِنَا»
الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) وقال (وَهَدَيْناهُ «٢» النَّجْدَيْنِ) وقال (إِنَّا هَدَيْناهُ «٣» السَّبِيلَ) ولم يقل (إلى) فحذفت إلى من كل هَذَا. ثُمَّ قَالَ فِي موضع آخر (أَفَمَنْ «٤» يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ) وقال (يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ «٥» وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ) ويُقال هديتك للحق وَإِلَيْهِ قَالَ الله (الَّذِي «٦» هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ) وكأن قوله (اهْدِنَا الصِّراطَ) أعلمنا الصراط، وَكَأنَّ قوله (اهدنا إلى الصراط) أرشِدْنَا إِلَيْهِ والله أعلم بذَلِكَ.
وقوله: إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً [٢٣] وَفِي قراءة عبد الله (كانَ لَهُ) وربّما أدخلت العرب (كَانَ) عَلَى الخبر الدائم الَّذِي لا ينقطع. ومنه قول الله فِي غير موضع (وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً) (وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) فهذا دائم. والمعنى البيّن أن تُدخل (كَانَ) عَلَى كل خبر قد كَانَ ثُمَّ انقطع كما تَقُولُ للرجل: قد كنت موسرًا، فمعنى هَذَا: فأنت الآن مُعْدِم.
وَفِي قراءة عبد الله (نَعْجةً أُنْثَى) والعربُ تؤكد التأنيث بأُنثاه، والتذكير بمثل ذَلِكَ، فيكون كالفضل «٧» فِي الكلام فهذا من ذَلِكَ. ومنه قولك للرجل: هَذَا والله رجل ذكر. وإنما يدخل هذا
(٢) الآية ١٠ سورة البلد.
(٣) الآية ٣ سورة الإنسان. [.....]
(٤) الآية ٣٥ سورة يونس.
(٥) الآية ٣٠ سورة الأحقاف.
(٦) الآية ٤٣ سورة الأعراف.
(٧) أي كالزيادة.